توسعة المسجد النبوي

ثم وسّع رسول الله صلى الله عليه وآله مسجده ، وزاد عليه مثله في الدور (1) .

قالت أُمُّ سَلَمَة : بنى رسول الله صلى الله عليه وآله مسجده فقرب اللبن وما يحتاجون إليه فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فوضع (2) رداءه ، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم (3) وجعلوا يعملون وكانوا يحملون لَبِنةً لَبِنة ، وعمار بن ياسر لبنتين لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله .

قال السمهودي : (وكان عثمان بن عفان يحمل اللبنة فيجافي (4) بها عن ثوبه فإذا وضعها نفض كمه ونظر إلى ثوبه فان أصابه شيء من التراب نفضه ، فنظر إليه علي عليه السلام فانشأ يعمل ويرتجز :

لا يستوي من يعمر المساجدا          يدأب   فيها  قائماً  وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا (5)

فسمعها عمار ، فجعل يرتجز بها وهو لا يدري من يعني بها فمر بعثمان فقال : يا ابن سمية ما أعرفني بمن تعرِّض ، ومعه جريدة ، فقال : لتكُفَّنَّ أو لأعترِضَنَّ (6) بها وجهك (7) ، فسمعها النبي صلى الله عليه وآله وهو جالس في ظل بيته فغضب ، ثم قال : إنَّ عمّار جِلدة ما بين عيني وأنفي (8) ، ثم قام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ومسح ظهره وقال : يا ابن سمية لك أجران وللناس أجر (9) وآخر زادك من الدنيا شربة من لبن (10) وتقتلك الفئة الباغية (11)) .

وسَدَّ رسول الله صلى الله عليه وآله الأبواب التي كانت شارعة إلى المسجد إلا باب علي عليه السلام ، وفي رواية زيد بن أرقم قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبواب شارعة في المسجد فقال يوماً : سدوا هذه الأبواب إلا باب علي ، فتكلم في ذلك الناس فقام رسول الله فحمد الله تعالى واثنى عليه ثم قال : أمّا بعد فإنّي أُمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي وقال فيه قائلكم وإنّي والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكنّي أُمرت بشيء فاتبعته (12) .

______________________

(1) وفاء الوفا ج1 ص328 .

(2) اي القاه جانبا .

(3) جمع كساء .

(4) يباعد

(5) اي مائلا .

(6) اى اضرب .

(7) في سيرة ابن هشام قال ابن هشام : (فلما اكثر أي عمار بالرجز ظن رجل من اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) انّه انما يعرض به وقد سمى ابن اسحاق الرجل) قال السهيلي في شرح سيرة ابن هشام (وقد سمى ابن اسحاق الرجل وكره ابن هشام ان يسميه كي لا يُذكر أحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) بمكروه فلا ينبغي البحث عن اسمه) وقال أبو ذر الخشني (وقد سمى ابن اسحاق الرجل فقال : ان هذا الرجل هو عثمان بن عفان) . انظر هامش سيرة ابن هشام تحقيق السقا وأصحابه ج1 ص497 غير ان بعضهم حرَّفه ، فقال : هو عثمان بن مظعون على فرض ان الحادثة وقعت في بداية الهجرة ونحن نقدِّر انها وقعت بعد خيبر .

(8) الجلدة : عشاء الجسد .

(9) وفاء الوفا ج1 ص329 وص331 .

(10) وفي طبقات ابن سعد ج3 ص258 قال ابن سعد أخبرنا وكيع بن الجراح قال : أخبرنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال : قال عمار يوم صفين : ائتوني بشربة لبن فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي : إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن فأتي بلبن فشربه ثم تقدم فقتل . وفي رواية اتي عمار يوم صفين بلبن فضحك وقال : قال لي رسول الله : ان آخر شراب تشربه حين تموت شربة لبن (البلاذري ج1 ص172) .

(11) وفاء الوفا ج1 ص329 وفيه عن الروض للسهيلي : ان معمر بن راشد روى ذلك في جامعه بزيادة في آخره وهي : فلما قتل عمار يوم صفين دخل عمرو على معاوية فزعا فقال : قتل عمار ، فقال معاوية : ماذا ؟ فقال عمرو : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعمار : (تقتلك الفئة الباغية) قال معاوية : دَحَضْتَ (الدَّحْض : الزَّلَق) في بولك انحن قتلناه ؟ انّما قتله من أخرجه . أيضاً أنساب الأشراف ج1 ص169 ، طبقات ابن سعد ج3 ص125. وفيه أيضاً قال ابن سعد أخبرنا يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب قال حدثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنزي قال : بينما نحن عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما أنا قتلته ، فقال : عبد الله بن عمرو ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : تقتله الفئة الباغية ، قال فقال معاوية : ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا ؟ قال : إن أبي شكاني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال : أطع أباك حيا ولا تعصه فأنا معكم ولست أقاتل . اقول : هل غاب عنه انّه لا طاعة في معصية . وفي رواية اخرى لابن سعد قال : فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص : ما رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما : إنكما تختصمان في النار ؟ فقال عمرو : هو والله ذاك والله إنك لتعلمه ولوددت أني مت قبل هذه بعشرين سنة .

(12) مسنداحمد ج4 ص369 اقول : ذكر ابن حجر في فتح الباري ج7 ص14 روايات سد الابواب منها : حديث سعد بن أبي وقاص قال : أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي ، أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي وفي رواية للطبراني في الأوسط رجالها ثقات من الزيادة فقالوا : يا رسول الله سددت ابوابنا ؟ فقال : ما انا سددتها ولكن الله سدها ثم ذكر رواية زيد بن أرقم التي رويناها في المتن ثم عقب عليها قائلاً : أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات ، وعن ابن عباس قال : أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبواب المسجد فسُدَّت الا باب علي ، وفي رواية وامر بسد الأبواب غير باب علي فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره ، اخرجهما أحمد والنسائي ورجالهما ثقات وعن جابر بن سمرة قال : أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)بسد الأبواب كلها غير باب علي فربما مر فيه وهو جنب أخرجه الطبراني وعن بن عمر قال : لقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال لان يكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم ، زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنته وولدت له ، وسد الأبواب الا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر ، أخرجه أحمد وإسناده حسن . واخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار (بمهملات) قال : فقلت لابن عمر : أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه واما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سد ابوابنا في المسجد واقر بابه ، ورجاله رجال الصحيح الا العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره . وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها وقد اورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم وأَعلَّه ببعض من تكلم فيه من رواته وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق واعله أيضا بأنه مخالف للاحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر وزعم انه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر انتهى ، وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا ، إلى آخر كلامه .