الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الثالث : مقتل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله عليهم

جويرية بن مسهر:

وروى إبراهيم بن ميمون الازدي عن حبة العُرَني، قال: كان جويرية بن مسهر العبدي صالحا، وكان لعلي بن أبي طالب صديقا، وكان علي يحبه، ونظر يوما إليه وهويسير، فناداه، يا جويرية الحق بي، فإني إذا رأيتك هويتك. قال: فركض نحوه، فقال له: إني محدثك بأمور فاحفظها، ثم اشتركا في الحديث سرا، فقال له جويرية: يا أمير المؤمنين، إني رجل نسيّ، فقال له: إنى أعيد عليك الحديث لتحفظه، ثم قال له في آخر ما حدثه إياه: يا جويرية، أحبب حبيبنا ما أحبنا، فإذا أبغضنا فابغضه، وابغض بغيضنا ما أبغضنا، فإذا أحبنا فأحبه. قال حبة :دخل جويرية على علي (عليه السلام) يوما، وهومضطجع، وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية: أيها النائم، استيقظ، فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك.

قال: فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: وأحدثك يا جويرية بأمرك، أما والذي نفسي بيده لتعتلن (1) إلى العتل الزنيم، فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر.

قال: فوالله ما مضت الايام على ذلك حتى أخذ زياد جويرية، فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانب جذع ابن مكعبر (2)، وكان جذعا طويلا، فصلبه على جذع قصير إلى جانبه (3).

______________________________________

(1) ‏ يقال: عتله عتلا، إذا أخذه بمجامعه وحره جرا عنيفا.

(2) ‏ قال ابن ابي الحديد (في شرح نهج البلاغة ج 5 ص 31): وحكى أبوعبيدة، قال: بينا نحن على أشراف الكوفه وقوف، إذ جاء أسماء بن خارجة الفزاري فوقف، وأقبل ابن مكعبر الضبي، فوقف متنحيا عنه، فأخذ أسماء خاتما كان في يده، فصه فيروزج أزرق، فدفعه إلى غلامه، وأشار إليه أن يدفعه إلى ابن مكعبر، فأخذ ابن مكعبر شسع نعله، فربطه بالخاتم، وأعاده إلى أسماء، فتمازحا ولم يفهم أحد من الناس ما أرادا، أراد أسماء بن خارجة قول الشاعر:
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر *** كذا كل ضبى من اللؤم أزرق

وأراد ابن مكعبر قول الشاعر:
لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك *** واكتبها بأسيار كانت فزارة تعير بإتيان الابل

(3) ‏ شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 2/290.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري