السنة الحادية عشرة من الهجرة
بَعْثُ أُسامة
ولما قدم النبي المدينة أقام أياما قليلة (1) يذكر مقتل جعفر وزيد ومن قتل معهم في مؤتة ووَجَدَ عليهم وَجْداً (2) شديداً (3) .
روى ابن سعد قال : لمّا كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله أمر رسول الله صلى الله عليه وآله الناس بالتهيؤ لغزو الروم ، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد ، فقال : سر إلى موضع مقتل أبيك فأَوطِئهم الخيل فإن أظفرك الله فأقلل اللَّبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع أمامك ، فلما كان يوم الأربعاء بدى برسول الله صلى الله عليه وآله فحُمَّ (4) وصُدِع ، فلما أصبح يوم الخميس ، عقد لأسامة لواء بيده ، ثم قال : أغْزُ بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله ، فخرج بلوائه فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي وعسكر بالجرف ، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتُدِبَ في تلك الغزوة فيهم أبو بكر وعمر بن الخطابوأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص .
فتكلّم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضباً شديداً فخرج وقد عصَّب على رأسه عِصابة وعليه قطيفة (5) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة (6) .
واشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن ينفُذَ الجيش ، وكان أسامة مقيماً بالجرف فلما اشتد عليه قال : انفذوا جيش أسامة ، فقالها مراراً (7) : لعن الله من تخلف عنه، فوقع بينهم الخلاف فقال بعضهم : نمتثل قول النبي صلى الله عليه وآله ونسير للغزو ، وقال بعضهم : لا تطيب قلوبنا لفراقه وهو مريض فنصبر حتى ننظر ما يكون من الأمر (8) .
|