الباب الرابع : آثار نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته
الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيارالحكم الأموي

حركة عبد الله بن الزبير 64-73

ترجمة عبد الله بن الزبير:

قال ابن عبد البر: قال علي بن زيد الجُدْعاني: كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات، إلا أنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلا ضيق العطاء، سيّء الخلق، حسودا، كثير الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس إلى الطائف، وكانت بيعته بعد موت معاوية بن يزيد، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان، وحج بالناس ثماني حجج، وقتل رحمه الله فى أيام عبد الملك، يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى، وقيل جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وهوابن ثنتين وسبعين سنة وصلب بعد قتله بمكة، وبدأ الحجاج بحصاره من أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين، فحاصره ستة أشهر وسبعة عشر يوما إلى أن قتل في النصف من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين.

وقال ابن عبد البر قال :علي بن ابي طالب رضى الله عنه: ما زال الزبير يُعدُّ منّا أهلَ البيت حتى نشأ عبدُ الله، وبويع لعبد الله بن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين، هذا قول أبي معشر وقال المدائني :بويع له بالخلافة سنة خمس وستين (1).

قال ابن ابي الحديد: وكان شيخنا ابوالقاسم البلخي اذا ذكر عنده عبد الله بن الزبير يقول: لا خير فيه، وقال مرة لا يعجبني صلاته وصومه وليسا بنافعين له مع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): لا يبغضك الا منافق، وقال ابوعبد الله البصري رحمه الله (لما سئل عنه):ما صح عندي انه تاب من يوم الجمل ولكنه استكثر مما كان عليه (2).

وقال: توصل عبد الله بن الزبير الى امرأة عبد الله بن عمر وهي أخت المختار بن ابى عبيد الثقفي في ان تكلم بعلها عبد الله بن عمر ان يبايعه، فكلمته في ذلك وذكرت صلاته وقيامه وصيامه، فقال لها: أما رأيتِ البغلات الشُّهُب (3) التى كنا نراها تحت معاوية بالحجر اذا قدم مكة؟ قالت :بلى، قال :فإياها يطلب ابن الزبير بصومه وصلاته (4).

وقال ابن ابي الحديد: لما نزل علي (عليه السلام) بالبصرة ووقف جيشه بإزاء جيش عائشة، قال الزبير: والله ما كان امر قط الا عرفت اين اضع قدمي فيه الا هذا الامر، فاني لا ادري أمقبل أنا فيه أم مدبر؟ فقال له ابنه عبد الله: كلا ولكنك فرقت سيوف ابن ابي طالب، وعرفت ان الموت الناقع تحت راياته، فقال الزبير: ما لك أخزاك الله من ولد ما أشأمك؟!

وكان عبد الله بن الزبير يبغض عليا (عليه السلام) وينتقصه وينال من عِرضه (5).

وقال: وروى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير انه مَكَثَ ايام ادعائه الخلافة اربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال :لا يمنعني من ذكره الا ان تشمخ رجالٌ بآنافها.

وفى رواية محمد بن حبيب وابي عبيدة معمر بن المثنى ان له أُهَيل سوء يُنغِضِون رؤوسهم (6) عند ذكره.

وروى سعيد بن جبير ان عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس :ما حديث اسمعه عنك؟ قال :وما هو؟ قال :تأنيبـي وذمي؟

فقال :اني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول :بئس المرء المسلم يشبع ويجوع جاره.

فقال ابن الزبير :اني لأكتم بغضكم اهل هذا البيت منذ اربعين سنة... (7).

وقال :روى عمر بن شبة ايضا عن سعيد بن جبير قال: خطب عبد الله بن الزبير فنال من علي (عليه السلام)، فبلغ ذلك محمد بن الحنفية، فجاء اليه وهويخطب، فوضع له كرسى فقطع عليه خطبته وقال: يا معشر العرب !شاهت الوجوه، أينتقص علي وانتم حضور؟! ان عليا كان يد الله على اعداء الله، وصاعقة من أمره، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم فشنئوه، وأبغضوه وأضمروا له الشَّنَف والحسد وابن عمه (صلى الله عليه وآله) حي بعد لم يمت، فلما نقله الله الى جواره واحب له ما عنده اظهرت له رجال احقادها وشفت اضغانها، فمنهم من ابتزَّ حقَّه، ومنهم من ائتمر به ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالاباطيل،... والله ما يشتم عليا الا كافر يُسِرّ شتمَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويخاف ان يبوح به فيكني بشتم علي (عليه السلام) عنه،

اما انه قد تخطت المنية منكم من امتد عمره وسمع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)فيه :(لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

فعاد ابن الزبير الى خطبته وقال: عَذَرْتُ بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن الحنفية.

فقال محمد: يا ابن ام رومان وما لي لا اتكلم وهل فاتني من الفواطم الا واحدة، ولم يفتني فخرها لانها ام اخوي، انا ابن فاطمة بنت عمران بن عائذ بن مخزوم جدة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وانا ابن فاطمة بنت اسد بن هاشم كافلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقائمة مقام امه، اما والله لولا خديجة بنت خويلد ما تركت فى بني اسد بن عبد العزى عظما الا هشَّمته.

ثم قام فانصرف (8).

وقال: ان عبد الله بن الزبير استنصر على يزيد بن معاويه بالخوارج واستدعاهم الى ملكه فقال فيه الشاعر:

يا بن الزبير اتهوى فتية قتلوا *** ظلما اباك ولما تنزع الشُّكَكُ (9)
ضحوا بعثمان يوم النحر ضاحية *** اطيب ذاك الدم الزاكي الذى سفكوا

فقال ابن الزبير لوشايعني الترك والديلم على محاربة بني امية لشايعتهم وانتصرت بهم (10).

قال ابن ابي الحديد: روى ابوالفرج علي بن الحسين الاصبهاني فى كتاب مقاتل الطالبيين ان يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن ابى طالب (عليه السلام) لما امنه الرشيد بعد خروجه بالديلم وصار اليه، بالغ فى اكرامه، وبَرّهُ، فسعى به بعد مدة عبد الله بن مصعب الزبيري (11) الى الرشيد وكان يبغضه، وقال له :انه قد عاد يدعوالى نفسه سرا وحسن له نقض امانه، فاحضره وجمع بينه وبين عبد الله بن مصعب ليناظره فيما قذفه به، ورفعه عليه فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد وادعى عليه الحركة فى الخروج وشق العصا.

فقال يحيى :يا امير المؤمنين أتصدَّق هذا عليَّ وتستنصِحُه؟

وهو ابن عبد الله بن الزبير الذي ادخل اباك عبد الله وولده الشعب واضرم عليهم النار حتى خلَّصه ابوعبد الله الجدلي صاحب علي بن ابي طالب (عليه السلام) منه عنوة،

وهوالذى ترك الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واربعين جمعة فى خطبته، فلما التاث (12) عليه الناس قال: ان له اهيل سوء، اذا صليت عليه اوذكرته اتلعوا (13) اعناقهم واشرأبوا لذكره، فأكره ان أسُرَّهُم اوأُقِرَّ اعينهم،

وهوالذى كان يشتم اباك ويلصق به العيوب حتى ورم كبده، ولقد ذبحت بقرة يوما لابيك فوجدت كبدها سوداء قد نقبت، فقال علي ابنه :أما ترى كبد هذه البقرة يا أبتِ، فقال :يا بني هكذا ترك ابن الزبير كبد ابيك، ثم نفاه الى الطائف فلما حضرته الوفاة، قال لابنه علي :يا بني اذا مت فالحق بقومك من بني عبد مناف بالشام، ولا تقم فى بلد لابن الزبير فيه امره، فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد الله بن الزبير،

ووالله ان عداوة هذا يا امير المؤمنين لنا جميعا بمنزلة سواء، ولكنه قوي علي بك وضعف عنك، فتقرب بي اليك، ليظفر منك بي بما يريد اذ لم يقدر على مثله منك، وما ينبغي لك ان تسوِّغه ذلك فيَّ فان معاوية بن ابي سفيان وهو ابعد نسبا منك الينا ذكر الحسن بن علي (عليه السلام) يوما فسبه، فساعده عبد الله بن الزبير على ذلك فزجره وانتهره فقال انما ساعدتك يا امير المؤمنين؟ فقال :ان الحسن لحمي آكُلُه ولا أوكَلُه (14).

الحرب بين ابن الزبير والحجاج :

قال ابن الاثير: أرسل عبد الملك بن مروان الحجّاج لحرب ابن الزبير بمكة فنزل الطائف، وأمدّه بطارق فقدم المدينة في ذي القعدة سنة 72 هـ وأخرج عامل ابن الزبير عنها وجعل عليها رجلاً من أهل الشام اسمه ثعلبة. (15).

وقال: قدم الحجّاج مكّة في ذي القعدة وقد أحرم بحجّة، فنزل بئر ميمون وحجّ بالناس في تلك السنّة الحجّاج إلاّ أنّه لم يطف حول الكعبة ولا سعى بين الصفا والمروة، منعه ابن الزبير من ذلك.

قال: ولم يحجّ ابن الزبير ولا أصحابه لانّهم لم يقفوا بعرفة ولم يرموا الجمار.

قال: ولمّا حَصَرَ الحجّاج ابن الزبير، نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة، وكان عبد الملك ينكر ذلك أيّام يزيد بن معاوية، ثمّ أمر به. (16).

وقال الذهبي: وألحّ عليه الحجّاج بالمنجنيق وبالقتال من كلّ وجه، وحبس عنهم الميرة فجاعوا، وكانوا يشربون من زمزم، فتعصبهم وجعلت الحجارة تقع في الكعبة (17).

قال ابن كثير: وكان معه خمس مجانيق، فالحّ عليها بالرمي من كلّ مكان. ثمّ ذكر مثل قول الذهبي (18).

وفي فتوح ابن أعثم: أمر الحجّاج أصحابه أن يتفرّقوا من كلّ وجه، من ذي طوى، ومن أسفل مكّة، ومن قبل الابطح، فاشتدّ الحصار على عبد الله بن الزبير وأصحابه، فنصبوا المجانيق وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة وهم يرتجزون بالاشعار.

قال: فلم يزل الحجّاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتّى انصدع الحائط الذي على بئر زمزم عن آخره، وانتقضت الكعبة من جوانبها. (19)

مقتل ابن الزبير:

قال الطبري: فلم تزل الحرب بين ابن الزبير والحجّاج حتّى كان قبيل مقتله، وقد تفرّق عنه أصحابه، وخرج عامّة أهل مكّة إلى الحجّاج في الامان، وخذله من معه خذلانا شديداً، حتّى خرج إلى الحجّاج نحومن عشرة آلاف، وفيهم ابناه حمزة وخبيب، فأخذا منه لأنفسهما أمانا.

وبعث الحجاج برأس ابن الزبير ورأس عبد الله ابن صفوان وعمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنصبت بها، ثمّ ذهب بها إلى عبد الملك بن مروان (20).

وفي تاريخ ابن كثير: وأرسل بالرؤوس مع رجل من الازد، وأمرهم إذا مرّوا بالمدينة أن ينصبوا الرؤوس بها ثمّ يسيروا بها إلى الشام، ففعلوا ما أمرهم، وأعطاهم عبد الملك خمسمائة دينار، ثمّ دعا بمقراض، فأخذ من ناصيته ونواصي أولاده فرحاً بمقتل ابن الزبير!

قال: ثمّ أمر الحجّاج بجثّة ابن الزبير، فصلبت على ثنيَّة كَداء عند الحُجون، يقال: منكَّسة. ثمّ أنزل عن الجذع ودفن هناك (21).

قال الذهبي: واستوسق الامر لعبد الملك بن مروان، واستعمل على الحرمين الحجّاج بن يوسف، فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير وكانت تشعّثت من المنجنيق، وانفلق الحجر الاسود من المنجنيق فشعَبوه (22).

الحجاج يختم أعناق أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله):

وقال الطبري بعده: ثمّ انصرف إلى المدينة في صفر، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبَّثُ بأهل المدينة ويتعنَّتهم، وبنى بها مسجداً في بني سلمة فهو ينسب إليه، واستخفَّ فيها بأصحاب رسول (صلى الله عليه وآله) فختم في أعناقهم، وكان جابر بن عبد الله مختوماً في يده وأنس مختوماً في عنقه يريد أن يذلّه بذلك. وأرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفّان؟ قال: قد فعلت، قال: كذبت، ثمّ أمر به فختم في عنقه برصاص (23).

______________________________________

(1) الاستيعاب ترجمة عبد الله بن الزبير.

(2) شرح نهج البلاغة 1/326.

(3) ‏ الشهبة في لون الخيل هي ان تشق معظم لونه خيط من الشعر الابيض.

(4) شرح نهج البلاغه1 /326 .

(5) شرح نهج البلاغة 2/166 .

(6) ‏ يغضون رؤوسهم :أي يحركونها.

(7) شرح نهج البلاغه4/62 –63.

(8) شرح نهج البلاغه4/62 -63 .

(9) ‏ الشكك: الأدعياء.

(10) شرح نهج البلاغة 5/131 .

(11) ‏ عبد الله بن مصعب الزبيري :مبغض للطالبيين، احد بطانة هارون الرشيد، وقد استغل هذه العلاقة للوقيعة بمن قدر عليه منهم، وابنه مصعب كان على سر ابيه ايضا. قال ابن الاثير (في حوادث سنة 236):كان مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام منحرفا عن علي قال العلامة المقرم رحمه الله (في كتابه السيدة سكينة /44): ان اول من وضع الاحاديث الشائنة في ابنة الحسين سكينة مصعب الزبيري (المتوفى سنة 236 هجرية) في كتابه نسب قريش لينصرف المغنون والشعراء عن ابنتهم سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير التي تجتمع مع ابن ابي ربيعة الشاعر والمغنيات يغنين لهم، وزاد عليها الزبير بن بكار وابنه. وقال العلامة الحلي (في كشف اليقين /94 ط ايران): كان الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام من اشد الناس عداوة لامير المؤمنين وولده. وقال الشيخ المفيد (في المسائل السروية /61): لم يكن الزبير بن بكار مأمونا في الحديث ولا موثوق النقل فيما يرويه من القذائف في حق اهل البيت، ومنه تزويج عمر بأم كلثوم لبغضه امير المؤمنين (عليه السلام) وتحامله عليه.

(12) ‏ التاث: اي هاج عليه الناس.

(13) ‏ اتلعوا اعناقهم: اي مدوها.

(14) شرح نهج البلاغه (19/91) وبقية كلامه قوله: ومع هذا فهوالخارج مع اخي محمد على ابيك المنصور ابي جعفر والقائل لاخي فى قصيدة طويلة اولها:
ان الحمامة يوم الشعب من وثن *** هاجت فؤاد محب دائم الحزن

يحرض اخي فيها على الوثوب والنهوض الى الخلافة ويمدحه ويقول له:
لا عز ركنا نزار عند سطوتها *** ان اسلمتك ولا ركنا ذوي يمن
الست اكرمهم عودا اذا انتسبوا *** يوما واطهرهم ثوبا من الدرن؟
واعظم الناس عند الناس منزلة *** وابعد الناس من عيب ومن وهن
قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها *** ان الخلافة فيكم يا بنى حسن
انا لنأمل ان ترتد الفتنا *** بعد التدابر والبغضاء والاحن
حتى يثا على الاحسان محسننا *** ويأمن الخائف الماخوذ بالدمن
وتنقضي دولة احكام قادتها فينا *** كاحكام قوم عابدي وثن
فطالما قد بروا بالجور اعظمنا *** بري الصناع قداح النبع بالسفن

فتغير وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر، وتغيظ على ابن مصعب، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا اله الا هو وبايمان البيعة ان هذا الشعر ليس له وانه لسديف، فقال يحيى :والله يا امير المؤمنين ما قاله غيره وما حلفت كاذبا ولا صادقا بالله قبل هذا، وان الله عز وجل اذا مجده العبد فى يمينه فقال والله الطالب الغالب الرحمن الرحيم استحيا ان يعاقبه، فدعني ان احلفه بيمين ما حلف بها احد قط كاذبا الا عوجل، قال :فحلفه قال :قل برئت من حول الله وقوته واعتصمت بحولى وقوتي وتقلدت الحول والقوة من دون الله استكبارا على الله واستعلاء عليه واستغناء عنه ان كنت قلت هذا الشعر، فامتنع عبد الله من الحلف بذلك.
فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع :ما له لا يحلف ان كان صادقا؟هذا طيلساني عليّ وهذه ثيابي لوحلفني بهذه اليمين انها لي لحلفت، فوكز الفضل عبد الله برجله وكان له فيه هوى وقال له :احلف ويحك !فجعل يحلف بهذه اليمين ووجهه متغير وهو يرعد، فضرب يحيى بين كتفيه وقال :يا بن مصعب قطعت عمرك لا تفلح بعدها ابدا.
قالوا :فما برح من موضعه حتى عرض له اعراض الجذام واستدارت عيناه وتفقأ وجهه، وقام الى بيته، فتقطع وتشقق لحمه وانتثر شعره ومات بعد ثلاثه ايام، وحضر الفضل بن الربيع جنازته فلما جعل فى القبر انخسف اللحد به حتى خرجت منه غبرة شديدة، وجعل الفضل يقول :التراب !التراب فطرح التراب وهويهوى فلم يستطيعوا سده حتى سقف بخشب وطم عليه، فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل :أرأيت يا عباسي ما اسرع ما اديل ليحيى من ابن مصعب؟!

(15)  تاريخ ابن الاثير 3/135.

(16)  تاريخ ابن الاثير 4/136.

(17)  تاريخ الاسلام للذهبي 3/114.

(18)  ابن كثير 8/329.

(19)  فتوح ابن أعثم 6/275 ـ 276.

(20)  تاريخ الطبري 8/202 ـ 205.

(21)  تاريخ ابن كثير 8/332، وفي فتوح ابن أعثم 6/279 أكد أنه صلبه منكوساً.

(22)  تاريخ الاسلام للذهبي(3/115): وشعَّبوه هنا بمعنى ضموا اجزاءه بعضها الى بعض.

(23)  تاريخ الطبري 7/ 206 في ذكر حوادث سنة 74 هـ.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري