![]() |
![]() |
الباب الرابع : آثار نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته
الفصل الأول : ردود الفعل السريعة لمقتل الحسين (عليه السلام)
اما الناصرون: فكان غالبيتهم من اهل الكوفة، وقد سُجن منهم ما يقرب من اثني عشر الف
اما الخاذلون: فهم كل المسلمين الذين كانوا في مكة ممن بلغته حركة الحسين ووصلهم نداؤه ولم يجيبوه، نعم يوجد منهم من اجازه الحسين (عليه السلام) بالبقاء كابن عباس وابن الحنفية ونظرائهم من حملة الحديث النبوي الصحيح، ومما لا شك فيه ان قسما من الخاذلين سواء من الكوفيين اومن غيرهم حين بلغهم نبأ شهادة الحسين قد ندموا ندما شديدا، ونموذجهم ولسان حالهم عبيد الله بن الحر، وسيأتي الحديث عنه.
اما القاتلون: فهم جيش بني امية من ابناء الكوفة، هذا الجيش الذي بناه معاوية بشكل خاص في فترة حكمه بعد وفاة الحسن (عليه السلام)، وقد مر الحديث عنه وعن تربيته في الباب الاول، ووجوه هؤلاء شبث بن ربعي، وحجار بن ابجر، ومحمد بن الاشعث، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وغيرهم، وهم المعروفون بأشراف الكوفة في لغة ابي مخنف وغيره ممن كتب عن الحسين من الرواة في العهد العباسي. ولم يندم من هؤلاء الوجوه احد، نعم ندم البعض ممن كان في الجيش ولم يشترك بقتال وهم قليل.
وفيما يلي طرف من اخبار من استاء لقتله ومن ندم على خذلانه:
قال هشام: فحدثني أبي عن النوار بنت مالك قالت: أقبل خولى برأس الحسين فوضعه تحت إجّانة في الدار، ثم دخل البيت، فآوى إلى فراشه، فقلت له: ما الخبر ما عندك؟
قال: جئتُكِ بِغِنَى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار،
قالت: فقلت: ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟!! لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبدا.
قال الطبري: لما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته (أو أخته النوار بنت جابر): أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيد القراء؟! لقد أتيت عظيما من الأمر والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا.
فقال كعب بن جابر:
سلي تُخبَري عني وأنت ذميمةٌ *** غَداة حسين والرماح شوارعُ
ألم آتِ أقصى ما كرِهتِ ولم يُخِلْ *** عليَّ غداة الروع ما أنا صانعُ
معي يَزَنيٌّ لم تخُنه كُعوبه *** وأبيضُ مخشوبُ الغِرارين قاطعُ
فجرَّدتُه في عُصبة ليس دينُهم *** بديني وإني بابن حربٍ لقانعُ
ولم ترَ عيني مثلَهم في زمانهم *** ولا قبلَهم في الناس إذ أنا يافعُ
أشدَّ قِراعا بالسيوف لدى الوغى *** ألا كلُّ من يحمي الذمار مقارعُ
وقد صبروا للطعن والضرب حُسَّرا *** وقد نازلوا لوأنَّ ذلك نافعُ
قتُلت بُريرا ثم حَمَّلتُ نعمة *** أبا منقذٍ لما دعا من يماصعُ
قال أبومخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب قال: سمعته في إمارة مصعب بن الزبير وهويقول: يا رب إنا قد وفينا، فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر.
أقول: يريد كعب بقوله: انه وفى ببيعته للخليفة يزيد. ويريد بمن غدر ببيعته ليزيد انصار الحسين (عليه السلام) الذين قُتلوا بين يديه، والذين سجنهم ابن زياد، ثم خرجوا من السجن بعد ذلك وتحركوا مع سليمان بن صرد والمختار.
قالت لابنها حين قتل الحسين (عليه السلام) : ويلك ماذا صنعت وماذا ركبت؟.
روى الطبري عن هشام عن أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل قال: حدثني أبي قال: لما قتل الحسين (عليه السلام) قام ابن الزبير في أهل مكة وعظم مقتله وقال:
رحم الله حسينا وأخزى قاتل الحسين(عليه السلام)...
لقد اختار الحسين الميتة الكريمة على الحياة الذميمة …
أفبعد الحسين (عليه السلام) نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدا؟
لا ولا نراهم لذلك أهلا.
أما والله لقد قتلوه، طويلا بالليل قيامه، كثيرا في النهار صيامه، أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل.
أما والله ما كان يبدِّل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، (ولا بالمجالس في حلق الذكر/الركض في تطلاب الصيد) /يعرِّض بيزيد/ فسوف يلقون غيا.).
فثار إليه أصحابه فقالوا له: أيها الرجل أظهر بيعتك فإنه لم يبق أحد/إذ هلك الحسين/ينازعك هذا الأمر. وقد كان يبايع الناس سرا ويظهر أنه عائذ بالبيت.
قال الطبري قال عثمان بن زياد أخوعبيد الله: والله لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة، وأن حسينا لم يقتل.
قال الطبري :روى أحمد بن زهير عن علي بن محمد عن علي بن مجاهد: أن عبيد الله بن الحر كان رجلا من خيار قومه صلاحا وفضلا وصلاة واجتهادا، فلما قتل عثمان وهاج الهَيج بين علي ومعاوية قال: أما إن الله ليعلم أني أحبُّ عثمان ولأنصرنه ميتا. فخرج إلى الشام فكان مع معاوية، وخرج مالك بن مسمع إلى معاوية على مثل ذلك الرأي في العثمانية، فأقام عبيد الله عند معاوية وشهد معه صفين، ولم يزل معه حتى قتل علي(عليه السلام) فلما قُتل علي قدم الكوفة.
اقول: قدم الكوفة بعد ان تم الصلح بين معاوية والحسن (عليه السلام) وصارت الكوفة تابعة لمعاوية.
قال ابن سعد: لقي عبيد الله بن الحر الحسين بن علي عند قصر مقاتل، فدعاه حسين الى نصرته والقتال معه، فأبى وقال :قد أبيت أباك قبلك.
قال ابن سعد: فندم عبيد الله بن الحر على تركه نصرة حسين (عليه السلام)
قال أبومخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي أن عبيد الله ابن زياد بعد قتل الحسين (عليه السلام) تفقد أشراف أهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحر، ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه فقال: أين كنت يا بن الحر؟
قال: كنت مريضا، قال: مريض القلب أومريض البدن؟
قال: أما قلبي فلم يمرض، وأما بدني فقد منَّ الله عليَّ بالعافية، فقال له ابن زياد: كذبت ولكنك كنت مع عدونا، قال: لوكنت مع عدوك لرئي مكاني، وما كان مثل مكاني يخفى.
قال: وغفل عنه ابن زياد غفلة، فخرج ابن الحر فقعد على فرسه.
فقال ابن زياد: أين ابن الحر؟قالوا: خرج الساعة، قال: علي به !فحضرته الشرطة، فقالوا له: أجب الأمير، فدفع فرسه، ثم قال: أبلغوه أني لا آتيه والله طائعا أبدا، ثم خرج حتى أتى منزل أحمر بن زياد الطائي، فاجتمع إليه في منزله أصحابه، ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر إلى مصارع القوم، فاستغفر لهم هو وأصحابه، ثم مضى حتى نزل المدائن وقال في ذلك:
يقول أميرٌ غادرٌ حقَّ غادرٍ *** ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة
فيا ندمي إلا أكونَ نصرتُه *** ألا كلُّ نفس لا تسدد نادمة
وإني لأني لم أكن من حُماته *** لذوحسرةٍ ما إن تفارِق لازمة
سقى الله أرواح الذين تآزروا *** على نصره سُقيَا من الغيث دائمة
وقفتُ على أجداثهم ومجالِهم *** فكاد الحشا ينفضُّ والعينُ ساجمة
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى *** سِراعا إلى الهيجا حماةً خضارمة
تآسَوْا على نصر ابن بنت نبيهم *** بأسيافهم آسادُ غيلٍ ضراغمة
فإن يُقتَلوا فكل نفس تقية *** على الأرض قد أضحت لذلك واجمة
وما أن رأى الراؤون أفضل منهمُ *** لدى الموت ساداتٍ وزُهراً قماقمة
أتقتلهم ظلما وترجو وِدادَنا *** فَدَع خُطةً ليست لنا بملائمة
لعمري لقد راغمتُمونا بقتلهم *** فكم ناقمٍ منا عليكم وناقمة
أهُمُّ مِرارا أن أسير بجحفلٍ *** إلى فئة زاغت عن الحق ظالمة
فكُفُّوا وإلا ذُدتُكم في كتائب *** أشدَّ عليكم من زُحوف الديالمة
وقال أيضا:
أيرجو ابن الزبير اليوم نصري *** بعاقبةٍ ولم أنصر حسينا
وكان تخلُّفي عنه تَبابا *** وتَركي نصرَه غُبنا وحَيْنا
ولو أني أواسيه بنفسي *** أصبت فضيلةً وقَرَرْتُ عينا
وقال أيضا:
يا لكِ حسرة ما دمتُ حيّاً *** تَردَّدُ بين حلقي والتراقي
حسينُ حين يطلُب بذل نَصري *** على أهل العداوة والشقاق
ولو أني أُواسيه بنفسي *** لَنِلْتُ كرامةً يوم التلاق
مع ابن المصطفى نفسي فداهُ *** فولّى ثم ودَّع بالفراق
غداةَ يقول لي بالقَصر قولا *** أتتركُنا وتُزمِع بانطلاق
فلو فَلَقَ التلَهُّف قلبَ حيٍّ *** لهَمَّ اليومَ قلبي بانفلاق
فقد فاز الأُلى نصروا حسينا *** وخاب الآخرون أولي النفاق
(ومن الجدير ذكره ان حسرة عبيد الله ابن الحر وندمه على ترك نصرة الحسين (عليه السلام) لم ترتفع به الى وعي هدف حركة الحسين (عليه السلام) وشهادته)، ومن هنا لم يصبح في صف الشيعة الثائرين لمواصلة خطة الحسين (عليه السلام)، بل اختار عبد الله بن الزبير مرة، وعبد الملك بن مروان اخرى، ثم قتل وهومن انصار عبد الملك بن مروان
حفظت لنا كتب التاريخ كلمات وابيات للمشاركين في قتل الحسين (عليه السلام) تكشف لنا عن ندمهم.
منهم رضي بن منقذ العبدي وينسب اليه قوله:
لو شاء ربي ما شهدتُ قتالهم *** ولا جعل النعماء عندي ابن جابر
لقد كان ذاك اليوم عارا وسُبَّة *** يعيِّره الأبناء بعد المعاشر
فيا ليت أني كنت من قبل قتله *** ويوم حسين كنت في رمس قابر
كانت هذه ردود فعل سريعة وانتهت سريعا ايضا.
قال ابن اعثم: لما قتل الحسين (عليه السلام) استوسق العراقان جميعا (الكوفة والبصرة) لعبيد الله بن زياد واوصله يزيد بالف الف درهم جائزة، ثم علا امره وارتفع قدره وانتشر ذكره وبذل الاموال واصطنع الرجال ومدحته الشعراء حتى قال فيه المليح بن الزبير الاسدي:
اليك عبيد الله تهوى ركابنا *** تسعف اخوان الفلاة وتدأب
إذا ذكروا فضل امرئ ونواله *** ففضل عبيد الله اسنى واطيب
اقول:
استمر الحال كذلك الى قريب من سنتين حتى ثار اهل المدينة، ولم تكن ثورتهم لاجل احياء خطة الحسين، بل كانت تأثرا بثورته وشهادته.
واقتص منهم يزيد بقسوة متناهية.
ثم غزا البيت الحرام حيث كان عبد الله بن الزبير قد اعلن ثورته هناك، ورماه بالمنجنيق.
ثم بتر الله عمر يزيد (هُويُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يونس/56 فمات بعد قتل الحسين بثلاث سنوات.
واستقال ابنه معاوية الثاني بعد ان جائته البيعة من الافاق (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه ) الأنفال/24.
واقتتل اهل الشام على السلطة.
وتزلزلت الارض تحت بني امية حتى انهار حكمهم سنة 132هجرية كما سنبينه في الفصل الاتي.
______________________________________
(1) قال المظفر في تاريخ الشيعة ص 34: ان عبيد الله بن زياد سجن اثني عشر الفا من الشيعة ولم يترك واحدا (من زعمائهم طليقا). انظر ايضا المختار بن عبيد الثقفي للدكتور علي حسني الخربوطلي ص74-75.
(2) تاريخ الطبري 5/475.
(3) تاريخ الطبري 5/407.
(4) طبقات ابن سعد المفقود 1/513
(5) تاريخ الطبري 5 /470 الطبقات 1/515.
(6) التباب: الخسران، الحين بفتح الحاء: الهلاك.
(7) الطبقات 1/516.
(8) انظر تفاصيل ذلك في تاريخ الطبري ج6/ 129- 136.
(9) تاريخ الطبري 5/433.
(10) الفتوج ج5/252.
![]() |
![]() |