![]() |
![]() |
الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الرابع : أطروحة معاوية للحكم
وإذا رجعنا الى كتب التاريخ وكتب الشعر نجد ما يلي:
روى البلاذري قال: حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن يزيد بن عياض، قال: قال معاوية: الارض لله، وانا خليفة الله، فما أخذت فلي، وما تركته للناس، فبفضل مني
وقال مسكين الدارمي يخاطب معاوية يستحثه على ترشيح يزيد:
بني خلفاء الله مهلا فانما *** يبؤها الرحمن حيث يريدُ
إذا المنبر الغربي خلاَّهُ ربُّه *** فإن أمير المؤمنين يزيدُ
وقال عبد الله بن همام السلولي ليزيد بن معاوية:
اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة *** واشكر عطاء الذي بالملك اصفاكا
اعطيت طاعة اهل الارض كلهم *** فانت ترعاهم والله يرعاكا
خلافة ربكم حاموا عليها *** اذا غُمِزت خَنابِسةً اسودا
وفي ضوء ذلك يتضح: ان معاوية هوالمؤسس لهذه البدعة في الحكم وقد استفاد من اصل اسلامي صحيح اشار اليه القرآن في قوله تعالى: (ياداود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بما اراك الله). واشارت اليه الاحاديث النبوية الصحيحة التي انتشرت في عهد علي(عليه السلام) وولده الحسن (عليه السلام) وهوتوصيف الانبياء واوصيائهم بكونهم خلفاء الله في الارض يبينون للناس دينه نيابة عنه، ومن هنا كانت طاعة هؤلاء الانبياء واوصيائهم رأس الدين، سواء كانوا في موقع الحكم والسلطة فعلا ام لم يكونوا، لانهم المفتاح الى معرفة دين الله تعالى، وصار المطيع لهم وليا لله، والعاصي لهم عاصيا لله تعالى.
حرَّف معاوية ومن جاء بعده هذا المفهوم الاسلامي الصحيح، حين جعلوا الحاكم بمجرد كونه حاكما خليفة لله تعالى، وطاعته رأس الدين
وقد أُسنِد هذا الطرح الأموي باحاديث وضعت على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) ضمن الثورة الثقافية المضادة التي ارسى دعائمها معاوية، وفيما يلي طرف من هذه الاحاديث:
روى مسلم في صحيحه عن حذيفة قال:
(قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس.
قال: قلت: كيف أصنع يا رسول اللّه إن أدركت ذلك؟.
قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك واخذ مالك فاسمع وأطع
وفي رواية الطيالسي واحمد بن حنبل انه (صلى الله عليه وآله) قال: (فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك.)
روى البخاري: قال حدثنا عثمان بن صالح قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: حدثنا أبوهانئ الخولاني عن أبى على الجنبي عن فضالة بن عبيد
اقول: المراد بالامام في الرواية الحاكم الاعلى للمسلمين.
وروى مسلم عن أبي قيس بن رياح عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية)
وروى احمد بن حنبل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نزع يدا من طاعة فلا حجة له يوم القيامة، ومن مات مفارقا للجماعة فقد مات ميتة جاهلية.)
وروى ايضا عن عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية، فإن خلعها من بعد عقدها في عنقه لقي الله تبارك وتعالى وليست له حجة.)
______________________________________
(1) انساب الاشراف ق4ج1/20.
(2) الفرق الاسلامية في بلاد الشام /249 عن الشعر والشعراء 1/544، الاغاني 2/212، خزانة الادب 3/59، شعر مسكين الدارمي /33 .
(3) الفرق الاسلامية في بلاد الشام /217عن طبقات فحول الشعراء /627 .
(4) يريد اذا استضعفها مجترئ فطمع في ان ينال منها، والخَنابِسة جمع خُنْبَسة وهوالجري الشديد الثابت. المصدر السابق/(حسن عطوان).
(5) تماما كما صنع السامري في بني اسرائيل واشار اليه قوله تعالى: (فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها، طه 96) أي حرفتها.
(6) مختصر صحيح البخاري 3/1319، صحيح مسلم 3/1476.
(7) مسند ابي داود الطيالسي /59. مسند احمد 5/403.
(8) قال ابن حجر في الاصابة: فضالة بن عبيد الأنصاري الأوسي، أبومحمد، اسلم قديما ولم يشهد بدرا وشهد أحدا فما بعدها، وشهد فتح مصر والشام قبلها، ثم سكن الشام وولى الغزووولاه معاوية قضاء دمشق بعد أبي الدرداء، وقال ابن حبان :مات في خلافة معاوية وكان معاوية ممن حمل سريره، وكان معاوية استخلفه على دمشق في سفرة سافرها، وأرخ المدائني وفاته سنة ثلاث وخمسين، وكذا قال بن السكن، وقال :مات بدمشق. قال المزي في تهذيب الكمال: صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، شهد أحدا وبايع تحت الشجرة وشهد خيبر مع النبي (صلى الله عليه وآله) وولاه معاوية على الغزوثم ولاه قضاء دمشق، وكان خليفة معاوية على دمشق إذا غاب عنها، روى له البخاري في المفرد والباقون.
(9) الادب المفرد /207، مسند احمد 6/19، صحيح ابن حبان 10/422، المستدرك على الصحيحين 1/206، المعجم الكبير للطبراني 18/306.
(10) صحيح مسلم 3/1476 .
(11) مسند احمد بن حنبل 2/70.
(12) مسند احمد 2/93. وقال النووي في شرحه بباب لزوم طاعة الاُمراء في غير معصية:
(وقال جماهير أهل السنّة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك). وقال قبله:
(وأمّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، واجمع أهل السنّة أنّه لا ينعزل السلطان بالفسق).
قال القاضي أبوبكر محمد بن الطيّب الباقلاني (ت: 403 هـ) في كتاب التمهيد في باب ذكر ما يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته ما ملخّصه:
(قال الجمهور من أهل الإثبات واصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال، وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرّمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي اللّه. واحتجّوا في ذلك باخبار كثيرة متظافرة عن النبيّ وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة وإن جاروا واستاثروا بالأموال،).
![]() |
![]() |