الباب الثالث : حركة الحسين (عليه السلام) في مواجهة الانقلاب الأموي
الفصل الثاني : نهضة الحسين (عليه السلام) للتغيير بعد موت معاوية

الحسين (عليه السلام) لا يبايع ليزيد:

قال الطبري: ولي يزيد في هلال رجب سنة ستين وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وأمير الكوفة النعمان ابن بشير الأنصاري وأمير البصرة عبيد الله بن زياد وأمير مكة عمروبن سعيد بن العاص.

وكتب يزيد إلى الوليد يحثه على اخذ البيعة ممن لم يبايع، ومنهم الحسين (عليه السلام)، وبعث الوليد الى الحسين (عليه السلام) ليأخذ منه البيعة.

روى خليفة بن خياط في تاريخه قال: حدثني وهب قال: حدثني جويرية بن أسماء قال: سمعت أشياخنا من أهل المدينة ما لا أحصي يحدثون: أن معاوية توفي وفي المدينة يومئذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فأتاه موته فبعث إلى مروان بن الحكم وأناس من بني أمية فأعلمهم الذي أتاه، فقال مروان: ابعث الساعة إلى الحسين وابن الزبير فإن بايعا وإلا فاضرب أعناقهما , وقد هلك عبد الرحمن بن أبي بكر قبل ذلك , فأتاه ابن الزبير فنعى له معاوية وترحم عليه وجزاه خيرا. فقال له: بايع ! قال: ما هذه ساعة مبايعة ولا مثلي يبايعك هاهنا فترقى المنبر فأبايعك ويبايعك الناس علانية غير سر، فوثب مروان فقال: اضرب عنقه فإنه صاحب فتنة وشر، قال: إنك لهتاك يا بن الزرقاء واستبا، فقال الوليد: أخرجوهما (عني وكان رجلا رفيقا سريا كريما)فأخرجا عنه، فجاء الحسين بن علي (عليهما السلام) على تلك الحال فلم يكلم في شيء حتى رجعا جميعا …وخرج الحسين (عليه السلام) من ليلته (1).

وفي رواية الطبري عن أبي مخنف ان الوليد طلب من الحسين (عليه السلام) البيعة، فقال له الحسين (عليه السلام): إن مثلي لا يعطي بيعته سرا ولا أراك تجتزىء بها مني سرا دون أن نظهرها على رؤوس الناس علانية, قال: أجل, قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا ,فقال له الوليد وكان يحب العافية: فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أوتضرب عنقه، فوثب عند ذلك الحسين (عليه السلام) فقال: يا بن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت، ثم خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتى أتى منزله، فقال مروان للوليد: عصيتني لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبدا، قال الوليد: وبخ غيرك يا مروان، إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإني قتلت حسينا، سبحان الله أقتل حسينا إن قال لا أبايع؟ والله إني لا أظن امرأ يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة (2).

وفي رواية البلاذري: ان الوليد لما بعث إلى الحسين (عليه السلام) لم يأته الحسين (عليه السلام) وامتنع بأهل بيته وبمن كان على رأيه، وفعل ابن الزبير مثل ذلك وبعث الحسين (عليه السلام) إن كُفّ حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا، وخرج الحسين (عليه السلام) ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين (3).

وفي رواية الواقدي قال: لما دعي الحسين (عليه السلام) وابن الزبير إلى البيعة ليزيد أبيا وخرجا من ليلتهما إلى مكة... (4).

روى ابومخنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابي سعيد المقبري قال :لما سار الحسين (عليه السلام) نحو مكة قال: (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). فلما دخل مكة قال: (وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (5).

قال الطبري :وعزل يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة، عزله في شهر رمضان فأقر عليها عمروبن سعيد الأشدق.

______________________________________

(1) تاريخ خليفة بن خياط 232-233.

(2) تاريخ الطبري ج 5 /340 .

(3) انساب الاشراف ق4ج1/300 .

(4) تاريخ الطبري 5/343 .

(5) تاريخ الطبري 5/343 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري