الباب الثالث : حركة الحسين (عليه السلام) في مواجهة الانقلاب الأموي
الفصل الثاني : نهضة الحسين (عليه السلام) للتغيير بعد موت معاوية

موقف السلطة الاموية من حركة الحسين (عليه السلام):

نُمِّيَ خبر حركة الحسين (عليه السلام) في مكة الى يزيد ودسَّ للحسين (عليه السلام) من يقتله فيها غيلة، ووصل الخبر للحسين (عليه السلام) عن طريق شخص نظير مؤمن آل فرعون حين اوصل خبر عزم فرعون على قتل موسى الى موسى، وخرج الحسين (عليه السلام) في الثامن من ذي الحجة متوجها الى الكوفة.

روى ابن قولويه بسنده عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: قال عبد الله بن الزبير للحسين(عليه السلام): ولوجئت (1) الى مكة فكنت بالحرم؟! فقال الحسين(عليه السلام): لا نستحلها ولا تستحل بنا، ولان اقتل على تل اعفر (2) أحب اليَّ من ان اقتل بها. وعن ابي سعيد عقيصا (3) قال: سمعت الحسين بن علي (عليهما السلام) يقول: يقول لي ابن الزبير: كن حماما من حمام الحرم، ولان اقتل وبيني وبين الحرم باع أحب اليَّ من ان اقتل وبيني وبينه شبر، ولان اقتل بالطف أحب اليَّ من ان اقتل بالحرم (4). وفي رواية القاضي ابي حنيفة النعمان: ثم قال(عليه السلام): والله لوكنت في حجر هامة لاخرجوني حتى يقضوا فيَّ حاجتهم، والله ليعتدوا فيَّ كما اعتدت اليهود في السبت (5).

وروى ابن قولويه بسنده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسلام (6)

قال ابومخنف ـ حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان قال: لما خرج الحسين من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص، عليهم يحيى بن سعيد، فقالوا له: انصرف اين تذهب؟ فأبى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان، فاضطربوا بالسياط، ثم ان الحسين واصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويا، ومضى الحسين (عليه السلام) على وجهِِهِ، فنادوه: يا حسين! الا تتقي الله؟! تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الامة؟ فتأوَّل حسين قول الله عزوجل : (وإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) يونس/41 (7).

روى الطبري، قال هشام عن عوانة بن الحكم عن لَبَطَة بن الفرزدق بن غالب عن أبيه قال: حججت بأمي، فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحج وذلك في سنة ستين إذ لقيت الحسين بن علي (عليه السلام) خارجا من مكة معه أسيافه وأتراسه (8)، فقلت: لمن هذا القطار؟فقيل: للحسين بن علي (عليه السلام)، فأتيته فقلت: بأبي وأمي يا بن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟فقال: لولم أعجل لأخذت (9).

وروى البسوي كتاب ابن عباس الى يزيد بعد قتل الحسين وواقعة الحرة جاء فيه: (... فما أنس من الاشياء فلست بناسٍ اطِّرادَك حسينا (رحمه الله) من حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى حرم الله تعالى (10)، وتسييرَك اليه الرجال لتقتله في الحرم، فما زلتَ بذلك وعلى ذلك حتى اشخصته الى العراق، فخرج خائفا يترقب، فتزلزلتْ به خيلُك عداوةً لله ولرسوله ولاهل بيته (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (11).

وفي رواية اليعقوبي: فما زلتَ بذلك كذلك حتى أخرجته من مكة الى ارض الكوفة تزأر به خيلك وجنودك زئير الاسد عداوةً منك لله ولرسوله ولاهل بيته (عليهم السلام) ثم كتبت الى ابن مرجانة ان يستقبله بالخيل والأسنَّةِ والسيوف (12).

______________________________________

(1) ‏ الذي احتمله جدا انه مصحفة عن رجعت أي لورجعت الى مكة والتزمت الحرم لا تخرج منه.

(2) ‏ الاعفر الرمل الاحمر. (يشير الى كربلاء) كما في الرواية التي بعدها.

(3) ‏ عقيصا ابوسعيد التيمي (التميمي)، اسمه دينار، يروي عن علي(عليه السلام)، يعد في موالى بني تيم، ذكره ابن حبان في الثقات في عقيصا، فقال صاحب الكرابيسى: روى عن علي وعمار، وعنه محمد بن جحادة. وقد أخرج له الحاكم في المستدرك وقال: ثقة مأمون، وقال ابوحاتم: هولين وهواحب إلى من اصبغ بن نباتة. لسان الميزان، ميزان الاعتدال.

(4) ‏ كامل الزيارات- جعفر بن محمد بن قولويه ص 150.

(5) ‏ شرح الاخبار للقاضي ابي حنيفة النعمان المغربي (ج3/14) تحقيق السيد الجلالي، (طبعة مؤسسة النشر الاسلامي قم).

(6) كامل الزيارات ص 157.

(7) ‏ قال ابومخنف بعد هذه الرواية: ثم ان الحسين اقبل حتى مر بالتنعيم فلقى بها عيرا قد اقبل بها من اليمن بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية، وكان عامله على اليمن وعلى العير الورس والحلل ينطلق بها إلى يزيد فاخذها الحسين، فانطلق بهم قال لاصحاب الابل: لا اكرهكم من احب ان يمضي معنا إلى العراق اوفينا كراءه وأحسنا صحبته ومن احب ان يفارقنا من مكاننا هذا اعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الارض، قال: فمن فارقه منهم حوسب فأوفى حقه ومن مضى منهم معه اعطاه كراءه وكساه. (تاريخ الطبري ج4 ص290) اقول: يبعد جدا ان يتصرف الحسين(عليه السلام) مثل هذا التصرف،

(8) ‏ حملة هذه الاسياف والاتراس هم بنو هاشم وممن بايعه على النصرة من اصحابه لحمايته في الطريق.

(9) تاريخ الطبري5/386 .

(10) ‏ يفيد هذا النص: ان الحسين (عليه السلام) لوكان قد بقي في المدينة لاخذته جلاوزة السلطة الاموية هناك. ويؤكد ذلك ما رواه الطبري ان يزيد كتب الى والى المدينة الوليد بن عتبة رسالة خاصة يقول له فيها: أما بعد فخذ حسينا وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير بالبيعة اخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام.

(11) المعرفة والتاريخ /532 .

(12) تاريخ اليعقوبي 2/247 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري