![]() |
![]() |
الباب الثاني : الانقلاب الأموي
الفصل الرابع : أطروحة معاوية للحكم
ومن المفيد ان نتذكر هنا ان خيل الله هذه وجيش الفتوح هذا قد اولاه معاوية وولاته عناية خاصة ليكون جيشا مطيعا للخليفة الاموي، يسمع كلمته، ويرى رؤيته في الحكام وفي بني أمية من جهة بصفتهم ائمة هدى وحماة الدين واولياء النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي علي واهل بيته (عليهم السلام) بصفتهم ائمة ضلالة واعداء الله ورسوله. جيشا خاليا من أي متهم بحب علي(عليه السلام) فضلا عن كونه من شيعته.
وكان هذا الامر في مدينة كالشام امرا سهلا لم يكلف معاوية كثير جهد، ولم يحبس اويقتل من أجله احدا، وبخلاف ذلك كان الامر في الكوفة وهي مركز شيعة علي(عليه السلام)، حيث لم يستطع زياد أن ينجح في بناء جيش للدولة الاموية إلا بعد بذل ما ذكرناه من خطط، وبعد قام ما قام به من قتل مثل حجر وعمروبن الحمق الخزاعي، ونفي مثل صعصة بن صوحان، وما قام به من قتلٍ على التهم والظن والشبه تحت كل كوكب، وتحت كل حجر ومدر، وقطع الأيدي والأرجل منهم، وصلبهم على جذوع النخل، وسمل أعينهم، طردهم وشردهم.
وفي ضوء هذه التربية لم يكن مستغربا ما صدر من جيش الشام بقيادة مسلم بن عقبة إزاء اهل المدينة بعد واقعة الحرة، وكذلك ما صدر من جيش الدولة الأموية في الكوفة إزاء الحسين (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وذلك لأن التربية واحدة والقيادة واحدة.
روى أحمد بن أعثم في فتوحه: إن مسلم بن عقبة
وفي رواية اليعقوبي: اللهم ان عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل اهل الحرة فاني إذن لشقي
قال ابن حجر: روى أبوبكر بن عياش عن أبي إسحاق قال: كان شمر يصلي معنا ثم يقول: اللهم انك تعلم اني شريف فاغفر لي , قلت: كيف يغفر الله لك وقد اعنت على قتل أبن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: ويحك فكيف نصنع ان امراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولوخالفناهم كنا شرا من هذه الحمر الشقاء
وقد انتهت هذه التربية في العراق بعد مقتل الحسين (عليه السلام) ولم يستطع بنوأمية فرضها من جديد على اهل العراق حين حكموا العراق بعد قتل مصعب بن الزبير الى تمام ستين سنة من ملك بني مروان، ولكنها استمرت في الشام من خلال إصرار خلفاء بني أمية على عرض انفسهم على انهم ائمة مقربون عند الله تعالى يشفعون لاوليائهم.
روى البلاذري عن المدائني: انه لما مات الحجاج ذكره الوليد وذكر قرة بن شريك فترحم عليهما وقال: كانا منقادين لأمرنا , والله لأشفعن لهما عند ربي ولأسألنه أن يدخلهما الجنة، يا أهل الشام أحبوا الحجاج فإن حبه إيمان وبغضه كفر
ويتضح من ذلك ايضا: إن ما جرى من قتل الحسين (عليه السلام) وحمل رأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه مع عياله أسرى إلى الشام، وما جرى من قتل أهل مدينة النبي في واقعة الحرة، واباحة المدينة ثلاثة ايام للجند، وضرب بيت الله بالمنجنيق، كان نتيجة طبيعية للتربية المنحرفة التي ارسى دعائمها معاوية وولاته ومن سار في ركبه من وضاعي الحديث وخطباء الجمعة والقصاصين
______________________________________
(1) قال ابن حجر في الاصابة: مسلم بن عقبة المري، أبوعقبة، الأمير من قبل يزيد بن معاوية على الجيش الذين غزوا المدينة يوم الحرة، ذكره بن عساكر وقال :أدرك النبي، وشهد صفين مع معاوية وكان على الرجالة، وعمدته في إدراكه أنه استند إلى ما أخرجه محمد بن سعد في الطبقات عن الواقدي بأسانيده قال: لما بلغ يزيد بن معاوية أن أهل المدينة أخرجوا عامله من المدينة وخلعوه، وجه إليهم عسكرا أمر عليهم مسلم بن عقبة المري وهويومئذ شيخ بن بضع وتسعين سنة , فهذا يدل على أنه كان في العهد النبوي كهلا، وقد أفحش مسلم القول والفعل بأهل المدينة وأسرف في قتل الكبير والصغير حتى سموه مسرفا، وأباح المدينة ثلاثة أيام لذلك والعسكر ينهبون ويقتلون ويفجرون، ثم رفع القتل وبايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية، وتوجه بالعسكر إلى مكة ليحارب ابن الزبير لتخلفه عن البيعة ليزيد , فعوجل بالموت فمات بالطريق وذاك سنة ثلاث وستين , واستمر الجيش إلى مكة فحاصروا ابن الزبير ونصبوا المنجنيق على أبي قبيس، فجاءهم الخبر بموت يزيد بن معاوية وانصرفوا والقصة معروفة في التواريخ.
(2) فتوح ابن أعثم 5/301.
(3) تاريخ اليعقوبي 2/251 .
(4) لسان الميزان ترجمة شمر بن ذي الجوشن.
(5) الحجاج بن يوسف الثقفي/ تاليف :احسان صدقي العمد ص 536 /نقلا عن مخطوطة انساب البلاذري (م 78 ورقة 1247وورقة 1219مصورة دار الكتب المصرية رقم 1103)رسالة ماجستير من كلية الآداب جامعة الكويت، باشراف الدكتور حسين مؤنس، اجيزت سنة 1972، طبعت سنة 1973 بيروت.
(6) لم يكن يسمح معاوية لقاص يقص من دون إجازة منه، روى البلاذري (ق4ج1/45) بسنده عن ابي عامر الهوزني قال :حججنا مع معاوية، فلما قدمنا مكة أخبر برجل قاص يقص على أهل مكة وكان مولى لبني مخزوم، فقال له معاوية :أمرت بالقصص؟ قال :لا، قال: فما حملك على ان تقص بغير إذن؟ قال: انما ننشر علما علمناه الله، قال :لوكنت تقدمت اليك لقطعت طابقا منك.
![]() |
![]() |