![]() |
![]() |
الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الرابع : أطروحة معاوية للحكم
من الحقائق الثابتة التي اتفقت كتب التاريخ على روايتها، هي: ان عبد الملك ومن بعده من الخلفاء الامويين وصفوا انفسهم بانهم خلفاء الله في الارض وفيما يلي طرف من هذه النصوص:
روى ابوداود عن سليمان الاعمش، قال: جمَّعت مع الحجاج فخطب خطبة قال فيها فاسمعوا وأطيعوا لخليفة الله وصفيِّه عبد الملك بن مروان
قال قيس بن عبد الله الرقيات يمدح عبد الملك:
خليفةُ الله فوق منبره *** جفت بذلك الاقلام والكتبُ
وقال الفرزدق يمدح عبد الملك بن مروان:
فالارض لله ولاها خليفته *** وصاحبُ الله فيها غير مغلوبِ
فأصبح الله ولي الامرَ خيرَهمُ *** بعد اختلاف وصدعٍ غيرِ مَشعوبِ
وقال جرير:
الله طوقك الخلافة والهدى *** والله ليس لما قضى تبديلولى الخلافة والكرامة اهلها *** فالملكُ افْيَحُ والعطاء جزيل
وقال:
انت الامين امين الله لا سرف *** فيما وليت ولا هيابة وَرَع
انت المبارك يهدي الله شيعته *** إذا تفرقت الاهواء والشيع
يا آل مروان ان الله فضلكم *** فضلا عظيما على من دينه البدع
وقال جرير للوليد بن عبد الملك:
يكفي الخليفة ان الله سربله *** سربال ملك به تزجى الخواتيم
يا آل مروان ان الله فضلكم *** فضلا قديما وفي المسعاة تقديم
وقال يمدح ايوب بن سليمان بن عبد الملك:
إن الامام الذي ترجى نوافله *** بعد الامام ولي العهد ايوب
انت الخليفة للرحمن يعرفه *** اهل الزبور وفي التوراة مكتوب
ومن أفضل الوثائق في هذا الموضوع كتاب الوليد بن يزيد بن عبد الملك الى رعيته:
أما بعد فإن الله تعالى اختار الإسلام دينا لنفسه، وجعله دين خيرته من خلقه، ثم اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس، فبعثهم به وأمرهم به وكان بينهم وبين من مضى من الأمم وخلا من القرون قرنا فقرنا، يدعون إلى التي هي أحسن، ويهدون إلى صراط مستقيم، حتى انتهت كرامة الله في نبوته إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، على حين دروس من العلم، وعمى من الناس، وتشتيت من الهوى، وتفرق من السبل، وطموس من أعلام الحق، فأبان الله به الهدى، وكشف به العمى، واستنقذ به من الضلالة والردى، وأبهج به الدين، وجعله رحمة للعالمين، وختم به وحيه.
ثم استخلف خلفاءه على منهاج نبوته حين قبض نبيه (صلى الله عليه وآله)، وختم به وحيه لإنفاذ حكمه وإقامة سنته وحدوده ….
فتتابع خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه، واستخلفهم عليه منه لا يتعرض لحقهم أحد إلا صرعه الله، ولا يفارق جماعتهم أحد إلا أهلكه الله، ولا يستخف بولايتهم ويتهم قضاء الله فيهم أحد إلا أمكنهم الله منه، وسلطهم عليه، وجعله نكالا وموعظة لغيره. وكذلك صنع الله بمن فارق الطاعة التي أمر بلزومها، والأخذ بها.
فبالخلافة أبقى الله من أبقى في الأرض من عباده، وإليها صيره، وبطاعة من ولاه إياها سعِد من أكرمها ونصرها.
فمن أخذ بحظه منها، كان لله وليا، ولأمره مطيعا...
ومن تركها ورغب عنها وحاد الله فيها، أضاع نصيبه، وعصى ربه، وخسر دنياه وآخرته، وكان ممن غلبت عليه الشقوة، واستحوذت عليه الأمور الغاوية التي تورد أهلها أفظع المشارع، وتقودهم إلى شر المصارع، فيما يحل الله بهم في الدنيا من الذلة والنقمة، وصيرهم فيما عندهم من العذاب والحسرة.
والطاعة رأس هذا الأمر، وذروته، وسنامه، وملاكه، وزمامه، وعصمته، وقوامه، بعد كلمة الإخلاص التي ميز الله بها بين العباد.
وبالطاعة نال المفلحون من الله منازلهم واستوجبوا عليه ثوابهم...
وبترك الطاعة والإضاعة لها والخروج منها، والإدبار عنها، والتبذل للمعصية بها، أهلك الله من ضل، وعتى، وعمي، وغلى، وفارق مناهج البر والتقوى.
فالزموا طاعة الله فيما عراكم ونالكم وألـمَّ بكم من الأمور، وناصِحوها، واستوثقوا عليها، وارعوا إليها، وخالصوها، وابتغوا القربة إلى الله بها، فإنكم قد رأيتم مواقع الله لأهلها في إعلائه إياهم، وإفلاجه حجتهم، ودفعه باطل من حادهم وناواهم وساماهم، وأراد إطفاء نور الله الذي معهم. وخبرتم مع ذلك ما يصير إليه أهل المعصية، من التوبيخ لهم، والتقصير بهم، حتى يؤول أمرهم إلى تبار وصغار وذلة وبوار، وفي ذلك لمن كان له رأي وموعظة، عبرة ينتفع بواضحها، ويتمسك بحظوتها، ويعرف خيرة قضاء الله لأهلها.
ثم إن الله وله الحمد والمنّ والفضل، هدى الأمة لأفضل الأمور عاقبة لها، في حقن دمائها، والتئام ألفتها، واجتماع كلمتها، واعتدال عمودها، وإصلاح دهمائها، وذخر النعمة عليها في دنياها، بعد خلافته التي جعلها لهم نظاما، ولأمرهم قواما، وهوالعهد الذي ألهم الله خلفاءه
فأمْرُ هذا العهد من تمام الإسلام، وكمال ما استوجب الله على أهله من المنن العظام، ومما جعل الله فيه لمن أجراه على يديه، وقضى به على لسانه، ووفقه لمن ولاه هذا الأمر عنده، أفضل الذخر، وعند المسلمين أحسن الأثر، فيما يؤثر بهم من منفعته، ويتسع لهم من نعمته، ويستندون إليه من عزه، ويدخلون فيه من وزره، الذي يجعل الله لهم به منعة، ويحرزهم به من كل مهلكة، ويجمعهم به من كل فرقة، ويقمع به أهل النفاق، ويعصمهم به من كل اختلاف وشقاق.
فاحمدوا الله ربكم الرؤوف بكم الصانع لكم في أموركم، على الذي دلكم عليه من هذا العهد، الذي جعله لكم سكنا ومعولا تطمئنون إليه، وتستظلون في أفنانه، في أمر دينكم ودنياكم، فإن لذلك خطرا عظيما من النعمة … فأنتم حقيقون بشكر الله فيما حفظ به دينكم، وأمر جماعتكم من ذلك، جديرون بمعرفة كنه واجب حقه فيه، وحمده على الذي عزم لكم منه، فلتكن منزلة ذلك منكم وفضيلته في أنفسكم على قدر حسن بلاء الله عندكم فيه، إن شاء الله ولا قوة إلا بالله
1. ان الحاكم خليفة الله تعالى ووارث امر النبي(صلى الله عليه وآله).
2. بوجود الخليفة يبقى من يبقى من الناس.
3. طاعة الحاكم رأس الطاعات بعد كلمة التوحيد.
4. من يطع الحاكم كان لله وليا، واستحق من الله ثوابه، ومن يعصه كان لله عدوا، واستحق من الله نقمته وسخطه.
5. ان من عصى خليفة الله وخرج عليه، امكنه الله منه، وجعله نكالا لغيره.
6. ان نظام تولية العهد الهام من الله تعالى لخلفائه في حفظ الدين والامة من الاختلاف.
(والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو هل ان مبتدع هذه البدعة بتسمية الحاكم خليفة الله هو عبد الملك ومن جاء بعده) ام ان المسألة تتجاوزهم الى معاوية مؤسس الدولة الاموية؟
______________________________________
(1) الفرق الاسلامية في بلاد الشام حسن عطوان /218 .
(2) طبقات فحول الشعراء 2/655 .
(3) الفرق الاسلامية في بلاد الشام حسن عطوان /218 .
(4) تُزجى: تُيَسَّر .
(5) انظر كتاب الفرق الاسلامية في بلاد الشام د. حسين عطوان /فقد ورد في كتابه الكثير من ذلك.
(6) يريد به ما صنعه ابوبكر حين استخلف، وما صنعه معاوية حين استخلف، وجرى الخلفاء من بعده على منواله.
(7) تاريخ الطبري ج: 7 ص: 223 (سنة 125).
![]() |
![]() |