الباب الخامس : خلاصة وخاتمة

الحسين (عليه السلام) عُدَّة إلهية لتحقيق التغير المطلوب

كان الانقلاب الفكري الذي قام به معاوية والوضع الاجتماعي والفكري الذي انتجه خطيرا جدا، فهو يشبه الى حد كبير الوضع الذي صنعه فرعون مع بني اسرائيل والمجتمع المصري ودين الله الذي جاء به يوسف من قبل، الوضع الذي اقتضت الحكمة الالهية معه ان يبعث موسى لينقذ بني اسرائيل ويجدد دين يوسف ويقيم الحجة على المجتمع المصري ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة. وكذلك الحال مع الوضع الذي صنعه معاوية مع أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) والمجتمع الاسلامي عامة وشيعة علي خاصة، ولما كانت النبوة قد ختمت بمحمد (صلى الله عليه وآله) اقتضت الحكمة الالهية ان يقوم اوصياؤه (وهم ليسوا بأنبياء)بما كان يقوم به اوصياء الانبياء الذين كانوا في الغالب أنبياء أيضا.

اقتضت الحكمة الالهية ان يعرِّف النبي باوصيائه من بعده ويعرِّف أيضا بأبرز ما يقومون به ويحدد الموقف منه لتعرف الامة كيف تنظر الى فعل هذا الوصي وكيف تتعامل معه، ومن ذلك امر النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): ان يقاتل الناكثين والقاسطين والمفسدين من بعده، وقوله للزبير ستقاتل عليا وانت له ظالم (1)، وقوله لعائشة: تنبحها كلاب الحوأب (2) وقوله في الحسن(عليه السلام): ان ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (3) وكذلك ومما لا شك فيه ان هذه الاقوال من النبي تفتح القلوب لفعل الوصي الذي يجيئ في ظرف فتنة واختلاف وتشوش في الرؤية عند غالبية المسلمين. ومن ذلك قوله في الحسين(عليه السلام) : انه يقتل مظلوما وقد استقبل ولادته بذرف الدموع الساخنة عليه. وليس من شك يأتي قول النبي هذا وبكاؤه تاييدا لموقف الحسين وتصويبا لموقفه الذي يتألف من ركنين هما :رفضه لبيعة يزيد وخروجه باهله الى العراق ثم يحاصر هناك ويعرض عليه البيعة اوالموت فيختار الموت على البيعة، في قبال من يحاول ان يضع اللوم على الحسين في عدم تقديره للظرف وتعريضه لنفسه ولاهل بيته لنكبة قل نظيرها في التاريخ (4).

______________________________________

(1) فتح الباري 13/51عن كتاب عمر بن شبة في أخبار البصرة: قال: أخرج ابن إسحاق من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عبدالسلام (ت145) رجل من حيه قال :خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (وأنت لاوي يدي) لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك؟قال :قد سمعت لا جرم لا أقاتلك.

(2) روى ابويعلى في مسنده 8/282حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا محمد بن فضيل عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال :مرت عائشة بماء لبني عامر يقال له : الحوأب، فنبحت عليه الكلاب، فقالت : ما هذا قالوا ماء لبني عامر، فقالت : ردوني !ردوني !سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كيف بإحداكن إذا نبحت عليها كلاب الحوأب؟!

(3) المعجم الكبير للطبراني ج3 ص34.

(4) يراجع امثال ابن العربي وصاحب كتاب اباطيل يجب ان تمحى من التاريخ، وايضاً الذهبي في المنتقى 74.

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري