السنة العاشرة من الهجرة

وفيها تتابعت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفيها أسلمت اليمن على يد علي عليه السلام ، وفيها أيضاً كانت حجة الوداع .

وفد نصارى نجران وقصة المباهلة

قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله أهل نجران ورئيسهم أبو حارثة الأسقف ومعه العاقب (1) والسيد وغيرهم ، فوَرَدوا على رسول الله . فلما دخلوا أظهروا الديباج والصُّلُب (2) ودخلوا بهيئة لم يدخل بها أحد ، فقال رسول الله : دعوهم ، فلقوا رسول الله فدارسوه يومهم وسائلوه ما شاء الله . فقال أبو حارثة : يا محمد ما تقول في المسيح ؟ قال : هو عبد الله ورسوله فقال : تعالى الله عما قلت ، يا أبا القاسم هو كذا وكذا .

ونزل فيهم : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب) إلى قوله : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران/61 فرضوا بالمباهلة (3) .

فلما أصبحوا قال أبو حارثة : انظروا من جاء معه . وغدا رسول الله صلى الله عليه وآله آخذاً بيده الحسن والحسين تتبعه فاطمة وعلي بن أبي طالب بين يديه وغدا العاقب والسيد بابنين لهما عليهما الدُّر والُحلِي وقد حَفُّوا بأبي حارثة . فقال أبو حارثة : من هؤلاء معه ؟ قالوا : هذا ابن عمه وهذه ابنته وهذان ابناها (4) . فجثا (5) رسول الله صلى الله عليه وآله على ركبتيه ثم ركع .

فقال أبو حارثة : جثا والله كما يجثو النَّبيُّون للمباهلة . فقال له السيد : أدنُ يا أبا حارثة للمباهلة . فقال : إنّي أرى رجلاً جريئاً على المباهلة وإنّي أخاف أن يكون صادقاً فإن كان صادقاً لم يحُل الحَوْل (6) وفي الدنيا نصراني يَطعَم الطعام ، قال ابو حارثة : يا أبا القاسم لا نباهلك ولكنّا نعطيك الجزية . فصالحهم رسول الله على الفي حُلَّة من حُلل الأواقي ، قيمة كل حلة أربعون درهماً فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك (7) وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده ألاّ يُفتَنوا (8) عن دينهم وشرط عليهم أن لا يأكلوا الرِّبا ولا يتعاملوا به (9) . كتب ذلك علي عليه السلام بخطه .

______________________

(1) هوالذي دون السيد وقيل هو خليفته . والسيد هو الرئيس .

(2) جمع صليب .

(3) وفي صحيح مسلم ج4 حديث 1871 قال مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد وتقاربا في اللفظ قالا : حدثنا حاتم وهو بن إسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك ان تسب أبا التراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلن اسبه لان تكون لي واحدة منهن أحب الي من حمر النعم ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله)  : أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انّه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتي به ارمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله)علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي .

(4) روى ابن كثير في تفسيره ج1 ص371 باسناده عن جابر قال (أنفسنا) : رسول الله وعلي) ، و(أبناءنا) : الحسن والحسين و(نساءنا) : فاطمة . وقال الجَصّاص في أحكام القرآن في تفسير الآية : فنقل رواة السير ونَقَلة الأثر ولم يختلفوا فيه أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة ثم دعا النصارى الذين حاجّوه للمباهلة فأحجموا عنها .

(5) أي جلس على ركبتيه.

(6) الحول السنة . وحال الحول اي اتت سنة على الشيء .

(7) تاريخ اليعقوبي ج2 ص83 ، إعلام الورى ج1 ص257 .

(8) اي تستخدم القوة والضغط معهم لردهم عن دينهم .

(9) الكامل لابن الاثير ج2 ص294 وفيه ان عمر لما استُخلف أجلاهم عن الحجاز فخرج بعضهم إلى الشام وبعضهم إلى نجرانية الكوفة ، ولما ولي علي  عليه السلام اتوه وقالوا ننشدك الله خطك بيمينك .