الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الثالث : مقتل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله عليهم

اصداء قتل حجر:

روى أبن أبي الدنيا والحاكم وعمر بن شبة من طريق أبن عون عن نافع، قال: لما انطلق بحجر بن عدي كان ابن عمر يتخبر عنه، فأخبر بقتله وهو بالسوق، فأطلق حبوته وولى وهويبكي (1).

وروى الطبري وغيره: أن معاوية حين حج /سنة 56هجرية/ مر على عائشة فاستأذن عليها، فأذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية أأمنت أن أخبئ لك من يقتلك؟؟! قال: بيت الأمن دخلت، قالت: يا معاوية أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟ قال: لست أنا قتلتهم إنما قتلهم من شهد عليهم.

وفي رواية ابن عساكر: فقال لها :يا ام المؤمنين اني رأيت قتلهم صلاحا للامة وان بقاءهم فسادا للامة، فقالت: سمعت رسول الله يقول: سيقتل بعذراء اناس يغضب الله لهم واهل السماء (2)

وكانت عائشة تقول في حجر: أما والله إن كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا (3).

وروى عن عثمان البري قال: كان الحسن (البصري) إذا ذكر معاوية قال: ويل معاوية من حجر وأصحاب حجر، يا ويله (4).

قال ابن سيرين: بلغنا ان معاوية لما حضرته الوفاة جعل يقول: يومي منك ياحجر طويل (5).

وقال سفيان الثوري: قال معاوية :ما قتلت احدا الا وانا اعلم فيم قتلته الا حجر فاني لا اعرف فيم قتلته. (6)

قيل لابي اسحق السبيعي :متى ذل الناس؟ قال: حين مات الحسن وادعي زياد وقتل حجر (7).

اقول: بموت الحسن (عليه السلام) دخل الذل على كل الاقطار حين سن معاوية سنة لعن علي(عليه السلام) وسبه على المنابر، والكوفة عاشت الذل الخاص بكونها مركز نصرة علي(عليه السلام).

اما الذل الذي دخل الكوفة بسبب استلحاق زياد فهو ان يكون الوالي عليها وإمام جمعتها ابن زنا وهذا الذل تشترك فيه مع البصرة.

اما الذل الذي دخل عليها بعد قتل حجر فهو: لعن علي (عليه السلام) اوالقتل صبرا وهواشد انواع الذل التي مرت به الكوفة، وقد بدأ بقتل حجر إذ لم يقتل احد بسبب ذلك قبله.

قال البلاذري: قال الربيع بن زياد وكان بناحية خراسان لما قتل حجر: هل من ثائر هل من معين؟هل من منكر؟ قال ذلك مرارا فلم يجبه احد، فقال: اما إذا ابيتم فستبتلون بالقتل صبرا على الظلم (8).

قال الطبري قال علي: وأخبرني محمد بن الفضل عن أبيه، قال: بلغني أن الربيع ابن زياد ذكر يوما بخراسان حجر بن عدي، فقال: لا تزال العرب تقتل صبرا بعده، ولونفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم صبرا ولكنها أقرت فذلت. فمكث بعد هذا الكلام جمعة (9) ومات في العام الذي مات فيه ابن زياد.

اقول:

كلام الربيع كلام من لم يعرف خطة معاوية، ولا خطة الحسين (عليه السلام) في مواجهتها.

اما معاوية: فقد كان يريد بكل وسيلة ان يتورط المخلصون من شيعة علي في الكوفة بشئ من هذا القبيل حتى يقتلهم بتهمة الخروج (10) وتطغى على تهمة الولاء لعلي(عليه السلام).

وقد كانت خطة الحسين (عليه السلام) في قبال ذلك: ان يصبر الشيعة، ويواصلون نشر فضائل علي (عليه السلام)، ولوكانوا على اعواد المشانق (11)، وان يفوِّتوا على معاوية خطته في استدراج الشيعة ليكونوا خوارج على السلطة، ومن ثم يسفك دماءهم بلا كلفة عليه، وسيأتي تفصيل ذلك.

______________________________________

(1) الاستيعاب ترجمة حجر.

(2) انساب الاشراف القسم الرابع الجزء الاول /266، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ج6/241. ترجمة حجر. وفيه ايضا وفي دلائل البيهقي وتاريخ يعقوب بن سفيان عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: سمعت علي بن ابي طالب يقول: يا اهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل اصحاب الاخدود.

(3) تاريخ الطبري 5/279.

(4) البلاذري ق4ج1/265. الطبري، ابن الاثير.

(5) ابن الاثير 3/488.

(6) تاريخ دمشق 6/242.

(7) شرح النهج، الطبري.

(8) انساب الاشراف القسم الرابع الجزء الاول /267.

(9) تاريخ الطبري 5/279.

(10) خرج على زياد سنة 52 زياد بن خراش العجلي في ثلاثمائة، فاتى ارض مسكن من السواد، فسير اليه زياد سعد بن حذيفة اوغيره فقتلوهم. وخرج عليه ايضا معاذ الطائي، فأتى نهر عبد الرحمن بن ام الحكم سنة 52 فبعث اليه زياد من قتله. (ابن الاثير) وفي سنة 53 خرج قريب وزحاف في سبعين بالكوفة وزياد بالبصرة وخرج اخرون …

(11) كما صنع مع رشيد الهجري وميثم التمار وجويرية بن مسهر ونظرائهم.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري