![]() |
![]() |
الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الأول : معاوية ينقض عهده مع الحسن (عليه السلام)
قال تعالى:
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ *
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ *
وَلَوشَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ *
وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *
وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوخَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/90-96.
لقد كان معاوية مصداقا لنقض الأيمان المؤكدة التي اشارت اليها الآيات الكريمة، إذ يعلم الجميع ان معاوية كان قد اعطى للحسن (عليه السلام) عهداً غليظاً انه يلتزم الشروط التي يطلبها، ولم يشترط الحسن(عليه السلام) على معاوية الا ما كان فيه لله ولرسوله رضا وللمؤمنين صلاح، وقد اظهر معاوية التزامه بهذه الشروط على كُرهٍ منه مدة عشر سنوات تقريبا، وعاش المجتمع الاسلامي في ظل هذه الشروط حياة حرة كريمة آمنة، وقد فصلنا في معالمها وأحداثها في كتابنا عن صلح الحسن (عليه السلام)، ولكن معاوية أبت أصولُه التي تربى في ظلها إلا الغدر
1. لعن علي (عليه السلام) وشتمه على منابر المسلمين ليربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، ويستهدف هذا البند تهديم موقع علي كإمام هدى وحجة على الناس معين من الله ورسوله بشكل مباشر.
2. المنع من رواية فضائل علي وأهل بيته (عليهم السلام)، ويستهدف هذا البند تغييب الآيات القرآنية والاحاديث النبوية التي أشادت بعلي (عليه السلام) وبينت امامته الهادية بإذن الله ورسوله.
3. اختلاق أخبار قبيحة في علي وأهل بيته (عليهم السلام)، ويستهدف هذا البند بناء قاعدة فكرية تبرر لعن علي(عليه السلام).
4. اختلاق الفضائل للخلفاء وبني أمية، ويستهدف هذا الأساس بناء القاعدة الفكرية التي تطرح الخلفاء وبني أمية على انهم ائمة هدى والحجةعلى الناس بعد الرسول.
5. ترويع شيعة علي (عليه السلام) قتلا وسجنا ونفيا وتهجيرا، ويستهدف هذا البند تصفية نخبة الامة التي حملت احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبار سيرة علي (عليه السلام) ونشرها بين الناس، وكذلك تصفية الوجود البشري الواسع الذي انفتح على علي (عليه السلام) بصدق واخلاص وتعلم منه وجعله الحجة بينه وبين الله تعالى بعد النبي(صلى الله عليه وآله).
ثم خصَّ العراق بسياسة معينة.
وكان قبل ذلك قد اعتمد على رجال ركنوا الى الدنيا، امثال عمروبن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، والضحاك بن قيس الفهري، وزياد بن عبيد الثقفي الذي الحقه بنسبه فقيل زياد بن ابي سفيان، وسمرة بن جندب، وعمروبن حريث، وغيرهم حيث ولاّهم اهم البلدان والمناصب لكي يضبط تطبيق هذه السياسة.
ونحن حين ننعم النظر في بنود تلك السياسة، نجدها جميعا مما خالف فيه معاوية الكتاب وسنة النبي(صلى الله عليه وآله).
فَلَعْنُ علي (عليه السلام)، وتربيةُ الناس على بغضه مخالفةٌ صريحة، لما أَمَرَ به الله ورسوله في ايجاب مودته وولايته.
والنهيُ عن رواية أحاديث النبي في فضل علي (عليه السلام) ومنزلته، مخالفةٌ صريحة لأمر النبي بتبليغ سنته الى من لم يسمعها.
ووضعُ الحديث في ذم علي (عليه السلام)، ومدحُ اناس لم يمدحهم النبي (صلى الله عليه وآله)، كذبٌ متعمَّدٌ على الرسول (صلى الله عليه وآله)، يستحق فاعله النار لقول النبي(صلى الله عليه وآله): (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوّأْ مقعده من النار)
وترويعٌ المؤمنين، وإخافتُهم، وسجنُهم، وقتلُهم، لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر مخالفةٌ لكتاب الله ورسوله، استحق فاعلُها النار بنص من القرآن (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) آل عمران/21.
هذا مضافا الى مخالفات صريحة اخرى لكتاب الله وسنة نبيه من قبيل: استلحاقِه زياد بن عبيد، وهوردٌ صريحٌ لقضاء رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ومن قبيل امرِه بترك التلبية نهارَ عرفة قبل الزوال
ومن قبيل امرِه بتحريم متعة الحج، وهومخالفةٌ صريحةٌ لكتاب الله وسنة النبي.
ومن قبيل تعطيله حد السرقة في سارق لتشفّع ام السارق فيه
ومن قبيل حرمان قربى النبي (صلى الله عليه وآله) من خمس الغنائم وهومخالفة صريحة للقرآن وسنة النبي(صلى الله عليه وآله).
ومن قبيل امره لقادة الفتوح بان يستصفوا له ذهب الغنائم وفضتها قبل القسمة.
وغير ذلك.
وفيما يلي الحديث عن بنود تلك السياسة وجملة من تلك المخالفات.
______________________________________
(1) حيث نقض ابوه ابوسفيان عهد الحديبية مع النبي(صلى الله عليه وآله).
(2) قال في الاستيعاب في ترجمة الحسن(عليه السلام): قال قتادة وابوبكر بن حفص :سم الحسن بن علي سمته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي، وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية اليها وما بذله لها في ذلك وكان لها ضرائر. وروى الذهبي عن الواقدي قال: وقد سمعت من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدم الحسن ان يسقيه سما. وروى ايضا عن ابي عوانة عن مغيرة عن ام موسى ان جعدة بنت الاشعث بن قيس سقت الحسن السم. سير اعلام النبلاء 3/274. قال البدري: وقد عرف معاوية انه كان يستعمل السم للتخلص من خصومه فقد روى الطبري 5/96 في حوادث سنة 38 ان معاوية طلب من الحايستار رجل من اهل الخراج ان يحتل لقتل مالك الاشتر لما بعثه علي (عليه السلام) واليا الى مصر فدس له السم، وروى الطبري ايضا (5/ 227) حوادث سنة 46 قال: حدثني عمر قال: حدثني علي عن مسلمة ابن محارب: أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام ومال إليه أهلها لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه، حتى خافه معاوية وخشي على نفسه منه لميل الناس إليه، فأمر ابن أثال أن يحتال في قتله، وضمن له إن هوفعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش وأن يوليه جباية خراج حمص، فلما قدم عبد الرحمن بن خالد حمص منصرفا من بلاد الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها فمات بحمص، فوفى له معاوية بما ضمن له وولاه خراج حمص ووضع عنه خراجه. قال: وقدم خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المدينة، فجلس يوما إلى عروة بن الزبير، فسلم عليه، فقال له عروة: من أنت قال: أنا خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فقال له عروة: ما فعل ابن أثال؟ فقام خالد من عنده وشخص متوجها إلى حمص، ثم رصد بها ابن أثال فرآه يوما راكبا، فاعترض له خالد بن عبد الرحمن، فضربه بالسيف فقتله، فرفع إلى معاوية، فحبسه أياما وأغرمه ديته ولم يقده منه. ورجع خالد إلى المدينة، فلما رجع إليها أتى عروة فسلم عليه، فقال له عروة: ما فعل ابن أثال، فقال: قد كفيتك ابن أثال ولكن ما فعل ابن جرموز؟ فسكت عروة.
(3) صحيح البخاري ج2/81، ج7/118 طبعة دار الفكر، صحيح مسلم ج1/8 طبعة دار الفكر.
(4) روى النسائي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك 1/636 :عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمروعن سعيد بن جبير قال: كنا مع ابن عباس بعرفات فقال: مالي لا أسمع الناس يلبون؟ فقلت: يخافون من معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، فإنهم قد تركوا السنة من بعد علي. قال في تقريب التهذيب: ميسرة بن حبيب النهدي بفتح النون أبوحازم الكوفي صدوق من السابعة بخ د ت س.
(5) روى البلاذري ق4ج1/123 قال: أتي معاوية بشاب قد سرق، فأمر بقطع يده، فقال شعرا يستعطفه، ثم جاءت امه وهي تبكي وتطلب منه، ان يعفوعنه فخلى سبيله.
![]() |
![]() |