الباب الثالث : حركة الحسين (عليه السلام) في مواجهة الانقلاب الأموي
الفصل الثاني : نهضة الحسين (عليه السلام) للتغيير بعد موت معاوية

قتل مسلم وهانئ :

لما بلغ يزيد حركة مسلم بن عقيل في الكوفة وضعف واليها النعمان بن بشير في مواجهة حركة الثورة فيها، عزله عنها وضمها إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة، وكلفه بالبحث عن مسلم ومن معه وسجنهم اوقتلهم.

وجاء ابن زياد الى الكوفة وهووارث خبرة ابيه وقسوته ودرايته، واجتمع بالعرفاء والمناكب (1)والشُّرْطة (2) وشدَّدَ عليهم وهدَّدَهم، ودَسَّ الرجال ليتعرَّفوا له خبر مسلم، وقطع الطريق الى الحج (3)، ثم سجن على التهمة والظن ما يزيد على عشرة الاف (4)، وكان منهم المختار بن ابي عبيد الثقفي (5)، ثم استطاع ان يمسك بمسلم وهاني ويقتلهما (6)، ثم وضع المسالح (7)على منافذ العراق المؤدية الى الكوفة وسرح بالكتائب لتستقبل ركب الحسين (عليه السلام) واهل بيته الآتي من مكة.

قال ابن سعد: وجمع ابن زياد المقاتلة وأمر لهم بالعطاء، وأعطى الشُّرَط (8).

قال الطبري كتب ابن زياد بعد أن قتل مسلما وهانئا: أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانىء بن عروة المرادي وإني جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال (9) وكدتهما حتى استخرجتهما، وأمكن الله تعالى منهما، فقدمتهما فضربت أعناقهما، وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانىء بن أبي حية الهمداني والزبير بن الأروح التميمي وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة، فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمر، فإن عندهما علما وصدقا وفهما وورعا والسلام (10).

______________________________________

(1) ‏ جاء في لسان العرب لابن منظور مادة (نكب): منكب القوم رأس العرفاء، على كذا وكذا عريفا منكب، ويقال: له لنكابة في قومه. والنكابة: كالعرافة والنقابة.

(2) ‏ الشُّرْطة، والشُّرَطة: سموا بذلك لانهم اعدوا لذلك واعدوا انفسهم بعلامات، وهم اول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت. ومنه شرطة الخميس أي مقدمة الجيش. لسان العرب.

(3) لم تذكر لنا كتب المقاتل ولا كتب التاريخ حوادث التقاء بين الحجاج من الكوفيين والبصريين وغيرهم من اهل العراق الا ما جرى بين زهير بن القين مع الحسين (عليه السلام)، وهو يفيد ان ابن زياد كان قد اتخذ اجراء منع اهل الكوفة والبصرة من الحج وهو ما تقتضيه طبيعة الاشياء أيضا.

(4) قال الدكتور الخربوطلي في كتابه المختار ابن ابي عبيد الثقفي(/74): سجن ابن زياد اثني عشر الفا من الشيعة ولم يترك واحدا من زعمائهم طليقا.

(5) قال اليعقوبي: أقبل المختار في جماعة يريدون نصر الحسين (عليه السلام)، فأخذه عبيد الله بن زياد فحبسه وضربه بالقضيب حتى شتر عينه، فكتب فيه عبد الله بن عمر الى يزيد وكتب يزيد الى عبيد الله، فخلى سبيله ونفاه، فخرج المختار إلى الحجاز فكان مع ابن الزبير /تاريخ اليعقوبي (2/7 طبعة النجف).

(6) ‏ لم نتطرق الى قصة مسلم في الكوفة وشهادته لانها تحتاج الى بحث تفصيلي خاص بها، لعلنا نفرد لها كتابا في مستقبل الايام ان شاء الله تعالى.

(7) ‏ جمع مسلحة، وهم القوم على الثغور وعلى مفاصل الطرق الكبيرة يحفظونها سموا مسلحة لانهم يحملون السلاح.

(8) الطبقات لابن سعد (1/462).

(9) وذلك لان حركة مسلم لم تكن حركة علنية بل كانت سرية، روى الطبري (5/354) قال: ثم دعا مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي، فأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك.

(10) تاريخ الطبري (5/380).

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري