قريش

قريش هم ساكنو مكة من ذرية إبراهيم ، وصار لهم شأن خاص ايام قصي ، ثم علا شأنُها في عرب الجزيرة بعد حادثة الفيل خاصة حين غزا أبرهة حاكم الحبشة مكة وحاول تهديمها فأهلكه الله تعالى بالطير وأعاد لقريش أُلفَتها بالبيت .

قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيل (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَة مِنْ سِجِّيل (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْف مَأْكُول (5)) الفيل/1-5 .

(لِإِيلَافِ قُرَيْش (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف (4))قريش/1-4 .

طغت بيوت من قريش بعد حادثة الفيل وموت عبد المطلب وعَمَّقت البِدع في دين إ براهيم وأضافت إليه ما رأت إضافته كبدعة الحُمْس وغيرها وسايَرَتهم بقية قبائل قريش وقبائل العرب إلاّ بيت عبد المطلب ، وبذلك اُتُّخِذت ربا من دون الله تعالى وان لم تسمِّهم العرب بذلك .

قال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِير مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140))الأنعام/136-140 .

وقال تعالى أيضا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)الشورى/21 .

قال ابن إسحاق : " وكانت قريش ابتدعت أمرَ الحُمْس (جمع أحمَس) وهو المتصلِّب في الدين ، وسُمِّيت قريش حُمْسا (لزعمهم بأنهم المتشدِّدون في الدين) ثم ابتدعوا في ذلك أموراً لم تكن لهم ، منها انهم حرموا على أهل الحِلّ (وهم العرب الساكنون خارج مكة) أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم إذا جاءوا حُجّاجاً أو عُمّاراً ، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحُمْس (أي في ثياب أحد القرشيين) فان لم يجدوا منها شيئاً طافوا بالبيت عُراة فان تكرَّم من متكرِّم من رجل أو امرأة ولم يجد ثياب الحُمْس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحِلّ ألقاها إذا فرغ من طوافه ثم لم يُنتفع بها ولم يمَسَّها هو ولا أحد غيره أبداً فكانت العرب تسمي تلك الثياب اللُّقى " .

قال ابن إسحاق : " فحملوا على ذلك العرب فدانَت به ... فكانوا كذلك حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله فَوَضَعَ الله تعالى أَمْرَ الحُمْس وما كانت قريش ابتدعت منه (أي هدم الله قيمته وحطم قدسيته) " (1) .

وفي سنن البيهقي : " وكانت قريش لا تجاوز الحرم ، يقولون : نحن أهل الله لا نخرج من الحرم وكان سائر الناس تقف بعرفة " (2) .

وفي صحيح ابن خزيمة عن جبير بن مطعم قال : " كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولون نحن الحُمْس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف على عرفة ، قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم يدفع إذا دفعوا " (3) .

وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَال مُبِين (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)) الجمعة/2-4 .

وقوله تعالى (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) أي وآخرين من الأميين وهم أهل مكة لم يتابعوا قومهم على ضلالهم وبدعهم . أي لم يكن كل أهل مكة في ضلال مبين بل كانت فئة منهم على هدى إبراهيم ودينه واسلامه وهم فئة من ذريته أشار إليها قوله تعالى :

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129))البقرة/127-129 .

______________________

(1) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص131 .

(2) سنن البيهقي الكبرى ج5 ص113 .

(3) صحيح ابن خزيمة ج4 ص257 ، المستدرك ج1 ص635 ، المعجم الكبير ج2 ص136 .