![]() |
![]() |
الباب الرابع : آثار نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته
الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيارالحكم الأموي
كان عبيد الله بن زياد حين يذهب الى البصرة يستخلف على الكوفة الصحابي عمروبن حريث، وكان مدير شرطته فيها، ومعاونه في ملاحقة انصار الحسين وسجنهم قبل مجيئه الى كربلاء. مات يزيد في ربيع الاول سنة 64هجرية، وكان عبيد الله بن زياد في البصرة، وعلى الكوفة خليفته عمروبن حريث. ولما بايع اهل البصرة لعبيد الله ريثما يجتمع الناس على خليفة
فقال جماعة
فلوكنتُ بوّابا على باب جنة *** لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلامِ
ثم اصطلحوا على عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي القرشي وبايعوا لابن الزبير.
قال ابن حجر: وكان عامر يلقب دُحروجَة الجُعَل لأنه كان قصيرا، ثم اتفق عليه أهل الكوفة بعد موت يزيد بن معاوية، فأقرَّه ابن الزبير قليلا، ثم عزله بعد ثلاثة أشهر، وولاها عبد الله بن يزيد الخطمي.
ويقال إن دحروجة الجعل هذا خطب أهل الكوفة فقال إن لكل قوم شرابا فاطلبوه في مظانه، وعليكم بما يحِل ويُحمَد، واكسروا شرابكم بالماء، وفي ذلك يقول الشاعر:
من ذا يحرم ماء المزن خالطه *** في قعر خابية ماء العناقيد
إني لأكره تشديد الرواة لنا *** فيها ويعجبني قول بن مسعود
وكثير من الناس يظن أن الشاعر عنى عبد الله بن مسعود وليس كذلك وإنما عنى هذا
قال ابن ابي الحديد: وكان عامر بن مسعود مع عائشة في حرب الجمل، وهرب فنجا من القتل، وله ولغيره من بني جمح يقول علي(عليه السلام): (وأفلتتني أعيارُ بني جمح)، (والعير: الحمار)
اقول:
ودُحروجة الجُعَل هذا هو احد شهود الزور على حجر بن عدي (رحمه الله) في الرسالة التي بعثها زياد الى معاوية.
قال ابن ابي ابي الحديد: وقَدِم عبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي
يتضح مما مضى ان الشيعة (اصحاب علي واولادهم(عليهم السلام)) كانوا قد اكلتهم المحنة والسجون والتشرد والتهجير، فلم يبق منهم وجود ظاهر، صار حالهم كما اخبر عنه علي(عليه السلام): (الا وان اخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني امية، فانها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها، وخصت بليتها، واصاب البلاء من ابصر فيها، واخطأ البلاء من عمي عنها. وايم اللّه لتجدن بني أمية لكم ارباب سوء بعدي، كالناب الضروس تعذم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها. لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم الا نافعا لهم، وغير ضائر بهم. ولا يزال بلاؤهم عنكم حتى لا يكون انتصار احدكم منهم الا كانتصار العبد من ربه، والصاحب من مستصحبه). وانما كانت حركة الحسين (عليه السلام) بالبقية الباقية المستترة ليبعث الحياة في الكوفة من جديد، وينقذها من مخطط التذويب الذي وضعه لها معاوية، ونفذه ابن زياد.
من المؤسف جدا ان المصادر المتوفرة لدينا التي تتحدث عن شيعة الكوفة في هذه الفترة تكاد تنحصر بروايات ابي مخنف، وهي غير كافية لتكوين صورة صادقة عن واقع شيعة الكوفة بعد مقتل الحسين ولا بعد وفاة يزيد لكثرة التحريف الذي اصابها، فهي تذكر ان حركة سليمان كانت منفصلة عن حركة المختار، بل تفيد ان المختار كان يخذل عن حركة سليمان في اول امرها.
ان الذي تقتضيه طبيعة الحوادث والاوضاع ان يطلع الحسين (عليه السلام) خواص اصحابه على خطتة، ليواصلوا الحركة بعد استشهاده واقامة الحكم في الكوفة حين يتيسر اسبابه لهم ومقاتلة بني امية، وتفيد الاخبار أن ميثم التمار كان قد اخبر المختار انه سوف يفلت من السجن ويقتل ابن زياد وسياتي الحديث عن ذلك، ونحن نحتمل (والله العالم) ان خطة الثورة في الكوفة بعد الحسين تقاسمها سليمان بن صُرَد والمختار على محورين:
المحور الاول: ان يتحرك سليمان بعدد من الشيعة باتجاه الشام تنفيذا لخطة الحسين(عليه السلام) فيما لوكان قد قدم الكوفة، نظير ما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) حين قدم المدينة، لتثبيت ان العدوالمركزي هم اهل الشام، ولطمأنة ابن مطيع والي عبد الله بن الزبير ورؤساء الجيش الذين كانوا اداة زياد وابنه في قمع اصحاب علي(عليه السلام) وان الشيعة لا يستهدفونهم في خروجهم وثورتهم.
المحور الثاني: ان يبقى المختار في الكوفة ينظم بقية الشيعة ويهيء للثورة على ابن الزبير.
روى البلاذري (6/ 381) عن ابي مخنف ان عمر بن سعد ويزيد بن الحارث بن رديم وشبث بن ربعي قالوا لعبد الله بن يزيد الخطمي وابراهيم الاعرج :ان سليمان بن صرد يريد قتال اعدائكما وان المختار يريد الوثوب بكما والافساد عليكما، فأخذاه فحبساه وقيداه.
والذي تجدر الاشارة اليه (هو ان هناك تشويها لحق بحركة سليمان بن صرد وزملائه) العبارة حين نسبت اليه بعض الروايات كلمات من قبيل ما نسب الى المسيَّب بن نجبة قوله :(اما بعد فقد ابتلينا بطول العمر... وقد بلا الله اخبارنا فوجدنا كاذبين في امر ابن ابنة نبينا، وقد بلغتنا كتبه وقد اتتنا رسله وسألنا نصره عودا وبدءاً وعلانية وسرا، فبخلنا بانفسنا حتى قتل الى جانبنا، فلا نحن نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه بالسنتنا ولاقويناه باموالنا ولا طلبنا له النصرة الى عشائرنا...) وما نسب الى سليمان بن صرد بعد ان قلده الثائرون رئاستهم قوله: (اني أخاف الا نكون أُخِّرنا الى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة وعظمت فيه الرزية لما هوخير لنا انا كنا نمد اعناقنا الى آل بنينا ونمنيهم النصر ونحثهم على القدوم فلما قدموا علينا ونينا وعجزنا وداهنا وتربصنا حتى قتل...) وانهم بكوا عند قبر الحسين (عليه السلام) ونادوا :يالثارات الحسين واظهروا التوبة من خِذلانه).
ان هذه الروايات والكلمات وغيرها التي اكثر منها ابومخنف في كتابه وعنه انتشرت، مما ينبغي التريُّث في قبوله، اذ أن ابا مخنف الَّف كتابه هذا في زمن تبنى فيه ابوجعفر المنصور حملة اعلامية كالتي تبناها معاوية في زمانه، استهدفت حملة معاوية تكريس النيل من علي(عليه السلام) وهذه استهدفت النيل من شيعة علي في الكوفة خاصة، وقد اشرنا الى ذلك في المقدمة
______________________________________
(1) روى المسعودي(في مروج الذهب 3/84): ان اشراف البصرة منهم الاحنف بن قيس التميمي وقيس بن الهيثم السلمي ومسمع بن مالك العبدي بايعوا عبيد الله وتبعهم اهل البصرة.
(2) هم زملاء يزيد بن رويم امثال شبث بن ربعي وحجار بن ابجر ومحمد بن الاشعث، وكان عمر بن سعد قائدهم العام.
(3) مروج الذهب 3/85.
(4) الاصابة 3/603.
(5) جاء في شرح نهج البلاغة 11/126 ان عامر بن مسعود بن اميه بن خلف كان يسمى دحروجه الجعل لقصره وسواده.
(6) ابن حجر في الاصابة (4/267) والمزي في تهذيب الكمال (16/301): عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصن بن عمروبن الحارث بن خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس الأنصاري الخطمي، له ولأبيه صحبة، وشهد بيعة الرضوان وهو صغير، وكان يكنى أبا موسى، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهد الجمل وصفين والنهروان مع علي بن أبي طالب، وحديثه عنه في الترمذي وغيره، وعن البراء بن عازب وحديثه عنه في الصحيحين وعن أبي أيوب وأبي مسعود وحذيفة وقيس بن سعد وزيد بن ثابت وغيرهم، روى عنه ابنه موسى وسبطه عدي بن ثابت والشعبي وأبوإسحاق وابن سيرين وآخرون، وولى إمرة مكة من عبد الله بن الزبير يسيرا واستمر مقيما بها، وكان شهد قبل ذلك مع علي مشاهده، وقال بن حبان :كان الشعبي كاتبه لما كان أمير الكوفة، قال البغوي :سكن الكوفة وابتنى بها دارا، ومات في زمن بن الزبير.
(7) اشرنا الى طرف من هذا الانقلاب في كتابنا المدخل الى دراسة مصادر السيرة والتاريخ/ الباب الثالث /الفصل السادس: العوامل المؤثرة في التدوين التاريخي عند المسلمين /469-489.
![]() |
![]() |