![]() |
![]() |
الباب الثالث : حركة الحسين (عليه السلام) في مواجهة الانقلاب الأموي
الفصل الثاني : نهضة الحسين (عليه السلام) للتغيير بعد موت معاوية
قال ابن كثير: لما أُخِذت البيعة ليزيد في حياة معاوية كان الحسين (عليه السلام) ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر وابن عباس، ثم مات عبدالرحمن ابن ابي بكر وهومصمم على ذلك , فلما مات معاوية سنة ستين وبويع ليزيد بايع ابن عمر وابن عباس، وصمم على المخالفة الامام الحسين (عليه السلام) وابن الزبير وخرجا فارين الى مكة، فقاما بها ونزل الحسين (عليه السلام) دار العباس
وفي رواية الطبري عن ابي مخنف: فاقبل الحسين(عليه السلام) حتى نزل مكة فأقبل أهلها يختلفون اليه ويأتونه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق.
أقول:
بقي الحسين (عليه السلام) في مكة شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة وثمانية أيام من ذي الحجة، ومما لا شك فيه ان الحسين (عليه السلام) في هذه الفترة وفي حلقاته مع المعتمرين وأهل الآفاق، كان قد كسر الطوق الذي فرضه معاوية على الحديث النبوي الصحيح في علي وأهل بيته (عليهم السلام) , أوفي ذم بني امية اوفي بيان احكام متعة الحج وغير ذلك، وبدأ يذكِّر الناس ويُسْمِع من لم يَسْمَع منهم احاديث النبي(صلى الله عليه وآله) في تفسير القرآن وفي فضل ابيه علي(عليه السلام) وفي فضله وفضل أخيه الحسن (عليه السلام) وفي ذم بني أمية ونزوهم على منبر الرسول(صلى الله عليه وآله) وفي الموقف الصحيح عند ظهور الظلم والبدع وغير ذلك من قبيل:
وحديث الدار،
وحديث المنزلة،
وحديث الثقلين،
وحديث الكساء،
وحديث رؤيا النبي والشجرة الملعونة في القرآن،
وقوله(صلى الله عليه وآله): من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله
ثم يذكرهم بجرائم بني أمية ومخالفاتهم لأحكام الله وسنة رسوله(صلى الله عليه وآله) وتعطيلهم الحدود , وقتلهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كحجر بن عدي وعمروبن الحمق, ونفي الاخيار والنساء كصعصعة بن صوحان العبدي وآمنة بنت الشريد زوجة عمروبن الحمق بعد ان كانت رهينة الحبس لحين يسلم زوجها نفسه.
ومن ذلك قوله(عليه السلام): ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان, وتركوا طاعة الرحمن, وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غَيَّر
وقوله: ألا ترون الى الحق لا يُعْملُ به والى الباطل لا يُتَناهى عنه لَيَرْغبَ المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما
وقوله: إني أدعوكم الى إحياء معالم الحق وإماتة البدع
ثم يذكرهم بقول النبي(صلى الله عليه وآله) فيه: حسين مني وأنا من حسين، احب الله من أحب حسينا، وقوله (صلى الله عليه وآله) فيه وفي أخيه: الحسن والحسين سبطان من الاسباط، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
ولابد انه (صلى الله عليه وآله) قد ذكرهم وأخبرهم بما اعلنه النبي (صلى الله عليه وآله) منذ ولادة الحسين (عليه السلام) بانه يقتل بارض العراق فمن ادركه فلينصره
وكان (عليه السلام) يقول: وأيم الله لوكنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيَّ حاجتهم، ووالله لَيَعْتَدُنَّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت
أقول: وذلك لما قتلوا يحيى (عليه السلام)، وقد قال لعبد الله بن عمر: اما علمت ان من هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا أهدي الى بغي من بغايا بني إسرائيل … فلم يعجل عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر، ثم قال له: اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي
ومما أثر عنه (عليه السلام) قوله أيضا: كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني اكراشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت ويوفينا أجورالصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته
لقد كان الحسين (عليه السلام) يحدّث بهذا وأمثاله ويبصر المسلمين ويستنهض به هممهم ويطلب نصرتهم ويذكرهم بتكليفهم الشرعي سرا وعلانية في جومن الاستضعاف والخوف والارهاب نظير ما عاشه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مكة يوم استضعفته قريش وعذبت اصحابه ,فقتل من قتل, وسجن من سجن, وتشرد من تشرد.
وليس من شك ان هذه الحركة التبليغية العامة من الحسين (عليه السلام) تقوم على اساس ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) من تبليغ حديثه الى الناس، وما أمر به الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) من إظهار العلم عند ظهور البدع، وقد تخيَّر لها الحسين (عليه السلام) بتوفيق الهي خاص ظرفها المناسب، وهذا يعني في الوقت نفسه كما بينا ان السلطة الاموية في الشام سوف لن تسكت على مثل هذه الحركة، بل سيكون موقفها منها هوالعمل على القضاء عليها وبكل وسيلة ممكنة، وبأقسى ما يتصور من العقوبة لتكون نكالا للآخرين وعبرة.
ان السلطة حين أرادت من الحسين (عليه السلام) ان يبايع يعني انها ارادت منه ان يوافق على سياستها وضلالها وإضلالها للناس، وهذا الامر لا يقرُّه الدين للعالم القادر على التغيير، والحسين (عليه السلام) لا ينافسه احد ممن هوفي عصره في العلم بالشريعة والقدرة على التغيير، وفي ضوء ذلك فليس من المترقب من الحسين المطهر الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله) :(حسين مني وأنا من حسين) ان يبايع ليزيد ويقره على سياسة تحريف الدين واضلال الامة حتى لوكلفه ذلك دمه الزكي، بل شعاره في ذلك (لولم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد)
______________________________________
(1) البداية والنهاية 8/162، اقول هي دار هاشم وعبد المطلب وهي اشهر دار في مكة تقع في قبال زمزم وباب البيت، ثم سميت بدار العباس في عهد العباسيين.
(2) غبن الرجل يغبنه غبنا: مر به وهو مائل فلم ير ولم يفطن له (لسان العرب مادة غبن).
(3) البداية والنهاية 8/151 .
(4) روى ابن عساكر في ترجمة علي (عليه السلام) من تاريخه بسنده عن أحمد بن علي بن مهدي عن ابيه عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أنبأنا أبي عن ابيه جعفر الصادق حدثني ابي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه، فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
(5) تاريخ الطبري 5/403 .
(6) تاريخ الطبري 5/403 .
(7) تاريخ ابن عساكر14/217 عن الزبير بن بكار، تاريخ الطبري 5/404 .
(8) الاخبار الطوال للدينوري /321 .
(9) انظر رواية انس بن الحارث وغيره في ذخائر العقبى لاحمد بن محمد الكبري المكي (ت694هجرية) تحقيق اكرم البوشي طبع مكتبة الصحابة جدة 1415هجرية/وفي مجمع الزوائد ج9 ص19) ومعجم الطبراني(3/120) قال النبي (صلى الله عليه وآله): واها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف. واحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في قتل الحسين (عليه السلام) في المصادر السنية والشيعية بل والكتابية كثيرة جدا.
(10) تاريخ الطبري 4/289طبعة الاعلمي، تاريخ ابن الاثير 4/ الناقص من طبقات ابن سعد1/ 433عن معاوية بن قرة، تاريخ ابن عساكر 14/216عن معاوية بن قرة.
(11) فتوح ابن اعثم 5/ 42.
(12) اللهوف لابن طاووس 38.
(13) فتوح ابن اعثم ج 5 ص23.
(14) تاريخ الطبري ج2 ص67.
![]() |
![]() |