الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الأول : معاوية ينقض عهده مع الحسن (عليه السلام)

استلحاق زياد:

قال محمود أحمد شاكر في كتابه (العهد الاموي /24-27): (واتُهم معاوية بادعاء زياد بن ابيه ونسبته الى ابي سفيان فكيف قَبِلَ زياد هذا الكلام أمامه؟ وكيف قبِل معاوية؟ وكيف رضي المسلمون بهذه المخالفة الصريحة من الامام؟ فهل ضاع الاحساس وضاع الدين ولا يزال الصحابة أحياء؟) (1).

وهذا الكاتب، كما نلاحظ، يحاول ان ينكر مسألة استلحاق معاوية لزياد، وجعلها تهمة عليه وليست حقيقة.

وقد ردَّ عليه احد الباحثين المعاصرين (2) من ابناء مذهبه قائلا: ان استلحاق زياد ثابت عند اهل العلم والمحدثين. ثم اورد كلام ابن حجر وكلام الشوكاني.

قال ابن حجر: وهويشرح ما ورد في البخاري (قوله أن زياد بن أبي سفيان): كذا وقع في الموطأ وكأن شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية، وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه (3)، وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد، وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه، فلما كان في خلافة معاوية، شهد جماعة على إقرار أبي سفيان، بأن زيادا ولده، فاستلحقه معاوية لذلك، وزوج ابنه ابنته، وأمّر زيادا على العراقين البصرة والكوفة، جمعهما له، ومات في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين (4).

قال الشوكاني بعد ان اورد نظير كلام ابن حجر: وقد انكر هذه الواقعة على معاوية من أنكرها … وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته الى أبي سفيان، وما وقع في زمان بني أمية فانما هوتقية (5).

أقول: قال العلامة عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911هجرية) في شرحه لصحيح مسلم: (لما ادعي زياد) بضم الدال مبني للمجهول، أي ادعاه معاوية وألحقه بأبيه أبي سفيان بعد أن كان يعرف بزياد بن أبيه لأن أمه ولدته على فراش عبيد، وهذه أول قضية غُيِّرَ فيها الحكم الشرعي في الإسلام (6).

وقوله (اول قضية غُيِّرَ فيها الحكم الشرعي): إشارة الى ما عُرِف من قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) في مثل هذه القضية حيث هدم حكم الجاهلية.

قال الخطابي وتبعه عياض والقرطبي وغيرهما: كان أهل الجاهلية يقتنون الولائد ويقررون عليهن الضرائب، فيكتسبن بالفجور، وكانوا يلحقون النسب بالزناة إذا ادعوا الولد. وكان لزمعة أمة، وكان يلم بها، فظهر بها حمل زعم عتبة بن أبي وقاص أنه منه، وعهد الى أخيه سعد أن يستلحقه، فخاصم فيه عبد بن زمعة، فقال له سعد: هوابن أخي على ما كان عليه الأمر في الجاهلية، وقال عبد: هوأخي على ما استقر عليه الأمر في الإسلام، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الجاهلية وألحقه بزمعة وقال: الولد للفراش وللعاهر الحجر (7).

قال ابن الأثير:

كان استلحاق معاوية لزياد اول ما رُدّت أحكام الشريعة علانية...، ثم ذكر اعتذار البعض عن معاوية ثم علق عليه قائلا: وهذا مردود لاتفاق المسلمين على انكاره (8).

روى ابن عساكر عن سعيد بن المسيب انه قال: اول من رد قضاء رسول الله دعوة معاوية في زياد (9).

______________________________________

(1) انقاذ التاريخ الاسلامي /30 .

(2) ‏ هوالاستاذ حسن فرحان المالكي في كتابه نحوانقاذ التاريخ الاسلامي.

(3) بقي بعضهم يسميه زياد بن ابي سفيان من قبيل يحيى بن معين في تاريخه 3/345 في ترجمة أبي الحواري قال يحيى: مولى لولد زياد بن أبي سفيان. والمزي في تهذيب الكمال في ترجمة قزعة بن يحيى ويقال بن الأسود أبوالغادية البصري مولى زياد بن أبي سفيان.

(4) فتح الباري 3/547 .

(5) نيل الاوطار للشوكاني .

(6) الديباج على صحيح مسلم (1/84 طبعة السعودية 416) اقول: يصدق كلامه إذا قيدناه بفترة ما بعد علي والحسن والا فإن قبلهما قد غيرت احكام كثيرة علنا من قبل السلطة، من قبيل تغيير حكم متعة الحج وغيره.

(7) روى البخاري قال: حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال: ابن أخي قد عهد إلي فيه، فقام عبد بن زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هولك يا عبد بن زمعة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله (مختصر صحيح البخاري 2/724) وروى ابوداود حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا مهدي بن ميمون أبويحيى ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عن رباح قال: زوجني أهلي أمة لهم رومية، فوقعت عليها فولدت غلاما أسود مثلي، فسميته عبد الله، ثم وقعت عليها فولدت غلاما أسود مثلي، فسميته عبيد الله، ثم طبن لها غلام لأهلي رومي يقال له: يوحنه، فراطنها بلسانه فولدت غلاما كأنه وزغة من الوزغات، فقلت لها: ما هذا؟ فقالت: هذا ليوحنه، فرفعنا إلى عثمان أحسبه قال مهدي، قال: فسألهما، فاعترفا، فقال لهما أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الولد للفراش وأحسبه قال فجلدها وجلده وكان مملوكين (سنن ابي داود (2/283)) وروى احمد قال حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد ويزيد بن هارون عن سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمروبن خارجة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهوعلى راحلته... فقال:... الولد للفراش وللعاهر الحجر، الا ومن ادعى إلى غير أبيه أوتولى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (مسند احمد 4/238).

(8) الكامل في التاريخ 3/445 .

(9) مختصر تاريخ دمشق 9/78.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري