وفاة النبي صلى الله عليه وآله
قال الشيخ المفيد : أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي واتبعه جماعة وتوجه إلى البقيعوقال : إنّي أُمِرت بالاستغفار لأهل البقيع فانطلَقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال : السلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يَتْبَع أولها آخرها ، ثم استغفر لأهل البقيع طويلاً ، وأقبل على علي عليه السلام فقال له : إنَّ جبرئيل كان يعرض عليَّ القرآن في كل سنة مرَّة وقد عرضه علىَّ العام مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي ، ثم عاد منزله (1) .
منع الرسول من كتابة وصيته: واشتد به صلى الله عليه وآله وجعه فقال : ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ابدا ، فتنازعوا ، فقال بعضهم : ما له ؟ أَهَجَر (2) ؟ (وفي رواية قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وآله يهجر) (3) استعيدوه .
وفي رواية أخرى قال عمر : إنَّ النبي قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، من لفلانة وفلانة ؟ يعني مدائن الروم إن النبي صلى الله عليه وآله ليس بميت حتى يفتحها ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى (4) .
فقالت زينب زوج النبي صلى الله عليه وآله : ألا تسمعون النبي صلى الله عليه وآله يعهد إليكم (5) فلغطوا واختصموا ، فمنهم من يقول ما قال عمر (6) ، ومنهم من يقول : قَرِّبوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وآله كتاباً لن تضلوا بعده ابدا ، فلما كثروا اللغط وغَمُّوا (7) رسول الله صلى الله عليه وآله قال قوموا عني (8) .
وفي رواية فقال عُمَر : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول : قرِّبوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وآله كتاباً لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قوموا ، قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إنَّ الرَّزية (9) كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (10) .
النبي صلى الله عليه وآله يخرج إلى الصلاة: ولما كان من الغد حَجَبَ النبي صلى الله عليه وآله الناس عنه وثقل في موضعه وكان أمير المؤمنين (علي عليه السلام ) لا يفارقه إلاّ لضرورة .
فلما كان يوم الإثنين جاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله صلى الله عليه وآله مغمور (11)بالمرض ، فنادى الصلاة يرحمكم الله ، فأوذن رسول الله بندائه ، فقال : يصلي الناس بعضهم فإنّي مشغول بنفسي ، فقالت عائشة : مروا أبا بكر وقالت حفصة : مروا عمر فلمّا سَمِع النبي صلى الله عليه وآله قال : اكفُفْنَ فإنَّكن كصويحبات يوسف ، ثم قال صلى الله عليه وآله وهو لا يستقل الأرض من الضعف ، فأخذ بيده علي والفضل بن العباس فاعتمد عليهما ورجلاه تخُطّان الأرض من الضعف ، فلما خرج وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأوما إليه أن يتأخر عنه فتأخر أبو بكر وقام رسول الله صلى الله عليه وآله فكبر وصلى ثم انصرف إلى منزله .
النبي صلى الله عليه وآله يناجي علياً قبيل وفاته: واشتدَّ به صلى الله عليه وآله الضعف فأُغمي عليه ، فلما أفاق افتقد علياً وكان قد ذهب في بعض شؤونه ، فلما جاءه أومأ إليه فأكبَّ عليه فناجاه رسول الله صلى الله عليه وآله طويلاً (12) .
النبي صلى الله عليه وآله يتوفى ورأسه في حجر علي : ثم ثقل صلى الله عليه وآله وحضره الموت ، فقال لعلي : ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ، وتولَّ أمري وصلِّ علىَّ أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني رَمسي (13) واستعن بالله تعالى ، فأخذ علي عليه السلام رأسه صلى الله عليه وآله فوضعه في حجره ، فأُغمي عليه ، فأكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ففتح رسول الله صلى الله عليه وآله عينه وقال بصوت ضئيل (14) : يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) آل عمران/144 ، فبكت طويلاً فأومأ إليها بالدنو منه ، فدنت منه فأسرَّ إليها شيئاً تهلَّل وجهها له ، فسئلت فيما بعد فقالت : إنَّه أخبرني أنني أول أهل بيته لحُوقاً به وأنَّه لن تطول المدة بي بعده حتى أُدركَه فَسُرِّيَ (15) ذلك عني .
ثم قُبِضَ صلى الله عليه وآله ويد أمير المؤمنين عليه السلام اليمنى تحت حَنَكه صلى الله عليه وآله ففاضت نفسه فرفعها إلى وجهه فمسحه به ثم وجهه وغمَّضه ومدَّ عليه إزاره ، واشتغل في أمره (16) .
وكانت وفاته يوم الاثنين ضُحى (17) لليلتين بقيتا من صفر ولم يحضُر غُسله ولا تكفينه إلا أهل بيته ، وغسَّله علي وكان الفضل بن العباس يناوله الماء ، والعباس يعينهم .
|