![]() |
![]() |
الباب الثالث : حركة الحسين (عليه السلام) في مواجهة الانقلاب الأموي
الفصل الثاني : نهضة الحسين (عليه السلام) للتغيير بعد موت معاوية
قال الطبري: ولما بلغ عبيد الله إقبال الحسين (عليه السلام) من مكة إلى الكوفة كتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظر
قال ابن سعد: ووجَّه حصين بن تميم الطُّهَوي
وروى البلاذري عن هلال بن يساف قال: أمر ابن زياد فأخذ ما بين واقِصة الى طريق الشام الى طريق البصرة
قال ابن سعد: وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسللون الى الحسين (عليه السلام) من الكوفة فبلغ، ذلك عبيد الله فخرج وعسكر بالنخيلة، واستعمل على الكوفة عمروبن حريث وأخذ الناس بالخروج الى النخيلة وضبط الجسر فلم يترك أحدا يجوزه
وروى البلاذري ايضا قال: ووضع ابن زياد المناظر
قال أبومخنف: …ثم أقبل الحسين سيرا إلى الكوفة… حتى كان بالماء فوق زرود. قال أبومخنف: فحدثني السدي عن رجل من بني فزارة قال: كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة نساير الحسين (عليه السلام)، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل، فإذا سار الحسين (عليه السلام) تخلف زهير بن القين، وإذا نزل الحسين (عليه السلام) تقدم زهير، حتى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بدا من أن ننازله فيه، فنزل الحسين (عليه السلام) في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين (عليه السلام) حتى سلم ثم دخل، فقال: يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه، قال: فطرح كل إنسان ما في يده حتى كأننا على رؤوسنا الطير.
قال أبومخنف: فحدثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين قالت: فقلت له: أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه؟ سبحان الله لوأتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت، قالت: فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه، قالت: فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقدم وحمل إلى الحسين (عليه السلام)، ثم قال لامراته: أنت طالق الحقي بأهلك، فإني لا أحب أن يصيبك من سـبي إلا خير، ثم قال لأصحابه: من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد، إني سأحدثكم حديثا غزونا بَلَنْجَر
قال أبومخنف: وفي الثعلبية
وقال الحر للحسين(عليه السلام): قد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد، فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا، حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه أوإلى عبيد الله بن زياد إن شئت، فلعل الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك، ثم إن الحسين (عليه السلام) سار في أصحابه والحر يسايره.
قال أبومخنف: عن عُقْبَة بن أبي العَيْزار أن الحسين (عليه السلام) خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبَيْضَة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستاثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيَّر
وقال (عليه السلام) في ذي حُسُم: إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرت جدا فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون أنَّ الحق لا يعمل به، وأنَّ الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما.
قال ابومخنف: فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه: تكلمون أم أتكلم؟ قالوا: لا بل تكلم، فحمد الله فأثنى عليه ثم قال: قد سمعنا ـ هداك الله ـ يا بن رسول الله مقالتك، والله لوكانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها. قال: فدعا له الحسين (عليه السلام) ثم قال له خيرا.
وأقبل الحر يسايره وهويقول له: يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى.
فقال له الحسين(عليه السلام): أفبالموت تخوفني؟ وهل يعدوبكم الخطب أن تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك؟ ولكن أقول كما قال أخوالأوس لابن عمه ولقيه وهويريد نصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال له: أين تذهب فإنك مقتول؟فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه *** وفارق مثبورا يغش ويرغم
قال: فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه، وكان يسير بأصحابه في ناحية وحسين في ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عُذيب الهِجانات، وكان بها هجائن
قال: فلما انتهوا إلى الحسين (عليه السلام) أنشدوه هذه الأبيات، فقال: أما والله إني لأرجوأن يكون خيرا ما أراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا، قال: وأقبل إليهم الحر بن يزيد فقال: إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك وأنا حابسهم أورادهم فقال له الحسين(عليه السلام): لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد.
فقال: أجل لكن لم يأتوا معك، قال: هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك.
قال: فكفَّ عنهم الحر.
قال: ثم قال لهم الحسين(عليه السلام): أخبروني خبر الناس وراءكم؟
فقال له مجمع بن عبد الله العائذي وهوأحد النفر الأربعة الذين جاءوه: أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم (ألب واحد عليك)
قال: أخبروني فهل لكم برسولي إليكم؟قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مسهر الصيداوي فقالوا: نعم أخذه الحصين بن تميم فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه ودعا إلى نصرتك، وأخبرهم بقدومك فأمر به ابن زياد فألقي من طَمارِ القصر
فترقرقت عينا الحسين (عليه السلام) ولم يملك دمعه ثم قال: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ، اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نُزُلا واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.
قال أبومخنف: حدثني جميل بن مرثد من بني معن عن الطرماح ابن عدي أنه دنا من الحسين (عليه السلام) فقال له: والله إني لأنظر فما أرى معك أحدا ولولم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفي بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه، فسألت عنهم؟ فقيل: اجتمعوا ليُعْرَضوا ثم يُسْرَحون إلى الحسين فأنشدك الله إن قدرت على ألا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى أَجَأ، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن الأسود والأحمر، والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القُرَيَّةَ ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ
فقال له: جزاك الله وقومك خيرا، إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة.
قال أبومخنف: ومضى الحسين (عليه السلام) حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به.
قال أبومخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان قال: لما كان في آخر الليل أمر الحسين (عليه السلام) بالاستقاء من الماء ثم أمرنا بالرحيل، ففعلنا، قال: فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خَفَق الحسين (عليه السلام)برأسه خفْقَة. ثم انتبه وهويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين، قال: ففعل ذلك مرتين أوثلاثا.
فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين (عليه السلام) على فرس له فقال: يا أبت جعلت فداك مم حمدت الله واسترجعت؟!
قال: يا بني إني خفقت برأسي خفقة فعنَّ لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.
قال له: يا أبت لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحق؟
قال: بلى والذي إليه مرجع العباد.
قال: يا أبت إذاً لا نبالي نموت محقين.
فقال له: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.
قال ابومخنف: فلما انتهوا إلى نينوى (المكان الذي نزل به الحسين(عليه السلام))قال: فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة، فدفع إلى الحر كتابا من عبيد الله ابن زياد فإذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين (عليه السلام) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعَراء في غير حُصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام.
فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله وقد أمره إلا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره.
وأخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية، فقالوا: دعنا ننزل في هذه القرية (يعنون نِينَوى)
فقال له زهير بن القين: يا بن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم،فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به.
فقال له الحسين(عليه السلام): ما كنت لِأبدأَهم بالقتال.
(وفي رواية ابن عساكر: وعدل الحسين إلى كربلاء)،
وذلك يوم الخميس وهواليوم الثاني من المحرم
روى السيد ابن طاووس قال :قال الحسين (عليه السلام) لما نزل كربلاء: إنزلوا هاهنا محط رحالنا، ومسفك دمائنا، وهنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم، فنزلوا جميعا
قال ابومخنف: فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف.
قال: وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين (عليه السلام)، أن عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دَسْتَبَى
قال: فبعث عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السلام) عَزْرَة بن قيس الأحمسي فقال: ائته فسله ما الذي جاء به وما ذا يريد، وكان عَزرة ممن كتب إلى الحسين (عليه السلام) فاستحيا منه أن يأتيه.
قال: فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى وكرهه.
قال: وقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شيء فقال: أنا أذهب إليه والله لئن شئت لأفتكنَّ به، فقال له عمر بن سعد: ما أريد أن يفتك به ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟قال: فأقبل إليه، فلما رآه أبوثمامة الصائدي قال للحسين(عليه السلام): أصلحك الله أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرؤهم على دم وأفتكه، فقام إليه فقال: ضع سيفك !قال: لا والله ولا كرامة، إنما أنا رسول فإن سمعتم مني أبلغتكم ما أرسلت به إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم، فقال له: فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك، قال: لا والله لا تمسه، فقال له: أخبرني ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر، قال: فاستبا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
قال: فدعا عمر قُرَّةَ بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قرة الق حسينا فسله ما جاء به وما ذا يريد؟ فأتاه قرة بن قيس فلما رآه الحسين (عليه السلام) مقبلا قال: أتعرفون هذا؟فقال حبيب بن مظاهر: نعم هذا رجل من حنظلة تميمي، وهوابن أختنا، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد، فجاء حتى سلم على الحسين (عليه السلام) وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له.
فقال الحسين(عليه السلام): كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم، فأما إذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم.
قال: ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة بن قيس أنى ترجع إلى القوم الظالمين، انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك، فقال له قرة: ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي، قال: فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: إني لأرجوأن يعافيني الله من حربه وقتاله.
قال هشام عن أبي مخنف قال: حدثني النضر بن صالح بن حبيب ابن زهير العبسي عن حسان بن فائد بن بكير العبسي قال: أشهد أن كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وماذا يطلب ويسأل، فقال: كتب إلى أهل هذه البلاد وأتتني به رسلهم فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم، فلما قرىء الكتاب على ابن زياد قال:
الآن إذ علِقت مخالبُنا به *** يرجو النجاة ولاتَ حينَ مناصِ
وكتب إلى عمر بن سعد: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت، فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هوى وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأَيْنا رأْيَنا والسلام.
فلما أتى عمر بن سعد الكتاب قال: قد حسبت ألا يقبل ابن زياد العافية.
قال أبومخنف: حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الأزدي قال: جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد: أما بعد فَحُل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة، كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان.
فبعث عمر بن سعد عمروبن الحجاج على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال: ونازله عبد الله بن أبي حصين الأزدي وعِدادُه في بَجيلة فقال: يا حسين إلا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا، فقال حسين: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا.
قال حميد بن مسلم: والله لعُدْتُه بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا إله إلا هولقد رأيتُه يشرب حتى بَغَرَ ثم يقيء ثم يعود فيشرب حتى يَبْغُرُ
قال حميد: ولما اشتد على الحسين وأصحابه العطش، دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا، وبعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا، واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي فقال عمروبن الحجاج الزبيدي: من الرجل؟فجيء فقال: ما جاء بك؟قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا
قال أبومخنف: حدثني أبوجناب عن هانىء بن ثبيت الحضرمي وكان قد شهد قتل الحسين قال: بعث الحسين (عليه السلام) إلى عمر بن سعد عمروبن قرظة بن كعب الأنصاري: أن الْقَني الليل بين عسكري وعسكرك. فخرج عمر بن سعد في نحومن عشرين فارسا وأقبل حسين في مثل ذلك، فلما التقوا أمر حسين أصحابه أن يتنحوا عنه وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك.
قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما، فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع، ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه وتحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه أن حسينا قال لعمر بن سعد: اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين قال عمر: إذن تهدم داري، قال: أنا أبنيها لك، قال: إذن تؤخذ ضياعي، قال: إذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز. قال: فتكره ذلك عمر، قال: فتحدث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا ولا علموه.
قال أبومخنف: وأما ما حدثنا به المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير الأزدي وغيرهما من المحدثين فهوما عليه جماعة المحدثين قالوا: إنه قال: اختاروا مني خصالا ثلاثا: إما أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه، وإما أن تسيروني إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلا من أهله، لي ما لهم وعلي ما عليهم.
قال أبومخنف: فأما عبد الرحمن بن جندب فحدثني:
" عن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها. لا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس".
______________________________________
(1) المناظر هي التلال والروابي في الاراضي المنبسطة لمراقبة الطرق.
(2) تاريخ الطبري(5/353).
(3) صاحب شرطة عبيد الله بن زياد، وفي الارشاد واللهوف هوحصين بن نمير.
(4) الحاجِر (من بطن الرَّمَّة):واد معروف لعالية نجد.
(5) في الطبري عن ابي مخنف ان قيسا قال: أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر، فأجيبوه، ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه واستغفر لعلي بن أبي طالب.
(6) الطبقات (1/463) ، وفي رواية الطبري عن ابي مخنف: فأمر به عبيد الله فألقي من فوق القصر إلى الأرض فكسرت عظامه وبقي به رمق فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه فلما عيب ذلك عليه قال: إنما أردت أن أريحه.
(7) انساب الاشراف تحقيق المحمودي 3/173.
(8) الطبقات 1/466 .
(9) المناظر: أشراف الأرض لأنه ينظر منها، المنظرة المرقبة. (لسان العرب).
(10) المسلحة: قوم في عدة بموضع رصد قد وكلوا به بإزاء ثغر واحد هم مسلحي والجمع المسالح، والمسلحة: كالثغر والمرقب. قال ابن شميل: مسلحة الجند خطاطيف لهم بين أيديهم ينفضون لهم الطريق ويتجسسون خبر العدو ويعلمون علمهم لئلا يهجم عليهم ولايدعون واحدا من العدويدخل بلاد المسلمين وإن جاء جيش أنذرو المسلمين المسلحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدوسموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح أولأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر والمرقب يكون فيها أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له. (لسان العرب).
(11) انساب الاشراف (3/178).
(12) قال الحموي: بلنجر(بفتحتين، وسكون النون، وجيم مفتوحة): مدينة ببلاد الخزر خلف باب الابواب، قالوا: فتحها عبد الرحمن بن ربيعة واستشهد ثم أخذ الراية أخوه سليمان بن ربيعة الذي رجع ببقية المسلمين على طريق جيلان...
(13) الإصابة - ابن حجر ج 3 ص 117: سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سهم بن ثعلبة الباهلي، مختلف في صحبته، قال أبوحاتم : له صحبة، يكنى أبا عبد الله، وقال أبوعمر : ذكره العقيلي في الصحابة وهوعندي كما قال أبوحاتم. شهد فتوح الشام ثم سكن العراق وولي غزوأرمينية في زمن عثمان فأستشهد قبل الثلاثين أوبعدها (الاصابة ترجمة سلمان بين ربيعة). قال المؤلف: (بلنجر من اعمال ارمينية) قال البلاذري (في فتوح البلدان ص240-241): قتل سلمان بن ربيعة الباهلي خلف نهر البلنجر في اربعة الاف من المسلمين، وكان مع سلمان ببلنجر قرضة بي كعب الانصاري وهوجاء بنعيه الى عثمان. (والظاهر من رواية سيف ان استشهاده سنة 33هجرية). (انظر الردة والفتوح لسيف بن عمر). قال المؤلف: وفي ضوء ذلك يتضح ان رواية سلمان عن النبي: خير قتل شباب ال محمد في كربلاء انما كان في النصف الثاني من عهد عثمان حين ضعفت سياسة المنع من نشر الحديث وتصدي ابي ذر ونظرائه لاحياء احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في اهل بيته(عليهم السلام).
(14) تاريخ الطبري(ج: 5 ص: 397)سنة 60.
(15) الثعلبية: منزل من منازل مكة كانت قرية فخربت، وهي بعد زود وقبل زُبالة.
(16) اي بلغه.
(17) ما بين واقصة والقرعاء.
(18) اجتزأنا من الخطبة ما نراه صحيحا منها وقد بينا تقييمنا لكتاب ابي مخنف وما نأخذه منه وما ندع.
(19) الهجائن: هي الابل البيض الكريمة.
(20) اي يسيرون بجانبهم فرسا لنافع ليس عليه راكب.
(21) (الب واحد عليك: أي مجتمعين عليك) اشراف الكوفة في عهد ابن زياد هم الوجوه الاجتماعية التي كانت ركائز النفاق على عهد على علي ولم تستجب لهديه ومن ثم اعتمدها زياد في تنفيذ مخطط معاوية لتصفية التشيع في الكوفة. وهم رؤوس الجيش الذي حارب الحسين(عليه السلام).
(22) اي اعلى القصر.
(23) ممن بأجأ: أي ممن هم في طريقة واحدة ونهج واحد.
(24) قال الحموي في معجم البلدان :نينوى بسواد الكوفة منها كربلا التي قتل بها الحسين، قال المؤلف: ورد اسم نينوى لمدينة في جنوب العراق في الكتابات المسمارية في المكتشفة في وادي الرافدين قبل نينوى الموصل بقرون.
(25) تاريخ ابن عساكر ترجمة الحسين(عليه السلام).
(26) هذا هوالمشهور بين المؤرخين، وفي الاخبار الطوال للدينوري ص253 قال: ان الحسين نزل كربلاء يوم الاربعاء غرة شهر المحرم سنة احدى وستين.
(27) اللهوف في قتلى الطفوف- السيد ابن طاووس الحسني ص 49. اقول: وقد تواترت الاخبار بذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله)، منها ما روي عن علي(عليه السلام): قال ابن كثير قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شراحيل بن مدرك، عن عبداللـه بن نجيى، عن أبيه أنه سار مع علي – وكان صاحب مطهرته – فلما جاؤوا نينوى وهومنطلق إلى صفين فنادى علي: “ صبرا أبا عبداللـه، صبرا أبا عبداللـه، بشط الفرات قلت: وماذا تريد؟ قال: " دخلت على رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: ما أبكاك يا رسول اللـه؟ قال: بلى، قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا ". قال ابن كثير تفرد به أحمد (البداية والنهاية مجلد: 8/217، مسند أحمد 1/85، الآحاد والمثاني 1/308). قال ابن كثير وروى محمد بن سعد: عن علي بن محمد، عن يحيى بن زكريا، عن رجل عن عامر الشعبي، عن علي مثلـه. وروى نصر بن مزاحم في كتابه (وقعة صفين/142) عن سعيد بن حكيم العبسى عن الحسن بن كثير عن أبيه: أن عليا أتى كربلاء فوقف بها، فقيل يا أميرالمؤمنين، هذه كربلاء قال: “ ذات كرب وبلاء ”. ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: هاهنا موضع رحالـهم، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال: هاهنا مهراق دمائهم.
(28) منطقة كبيرة كانت مقسومة بين الري وهمذان . او دستوا: بلدة بفارس وقيل بلدة بالاهواز.
(29) منطقة مشهورة بالكوفة، واعين مولى سعد بن ابي وقاص.
(30) بَغَر الرجل يبغُر: إذا اكثر من شرب الماء ولم يرو لداء به.
(31) في لسان العرب: لفظ عصبه أي ريقه.
(32) يقال :حلأه عن الماء أي طرده ومنعه منه.
![]() |
![]() |