الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الثالث : مقتل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله عليهم

البراءة من علي (عليه السلام) أو القتل:

فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية. فقال لهم رسول معاوية:

(إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فإن فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم).

وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم غير أنه قد عفا عن ذلك فابرءوا من هذا الرجل نخل سبيلكم،

قالوا: اللهم إنا لسنا فاعلي ذلك.

فأمر بقبورهم فحفرت، وأدنيت أكفانهم، وقاموا الليل كله يصلون.

فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هوأول من جار في الحكم وعمل بغير الحق فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين كان أعلم بكم.

ثم قاموا إليهم فقالوا: تبرؤون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه.

فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله، ووقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدي، فقال له قبيصة: إن الشر بين قومي وقومك آمن فليقتلني سواك، فقال له: برَّتك رحِم، فأخذ الحضرمي فقتله، وقتل القضاعي قبيصة بن ضبيعة.

وقال عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي: ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته، فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما، فبعث إليهم أن ائتوني بهما.

فلما دخلا عليه قال الخثعمي: الله الله يا معاوية فإنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ثم مسئول عما أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا.

فقال معاوية: ما تقول في علي؟

قال: أقول فيه قولك، أتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به؟

فسكت، وكره معاوية أن يجيبه.

وقام شمر بن عبد الله من بني قحافة فقال: يا أمير المؤمنين هب لي ابن عمي، قال: هولك غير أني حابسه شهرا، فكان يرسل إليه بين كل يومين فيكلمه وقال له: إني لأنفس بك على العراق أن يكون فيهم مثلك. ثم إن شمرا عاوده فيه الكلام فقال: نمرُّك على هبة ابن عمك، فدعاه فخلى سبيله على ألا يدخل إلى الكوفة ما كان له سلطان، فقال: تخيَّر أي بلاد العرب أحب إليك أن أسيرك إليها؟، فاختار الموصل، فكان يقول: لوقد مات معاوية قدمت المصر، فمات قبل معاوية بشهر.

ثم أقبل على عبد الرحمن العنزي فقال: إيه يا أخا ربيعة ما قولك في علي؟ قال: دعني ولا تسألني فإنه خير لك، قال: والله لا أدعك حتى تخبرني عنه، قال: أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا ومن الآمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس.

قال: فما قولك في عثمان؟ قال: هوأول من فتح باب الظلم وارتج أبواب الحق، قال: قتلت نفسك، قال: بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي يقول حين كلم شمر الخثعمي في كريم بن عفيف الخثعمي ولم يكن له أحد من قومه يكلمه فيه، فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: أما بعد فإن هذا العنزي شر من بعثت فعاقبه عقوبته التي هوأهلها، واقتله شر قتلة، فلما قدم به على زياد بعث به زياد إلى قس الناطف فدفن به حيا (1).

قال ابومخنف: ولما حمل العنزي والخثعمي إلى معاوية قال العنزي لحجر: يا حجر لا يبعدنك الله فنعم أخو الإسلام كنت، وقال الخثعمي: لا تبعد ولا تفقد فقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ثم ذهب بهما.

وروى أحمد في الزهد والحاكم (2) من طريق ابن سيرين ان حجرا قال: لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فإني لاق معاوية بالجادة وإني مخاصم.

قال البلاذري: حدثني هشام بن عمار عن شرحبيل بن مسلم قال: اوصى حجر، قال: ادفنوني وما اصاب الارض من دمي ولاتطلقوا حديدي فاني سألقى معاوية غدا، اني والله ما قتلت احدا ولا احدثت حدثا ولا آويت محدِثا (3).

______________________________________

(1) تاريخ الطبري ج: 5 ص: 277 حوادث سنة 51.

(2) ‏ في المستدرك 3/ 533

(3) انساب الاشراف القسم الرابع الجزء الاول /262.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري