ملوك فارس

ملوك فارس الساسانيون كانوا على دين زردشت غير أنَّهم حرَّفوا كتابهم ولم يبق منه إلا طُرَف وأساطير وصار الملك هو صاحب الشريعة .

روى الطبري قال : " بعث النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن حُذافة الى كسرى بن هُرمُز ملك فارس وكتب معه : بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأدعوك بدعاء الله فإنَّي أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فأسلِم تسلم فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك .

فلما قرأه مزَّقه وقال : يكتب إلىَّ هذا وهو عبدي ! .

ثم كتب كسرى إلى باذان وهو على اليمن : أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جَلْدَين (1) فليأتياني به فبعث باذان قهرمانه وهو بابويه وكان كاتباً حاسباً بكتاب فارس وبعث معه رجلاً من الفرس يقال له خرخسرة وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى وقال لبابويه : ائت بلد هذا الرجل وكلِّمه وأتني بخبره .

فخرجا حتى قدما الطائف ، فوجدا رجالاً من قريش بنُخَب (2) من أرض الطائف فسألاهم عنه ، فقالوا : هو بالمدينة واستبشروا بهما وفرحوا وقال بعضهم لبعض : ابشروا فقد نَصَبَ له كسرى ملك الملوك كُفيتُم الرجل .

فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكلمه بابويه فقال : إن شاهانشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك وقد بعثني إليك لتنطلق معي ، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفُّه عنك وإن أبيت فهو مَن قد علِمتَ فهو مُهلِكُك ومهلِكُ قومَك ومُخرِّب بلادَك .

ودخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد حلَقا لحِاهما وأعْفَيا شَواربَهما فكرِه النظر إليهما ثم أقبل عليهما فقال : ويلكما من أمركما بهذا ؟ قالا : أمرنا بهذا رَبُّنا (يعنيان كسرى) فقال رسول الله : لكن ربي قد أمرني بإعفاء لحيتي وقصّ شاربي " (3) .

وفي ظل هذا الوضع الضال كان المجتمع يتحرك باتجاه سحق الإنسان وتكبيله بأغلال العبودية للحاكم وعلماء السلطة ويتحول الدين الى خرافات تسوِّغ للإنسان المظلوم حالته السيئة وتُكرِّس طاعته للظالم وتحول بينه وبين النهوض لتغيير الواقع السيِّيء ويكون الدين المحرف في هذه الحالة افضل وسيلة لدى الحاكم لتعميق سلطته والمحافظة عليها .

______________________

(1) اي قويين .

(2) جمع نخبة وهي الخيرة .

(3) تاريخ الطبري ج2 ص655 وص656 .