الباب الأول : بحوث تمهيدية

4. خلاصة بالواقع التاريخي لسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن(عليهم السلام) في أداء وظيفتهم الالهية قبل حركة الحسين(عليهم السلام)

عهد النبوة الخاتمة:

قال تعالى: (هُوالَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الجمعة/2-5،

الأميون هم (قريش) ساكنو مكة ومن دانَ بدينهم من القبائل العربية في الحجاز، ودينهم هو دين ابراهيم، وقد حُرِّف على مراحل، كان أخطرها نصب الأصنام على الكعبة، وتحويل بيت ابراهيم الذي شُيِّد على التوحيد الى بيت عبادة للأصنام، وكان آخر مراحل التحريف لدين ابراهيم هو ما قامت به قريش بعد حادثة الفيل، من ابتداعها بدعة الحُمْس، وفصلها بين العمرة والحج، وفرضها على الناس ان يحجوا بثياب قريش ليُقبَل حجُّهم، وتسمَّوْا جميعا باسم (آل الله) بدلا من حصر ذلك في بيت عبد المطلب، الذي اجرى الله تعالى على يده آياته ليميزه بها عن بقية قريش.

والى جانب الامِّيين هؤلاء، حرَّف اليهود من اهل الكتاب، كتاب الله (التوراة) وادخلوا فيه الاساطير، وكذلك حرَّف المسيحيون (الانجيل)، واتخذ اهل الكتاب (احبارهم ورهبانهم) اربابا من دون الله.

وكذلك القبائل العربية في الحجاز، اتخذت (قريشا) اربابا من دون الله، حين كانوا يشرعون لهم من الدين ما فيه تحريف لشريعة ابراهيم ويقبلون ذلك منهم.

بعث الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) وانزل عليه القران كتاب هدى، ونسخ به كتب اهل الكتاب، كما هدم به الامامة الدينية لهم ولقريش.

وشاءت حكمة الله ان يجعل القرآن بحاجة الى شرح وتفصيل (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة/18-19، وشاءت حكمته تعالى ان يكون النبي(صلى الله عليه وآله) مصدر البيان (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِم) النحل/44، وبعبارة اخرى ان يؤخذ تفصيل القرآن وبيانه من سنة النبي (قوله وفعله وتقريره)، وبذلك صار الاسلام عبارة عن كتاب الله وسنة النبي(صلى الله عليه وآله).

بلَّغ النبي (صلى الله عليه وآله) (القرآن) و(بيانه) ، وقام المجتمع الاسلامي على اتباع كتاب الله وسنة النبي(صلى الله عليه وآله).

وكَتَبَ علي (عليه السلام) بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) كلَّ السنة النبوية المطهرة من خلال لقاءات خاصة بينهما، وجعلها في صُحُف، لتكون تراثا الهيا للائمة الاثني عشر (عليهم السلام)، نظير تراث آل هارون المذكور في القرآن (1)، وبذلك صار علي (عليه السلام)والطاهرون من ذريته (عليهم السلام) المدخلَ الامين والوحيد الى سنة النبي(صلى الله عليه وآله) الكاملة، والعِدلَ الوحيد للقرآن لتحقيق الهداية التفصيلية التي جاء بها النبي(صلى الله عليه وآله)، وقد اشار النبي(صلى الله عليه وآله)الى ذلك بقوله: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعترتي اهل بيتي)، وقوله(صلى الله عليه وآله) (انا مدينة العلم وعلي بابها)، وقوله:(صلى الله عليه وآله) (يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)، وقوله:(صلى الله عليه وآله) (يا علي لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق)، وجعل النبي(صلى الله عليه وآله) ولاية أول اهل بيته علي(عليه السلام) هي ولايته الى اخر الدنيا حين قال:(من كنت مولاه فعلي مولاه).

وهكذا صار الدين عبارة عن الولاية لله تعالى وللرسول (صلى الله عليه وآله) ولعلي (عليه السلام) ثم الائمة من ولده(عليهم السلام)، وولاية الله عزوجل تعني اتباع كتابه، وولاية الرسول(صلى الله عليه وآله) تعني اتباع سنته والاقتداء به، وولاية علي(عليه السلام) والائمة من ولده(عليهم السلام) تعني اخذ سنة النبي(صلى الله عليه وآله) منهم والاقتداء بهم والاحتكام اليهم في زمانهم.

حاربت قريش المشركة بكل قواها دعوة النبي(عليه السلام)، وعاونها في ذلك يهود المدينة، واستغلت قريش حروب النبي(صلى الله عليه وآله) التي كانت دفاعا عن نفسه وعن اصحابه لتشويه صورته لدى القبائل العربية، على انه رجل أساء إلى البيت الحرام وقطع الطرق الآمنة وسفك الدماء، وانها تريد الأمن وخدمة البيت الحرام وخدمة الحجيج، ونجحت قريش في تحشيد عشرة الاف انسان لحرب النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة الاحزاب المعروفة بغزوة الخندق، وباءت جهودها بالفشل ورجعت تلك الاحلاف والاحزاب منهزمة.

ثم رأى النبي (صلى الله عليه وآله) بعد فشل قريش في الاحزاب، ان استمرار اسلوب الحرب معها ومع حلفائها لا ينفع، فعدَلَ عنه الى الصلح، وفاجأ قريشا في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة بقدومه (صلى الله عليه وآله)، ومعه الف وخمسائة من اصحابه، وقد ساقوا معهم الهدي ليعتمروا ويصالحوا قريشا، ولكن قريش اخذتها حمية الجاهلية، فأصرَّت على رفض دخوله مكة ذلك العام، وصالحته على الامان عشر سنين، وعلى ان يرجع تلك السنة ويعتمر العام القادم، وبذلك افتضحت قريش عند القبائل بكونها هي التي تصد عن البيت الحرام وليس النبي(صلى الله عليه وآله)، وانتشر الاسلام في قبائل الجزيرة العربية، وبلغ عدد المسلمين خلال سنتين ونصف عشرة الاف، ثم غدرت قريش بشروط الصلح، وفاجأها النبي (صلى الله عليه وآله) بجيش قوامه عشرة الاف مسلم ونصر الله تعالى نبيه ودخلت قريش الاسلام وهي راغمة.

عهد خلافة قريش المسلمة :

خططت قريش المسلمة للالتفاف على الاسلام واحتوائه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) تحت شعار (حسبنا كتاب الله) في حياة النبي(صلى الله عليه وآله) من اجل فصل الكتاب عن السنة، ونجحت في استلاب السلطة من صاحبها الشرعي الامام علي (عليه السلام)، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوقُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) آل عمران/144، وفرضت على المسلمين ان تكون الامامة الدينية والسياسية في رجالات قريش وليست في اهل البيت(عليهم السلام)، واعادت الامر جاهلية باسم الاسلام وقال رجالاتها في السقيفة (ان العرب لا ترضى ان يكون هذا الامر في غير قريش) ثم فرضت بيعة ابي بكر ثم عمر ثم عثمان بالقوة (2)، وكانت سياستهم هي ان تتداول بطون قريش وقبائلها الامامة الدينية والسياسية ويمنعونها بني هاشم (3).

رفع الخلفاء القرشيون الثلاثة شعار (حسبنا كتاب الله)، وانَّ العرب لا ترضى ان يكون هذا الامر في غير قريش، في قبال شعار النبي(صلى الله عليه وآله) (اني تارك فيكم كتاب الله وعترتي اهل بيتي)، واجتهد الخلفاء القرشيون الثلاثة بامور خالفوا فيها سنة النبي(صلى الله عليه وآله)، وكان من اكثر اجتهاداتهم ضررا على الاسلام والمسلمين منعهم نشر حديث النبي (صلى الله عليه وآله) وتفسير القرآن واحراقهم مدونات الصحابة في الحديث، وفسح المجال لعلماء اهل الكتاب الذين اسلموا من نشر اساطيرهم بين المسلمين باسم الاسلام، وكان من ابرز مخالفاتهم لسنة النبي(صلى الله عليه وآله) بعد نكثهم وصيته(صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) هوتحريمهم متعة الحج، وفي ضوء هذه الاجتهادات الخاطئة فتحت البلاد شرقا وغربا وتعلم اهل البلاد المفتوحة الاسلام على انه ولاء لله وللخليفة من قريش، وان الدين هوكتاب الله وما شرعه الخليفة القرشي، ومن هنا عَرَضَ عبد الرحمن بن عوف على علي (عليه السلام) ان يبايعه على كتاب الله والعمل بسيرة الشيخين، ورفض علي (عليه السلام) ذلك قائلا: ان سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) لا تحتاج الى اجّيري (4) احد، وبويع عثمان على ذلك (5). وهكذا عاش الناس خمسا وعشرين سنة بعد النبي(صلى الله عليه وآله) في جاهلية وضلالة مقنَّعة باسم الاسلام.

خالف عثمان سيرة الشيخين في قضية الولايات، حيث آثر اقاربه بها، فقد بدأ عهده باستقدام عمه الحكم والد مروان، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد نفاه الى الطائف، ثم جعل مروان بن الحكم (6) كاتبه الخاص بعد ان زوجه ابنته، ثم عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة سنة 25 هجرية وعيَّن أخاه لأمه الوليد بن عقبة الفاسق بنص القرآن، وفي سنة 26 هجرية جمع الشام كلها لمعاوية، وفي سنة 27 هجرية جمع مصر كلها لأخيه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) قد أهدر دمه في فتح مكة وأجاره عثمان، وفيها أيضا عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة وولى مكانه عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس وهوابن أربع وعشرين سنة وضم اليه ولاية فارس. وبسبب ذلك شاع التذمر في قريش وصار المتذمرون وهم عبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وعمروبن العاص وعائشة حزبا، وعثمان ومعه بنو أبيه بنوأمية حزبا، وتعاظم الخلاف بين الحزبين القرشيين سنة 28 هجرية حين اعلن عبد الرحمن بن عوف المرشح الاكيد لخلافة عثمان قطيعته لعثمان، وبدأ الخصوم يذكرون من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) واحاديثه ما يضعِّفون به جانب عثمان وبني أمية، وبذلك انكسرت سياسة منع الحديث وضعفت سيطرة السلطة.

حركة علي (عليه السلام) لإحياء السنة النبوية :

في مثل هذا الظرف السياسي قرَّر علي (عليه السلام) البدء بحركته الاحيائية لسنة النبي(صلى الله عليه وآله) في المجتمع، وأعلن عن عزمه الحج تلك السنة، ولبى بحج التمتع الذي امر به النبي وحرَّمته الخلافة القرشية (7)، وأوعز الى اصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) الذين على رأيه وهم ابوذر وعمار ومقداد ونظراؤهم ان يبدءوا نشر الحديث النبوي ويعرِّفوا الناس بمفتاح العلم والهداية بعد النبي وهم اهل بيته.

انتهى الانشقاق الداخلي لقريش بنجاح طرف عائشة وطلحة في التحريض على عثمان، ثم نجاحهم في قتل عثمان، وكانوا يترقبون ان يتجه الناس الى طلحة ليبايعوه، غير انهم فوجئوا ان الناس اتجهوا الى علي يقودهم عمار وابوالهيثم بن التيِّهان وابي سعيد الخُدري وغيرهم من الصحابة الانصار، ومعهم مالك الاشتر ونظراؤه من التابعين، واصروا على علي (عليه السلام)ان يبايعوه.

وقام علي (عليه السلام) بواجبه كوصي للنبي (صلى الله عليه وآله)، وإمام هدى بامر الله تعالى، وشاهد الهي على الناس، مسؤول عن حفظ الرسالة ونشرها في المجتمع خير قيام، حين نهض بالامر بعد قتل عثمان وبيعة الامة له، فأكمل عمله الذي بدأه في اخريات عهد عثمان، اكمل نشر سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وإحياء العمل بها، ولِحثَّ على تدوينها، ولمنع من التحديث بالاساطير الإسرائيلية، وتثقف الناس ثقافة اسلامية صحيحة، ولم تطب قريش بذلك نفسا فنكثت بيعة علي، وعملت على تفريق الامة وتصدى لذلك وجوه قريش آنذاك، وهم عائشة وطلحة والزبير ومعاوية، وحاربوه في البصرة في الحرب المعروفة بحرب لجمل، ولما انكسروا فيها التفوا حول معاوية في الشام وحاربه في صفين، ثم وقعت الفتنة في جيش علي (عليه السلام) وتجمهر الاوفياء لسنن عمر في العبادة وغيرها (8) فحاربوه في النهروان.

استطاع معاوية ان يطوق نهضة علي(عليه السلام)، وحصرت عملية احياء سنة النبي(صلى الله عليه وآله) ونشرها بين اهل البلاد المفتوحة في الجانب الشرقي من البلاد الاسلامية وصارت الكوفة مركز تلك النهضة الاحيائية لسنة النبي(صلى الله عليه وآله) والعمل بها،

اما الجانب الغربي من البلاد الاسلامية فقد بقيت منغلقة على هذه النهضة، وتبنت الشام محاربة علي والكيد له، ومحاربة الاحاديث النبوية الصحيحة، وشوََّه معاوية عن طريق الاخبار الكاذبة صورة علي لدى الشاميين، وصوَّره لهم شخصا مجرما بحق الاسلام، وان دم عثمان بعهدته، وسوَّغ لهم لعنه ومحاربته، نظير ما فعلت قريش المشركة مع النبي (صلى الله عليه وآله) لما هاجر الى المدينة. وصار يشن الغارات على اطراف بلاد علي (عليه السلام) لسلب الاموال وارعاب الناس ليطوق تجربة علي (عليه السلام) الاحيائية للسنة النبوية، ويحدها من الانتشار، واستشهد علي وهويعبئ الناس لخوض معركة جديدة مع معاوية.

صلح الحسن (عليه السلام) لحفظ وحدة القبلة وتثقيف اهل الشام بالسنة:

بايع اهل العراق الحسن (عليه السلام) تبعا للنصوص النبوية الواردة في حق أهل البيت (عليهم السلام) التي تعينهم ائمة هدى وحجج الهيين بعد النبي (صلى الله عليه وآله) التي أحيى نشرها علي (عليه السلام)، (وكانت حكومته مشروعة لان بيعة الامة وقعت في محلها الشرعي، وبايع اهل الشام معاوية ولم تكن بيعة مشروعة لانها.)

انقسمت الامة بذلك الى كيانين سياسيين احدهما: كيان سياسي عراقي يرأسه الحسن(عليه السلام) الموصول بكتاب الله وسنة نبيه وهوعازم على مواصلة مسيرة ابيه في احياء السنة النبوية والعمل بها ونشرها بين المسلمين،

وثانيهما: كيان سياسي شامي يرأسه معاوية الموصول بسيرة ابي بكر وعمر وعثمان وهوعازم على احيائها من جديد.

عرض معاوية الصلح على الحسن (عليه السلام) لحقن الدماء، وان يبقى كل طرف على البلاد التي بايعته واقتنعت به،

وكان الحسن(عليه السلام) امام هذا العرض بين احراجين:

فهوان رفض اطروحة الصلح يكون قد سجل على نفسه امام الشاميين مخالفة لقوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُواللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ... وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) الأنفال/60-61، ويكون بذلك قد امدَّهم بمبرر قوي لحربه،

وهوإن اقرَّ اطروحة معاوية في الصلح يكون قد كرَّس جهلَ اهل الشام بالاحاديث النبوية في حق علي (عليه السلام) وجهلهم بسيرته التي هي سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مضافا الى ذلك فان اطروحة معاوية في الصلح تستبطن اجراءا سوف يتخذه معاوية مستقبلا يقضي بمنع اهل الشام من الذهاب الى مكة، حتى لا يختلطوا بالعراقيين ويتعلموا منهم احاديث النبي في حق علي (عليه السلام)، ولا يتعرفوا على سيرته المشرقة، وهذه الخطوة سوف تجر الى تبني القبلة الاولى (بيت القدس) في قبال مكة، وحذف آيات نسخها من القرآن، وبذلك تعدد القبلة ويتعدد الكتاب، وكذلك تجر الى امور اخرى (9)،

ومن هنا قدم الحسن (عليه السلام) اطروحة جديدة للصلح، تستند الى اطروحة جده النبي(صلى الله عليه وآله) في صلحه مع قريش، مع تطوير يناسب المقام ويحقق الاهداف كاملة، وتمثلت هذه الاطروحة الحسنية بان يسلم الامر كله لمعاوية لقاء شروط يصوغها الحسن (عليه السلام)، وفوجئ معاوية بهذه الاطروحة وطار لها فرحا، لم يكن يصدِّق ذلك.

ارسل معاوية للحسن (عليه السلام) صحيفة بيضاء موقعة من طرفه يكتب شروطه عليها،

وكان من هذه الشروط: ان يكون الامر للحسن(عليه السلام) بعد معاوية،

ومنها: ان يترك لعن علي (عليه السلام)،

ومنها: ان يسير معاوية بالكتاب والسنة،

ومنها: امان كل شيعة علي.

وغير ذلك،

وحاول معاوية ان يستثني عشرة من شيعة علي من الأمان، ولكن الحسن(عليه السلام) رفض ذلك، واستجاب معاوية اخيرا للشروط، واتضح لاهل الشام جليا ان معاوية كان يقاتل على الملك، وليس من اجل دم عثمان، بدليل انه لما عرض عليه الملك بشرط امان الناس كلهم بما فيهم من هومتهم من قبل الاعلام الاموي في دم عثمان رضيَ به بل طار له فرحا (10).

عاشت الامة عشر سنوات من الصلح سنوات امان تام، وتحرَّك اصحاب علي (عليه السلام) من العراقيين ينشرون سنة النبي (صلى الله عليه وآله) واختلطوا باهل الشام في موسم الحج والعمرة، ومن خلال الوفود الى الشام نفسها،

وانتشرت احاديث النبي(صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام)، وعرف الشاميون موقعه في الاسلام، وعرفوا سيرته المشرقة المتطابقة مع سيرة النبي (صلى الله عليه وآله)، واحب الناس جميعا الحسن(عليه السلام) لما حقق لهم من الامان ولما رأوا من اخلاقه وعبادته وعلمه من خلال موسم الحج الذي احياه بالحج ماشيا عشر سنوات بعد الصلح (11)ومن خلال سفراته الى الشام، وادرك الناس بعمق كلمة النبي (صلى الله عليه وآله) في حق الحسن(عليه السلام) حين قال: ان ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (12)

ضلالة بني أمية:

لم يرُق لمعاوية ان يموت ويترك الامور ممهَّدة للحسن بن علي (عليهما السلام)، الذي برَّزته الاحداث اعظم مصلح في الامة، ثم يستمر الامر من بعده للحسين بن علي (عليهما السلام) والائمة من ذريته (عليهم السلام) شهداء على الناس وائمة هدى يقودون الناس الى الله تعالى، وخطط معاوية ليستولي على الامور، وليكون هوونسله اولى بالنبي(صلى الله عليه وآله) وبدين ابراهيم، وان يعرضوا انفسهم على الناس انهم ائمة الهدى، وخلفاء الله وشفعاؤه في خلقه، وان يعرض عليا(عليه السلام) واهل بيته (عليهم السلام) ملحدين في الدين استوجبوا اللعنة والبراءة على لسان النبي(صلى الله عليه وآله). وبذلك يثأر لأسلافه الذين قُتِلوا في معركة بدر على الشرك، ويحقق ما لم يخطر على بال امه هند من صور الانتقام.

كانت العقبة الكؤود امام هذا المخطط الرهيب هووجود الحسن (عليه السلام)، ومحبة الناس له، والكوفة قلعة الولاء لعلي (عليه السلام)، والاحاديث النبوية الصحيحة في حق علي واهل بيته(عليهم السلام)، وتاريخ بني أمية في حرب النبي(صلى الله عليه وآله) ومخالفات الخلفاء السابقين لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) التي انتشرت اخبارها بين المسلمين جميعا.

كانت ركائز خطة معاوية هي:

اغتيال الحسن (عليه السلام)بالسم.

المنع من رواية فضائل علي واهل بيته(عليهم السلام).

وضع احاديث تطعن بعلي (عليه السلام) وتشوه سيرته وتسوغ لعنه والبراءة منه.

وضع احاديث في فضائل معاوية والخلفاء السابقين توجب الولاء لهم والتقرب بهم الى الله تعالى والطاعة المطلقة لهم.

قتل وجوه اصحاب علي باعتبارهم سيقفون معارضين لتلك السياسة، وتفريغ الكوفة من شيعة علي باشغالهم بالفتوح، وتحويل الكوفة الى بلد مطيع لبني أمية. وجدَّ معاوية وصرف كل قدراته في تنفيذ تلك الخطوات.

شهد الحسين (عليه السلام) نقض معاوية لشروط الحسن (عليه السلام) بعد وفاته، وحركته التحريفية التي استهدفت (تفريغ) الاسلام من محتواه المحمدي الاصيل، الذي يقوم على الولاء لله ولرسوله ولعلي والائمة (عليهم السلام) من ولده بصفتهم اولى بالنبي(صلى الله عليه وآله) وبدين ابراهيم، و(استبداله) بمحتوى اموي يقوم على البراءة من علي (عليه السلام)، ولعنه بصفته ملحدا في الدين، ثم الولاء لبني أمية بصفتهم اولى بالنبي(صلى الله عليه وآله) وبدين إبراهيم(عليه السلام)، وانهم ائمة هدى وانهم خلفاء الله وشفعاؤه في خلقه.

جدَّد وجوه الكوفيين العهد مع الحسين (عليه السلام) بعد وفاة الحسن(عليه السلام)، وعرضوا عليه النهوض في وجه معاوية لنقضه الشروط، اجابهم الحسين(عليه السلام) ان رأيه ان يكونوا احلاس بيوتهم ريثما يموت معاوية (13)، وطلب منهم العمل سرا على مواصلة نشر الحديث النبوي الصحيح، وتكررت لقاءاتهم مع الحسين(عليه السلام) لاخذ التوجيه منه وكان اخر لقاء له معهم هو قبل موت معاوية بسنة، حيث جمعهم في مؤتمر سري تدارس فيه معهم الخطة بعد موت معاوية.

عيَّن معاوية ولده يزيد خليفة من بعده، واخذ البيعة له من الناس وحاول اخذ البيعة له من وجوه كان يخشى ان لا تبايعه بعده منها الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الزبير وغيرهما ولم ينجح معهم.

المعركة حول الهداية:

يتضح من ذلك انَّ المعركة الاساسية بين الحسين (عليه السلام) وبين يزيد لم تكن معركة حول السلطة بل كانت حول الهداية، نظير المعركة بين النبي (صلى الله عليه وآله)وقريش لما بعث في مكة، حيث كانت قريش بعد وفاة عبد المطلب /بعد ان ميَّزه الله تعالى بقصة الفيل وابرزه اولى بابراهيم ودينه/قد عرضت نفسها على انها اولى الناس بمقام ابراهيم وبدينه، ومن ثم يتعين على الناس اخذ احكام الحج من قريش، وخضعت الناس لقريش في ذلك حتى بعث الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) وميز بني هاشم على غيرهم مرة اخرى.

وهي ايضا نظير المعركة بين موسى وفرعون في مصر، معركة حول التوحيد وليست حول السلطة، فقد عرض فرعون نفسه على انه خليفة الله وشفيعه والهادي الى دينه ورضاه في قبال آل يعقوب، واستضعف ذرية يعقوب لاجل عدم خضوعهم له في ذلك، وبعث الله تعالى موسى ليميز آل يعقوب من جديد ولينقذهم من العذاب المهين يفتح الطريق لامامتهم الهادية.

وكذلك المعركة الاساسية بين علي (عليه السلام) والخلفاء القرشيين الثلاثة فقد كانت حول الهداية وليس حول السلطة، علي يرفض بيعة ابي بكر ولووجد اربعين ذوي عزم لجاهد وكذلك ليس لاجل الملك بل لاجل حفظ رسالة النبي(صلى الله عليه وآله) من ان تعبث بها قريش المسلمة قريش التي جعلت من سيرة ابي بكر وعمر في عداد كتاب الله وسيرة النبي(صلى الله عليه وآله)، وقد رفض علي ان يبايع ويصبح حاكما على اساس ذلك، ولما وجد الانصار نهض وقاتل كما فعل النبي(صلى الله عليه وآله). وانتشرت سنة النبي(صلى الله عليه وآله) من جديد في الجيل الذي حرم منها ولولا علي (عليه السلام) لم تنتشر.

وكذلك المعركة بين معاوية والحسن (عليه السلام) لم تكن حول السلطة، بمعنى ان الحسن (عليه السلام) لم يصالح معاوية من اجل ان يرجع اليه الملك، وان كان هذا الملك من حقه، ولكنه صالح حتى يعالج انشقاق معاوية الذي كان يستبطن تحريف الدين، إذ لولا الصلح لتعددت القبلة وتعدد الكتاب.

وكذلك الامر بين الحسين (عليه السلام) ومعاوية ويزيد، لم يكن رفض البيعة من الحسين(عليه السلام) ثم اخذ البيعة من اهل الكوفة لاجل الملك، كما فعل ابن الزبير حين رفض بيعة يزيد واخذ البيعة من اهل مكة لاجل الملك بل رفض الحسين (عليه السلام) البيعة ليزيد وقال (لولم يكن لي ملجأ لما بايعت يزيد) لان البيعة ليزيد تعني السكوت عن اخطر عملية تحريف للسنة النبوية،(حيث تجعل من عليٍّ (عليه السلام) رمزا للالحاد في الاسلام والانحراف عنه ويكون لعنه من افضل القربات عند الله)، (ويجعل من الخليفة الاموي رمزا للهداية وتكون طاعته من افضل الطاعات)، وبقي الحسين (عليه السلام) على موقفه حتى حين حوصر وفُصِل بينه وبين انصاره، وهذا النوع من الانحراف لم يكن حتى زمن الخلفاء الثلاثة.

وفيما يلي تفصيل جهود معاوية في تحريف سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وجهود الحسين (عليه السلام) لانقاذها. والتأييد الالهي الذي حظيت به حركة الحسين.

______________________________________

(1) ‏ قال تعالى: ?أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا... إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ? البقرة/246-248.

(2) ‏ روى البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب وهويتحدث عن مجريات الامور في السقيفة قال: فكثر اللغط وارتفعت الاصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الانصار. ونَزَوْنا على سعد بن عبادة. فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت قتل الله سعد بن عبادة. وروى الطبري في تاريخه 4/224عن عمر بن شبة بسنده عن عمر بن ميمون: قال عمر لابي طلحة الانصاري اختر خمسين رجلا من الانصار، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم، فان اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه، وان اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فان رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم، فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع عليه الناس (وفي طبقات بن سعد بسنده عن سماك ان عمر قال: للانصار ادخلوهم بيتا ثلاثة ايام فان استقاموا والاّ فأدخلوا عليهم فاضربوا اعناقهم(ج3: 342)، وفي انساب الاشراف للبلاذري 4: 503 قال عمر: ليتبع الاقل الاكثر، فمن خالفكم فاضربوا عنقه، ومثله في كنز العمال 12: 681). وقال عبد الرحمن لعلي: بايع وإلاّ ضربت عنقك، انساب الاشراف ج4: 508. واللفظ في صحيح البخاري ج9: 98(فلا تجعل على نفسك سبيلا).

(3) ‏ قال الطبري حدَّثني ابن حميد قال: حدَّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق. عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال: بينما عمر بن الخطاب وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر، فقال بعضهم: فلان أشعر، وقال بعضهم: بل فلان أشعر قال: فأقبلت، فقال عمر: قد جاءكم أعلم الناس بها، فقال عمر: من شاعر الشعراء يا بن عباس؟ قال: فقلت: زهير بن أبي سلمى فقال عمر: هلم من شعره ما نستدل به على ما ذكرت، فقلت: أمتدح قوما من بني عبد الله بن غطفان، فقال:
لوكان يقعد فوق الشمس من كرم *** قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسِبُهم *** طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا ، جن إذا فزعوا *** مرزَّءون بها ليل إذا حشدوا
محسدون على ما كان من نعم *** لا ينـزع الله منهم ماله حُسِدوا

فقال عمر: أحسن، وما أعلم أحدا أولى بهذا الشعر من هذا الحي من بني هاشم لفضل رسول الله وقرابتهم منه، فقلت: وفقت يا أمير المؤمنين، ولم تزل موفقا. فقال: يا ابن عباس أ تدري ما منع قومكم منهم بعد محمد، فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني. فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت. (الطبري في ج4/222-224).

(4) ‏ الاجيري بالكسر والتشديد العادة. انظر تاج العروس مادة (اجر).

(5) ‏ قال اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 162: وكان عبد الرحمن بن عوف الزهري، لما توفي عمر، واجتمعوا للشورى، سألهم أن يخرج نفسه منها على أن يختار منهم رجلا، ففعلوا ذلك، فأقام ثلاثة أيام، وخلا بعلي بن أبي طالب، فقال: لنا الله عليك، إن وليت هذا الامر، أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال: أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت. فخلا بعثمان فقال له: لنا الله عليك، إن وليت هذا الامر، أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال: لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر، ثم خلا بعلي فقال له مثل مقالته الاولى، فأجابه مثل الجواب الاول، ثم خلا بعثمان فقال له مثل المقالة الاولى، فأجابه مثل ما كان أجابه، ثم خلا بعلي فقال له مثل المقالة الاولى، فقال: إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى إجّيرى أحد. أنت مجتهد أن تزوي هذا الامر عني. فخلا بعثمان فأعاد عليه القول، فأجابه بذلك الجواب، وصفق على يده.

(6) ‏ قال ابن حجر: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وهوابن عم عثمان وكاتبه في خلافته، يقال ولد بعد الهجرة بسنتين، وقيل: بأربع، وقال ابن شاهين: مات النبي صلى الله عليه وسلم وهوابن ثمان سنين، فيكون مولده بعد الهجرة بسنتين. وكان مع أبيه بالطائف إلى أن اذن عثمان للحكم في الرجوع إلى المدينة فرجع مع أبيه، ثم كان من أسباب قتل عثمان، ثم شهد الجمل مع عائشة، ثم صفين مع معاوية، ثم ولي إمرة المدينة لمعاوية، ثم لم يزل بها إلى أن أخرجهم ابن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية، فكان ذلك من أسباب وقعة الحرة، وبقي بالشام إلى أن مات معاوية بن يزيد بن معاوية فبايعه بعض أهل الشام في قصة طويلة ثم كانت الوقعة بينه وبين الضحاك بن قيس، وكان أميرا لابن الزبير، فانتصر مروان وقتل الضحاك واستوثق له ملك الشام، ثم توجه إلى مصر، فاستولى عليها، ثم بغته الموت، فعهد إلى ولده عبد الملك. وفي التعديل والتجريح للحافظ الباجي ج2 ص 804 قال: عمروبن علي: بويع مروان بن الحكم وهوبن إحدى وستين سنة، في النصف من ذي القعدة سنة أربع وستين، فعاش خليفة تسعة أشهر وثماني عشرة ليلة، ومات لثلاث خلون من رمضان سنة خمس وستين.

(7) ‏ روى مالك في الموطأ: « ان المقداد بن الاسود دخل على علي (عليه السلام) بالسُقْيا وهويُنجِع بَكرات له دقيقا وخبطا، فقال: هذا عثمان بن عفان ينهى ان يقرن بين الحج والعمرة، فخرج علي (عليه السلام) وعلى يديه اثر الدقيق والخبط، فما أنسى اثر الدقيق والخبط على ذراعيه، حتى دخل على عثمان، فقال: أنت تنهى عن ان يُقْرَنَ بين الحج والعمرة؟ ! فقال عثمان: ذلك رأيي، فخرج عليٌّ (عليه السلام) مغضبا وهويقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا ». وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند احمد واللفظ للاول عن سعيد بن المسيب قال: « حج علي وعثمان، فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع، فقال علي: إذا رأيته ارتحل فارتحلوا فلبى علي وأصحابه بالعمرة... ». قال الامام السندي بهامشه: « قال (إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا) أي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة ليعلم أنكم قدمتم السنة على قوله، وانه لا طاعة له في مقابل السنة ». وفي صحيح البخاري وسنن النسائي وسنن الدارمي وسنن البيهقي ومسند احمد ومسند الطيالسي وغيرها عن علي بن الحسين (عليهما السلام) عن مروان بن الحكم قال: « شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة معا قال: ما كنت لادع سنة النبي(صلى الله عليه وآله) لقول أحد ». وفي لفظ النسائي: « فقال عثمان: أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ فقال علي: لم اكن لادع سنة رسول الله لاحد من الناس ». انظر تفصيل المصادر في كتابنا شبهات وردود ط4/214-224بحث متعة الحج.

(8) ‏ افتتن قسم من المسلمين الذين في جيش علي (عليه السلام) بعد ان رفع معاوية واصحابه القرآن داعين الى الاحتكام اليه، وانطلت عليهم حيلة معاوية وعمروبن العاص، وهذا القسم كان قد تعوَّد على السنن التي اجراها عمر وخالف فيها الرسول، ولم يستجيبوا للتصحيح الذي قاده علي (عليه السلام) في احياء السنة النبوية، وقد روى لنا الكليني في الكافي ج8/59 قطعة من كلام علي يتحدث عن هؤلاء: (قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، ولوحملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أوقليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أرأيتم لوأمرت بمقام إبراهيم (عليه السلام) فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة (عليها السلام) ورددت صاع رسول (صلى الله عليه وآله) كما كان...، ورددت دار جعفر إلى ورثته، وهدمتها من المسجد، ورددت قضايا من الجور قضي بها، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والارحام،... ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الاغنياء... وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه، ورددت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الابواب، وفتحت ما سد منه، وحرمت المسح على الخفين، وحددت على النبيذ، وأمرت باحلال المتعتين (وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس، تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم...، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها،... إذا لتفرقوا عني، والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الاسلام غيرت سنة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذه الامة...). اقول: كلامه (عليه السلام) في اواسط خلافته قبل قصة النهروان.

(9) ‏ من قبيل الاقتتال فيما بينهم، ثم طمع الروم فيهم وزوال الدولة الاسلامية مبكرا.

(10) ‏ روى... ان معاوية حج سنة 44 ولما دخل المدينة وزار بيت عثمان استقبلته عائشة بنت عثمان صائحة واعثماناه...

(11) ‏ يذكر المترجمون للحسن (عليه السلام) انه حج خمسا وعشرين حجا ماشيا علي قدميه، فتكون هذه في السنوات الماضية من حياته(عليه السلام).

(12) ‏ اوردتها كتب الصحاح والمسانيد.

(13) ‏ روى اليعقوبي في تاريخه قال: ولما توفي الحسن وبلغ الشيعة ذلك، اجتمعوا بالكوفة في دار سليمان بن صرد، وفيهم بنوجعدة بن هبيرة، فكتبوا إلى الحسين بن علي يعزونه على مصابه بالحسن: (بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين، سلام عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد بلغنا وفاة الحسن بن علي... ما أعظم ما أصيب به هذه الامة عامة، وأنت وهذه الشيعة خاصة بهلاك ابن الوصي وابن بنت النبي، علم الهدى، ونور البلاد المرجو لاقامة الدين، وإعادة سير الصالحين، فاصبر رحمك الله... فإن فيك خلفا ممن كان قبلك، وإن الله يؤتي رشده من يهدى بهديك، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، السائرة بسيرتك، المنتظرة لامرك، شرح الله صدرك، ورفع ذكرك، وأعظم أجرك، وغفر ذنبك، ورد عليك حقك).

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري