المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الرابع : بحوث تطبيقية
الفصل الثالث : دراسة روايات سيف بن عمر في قتل عثمان
2 . قال الطبري ص 99 : كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعطية قالوا : كتب عثمان إلى أهل الامصار : أما بعد فاني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم ، وقدسلطت الامة منذ وليت على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يرفع علي شئ ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته ، وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم ، وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون ، وآخرون يضربون ، فيا من ضرب سرا وشتم سرا ، من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم ، فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي ، أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين .
فلما قرئ في الامصار ، بكى الناس ودعوا لعثمان ، وقالوا : إن الامة لتمخض بشر .
وبعث إلى عمال الامصار فقدموا عليه عبدالله بن عامر ، ومعاوية ، وعبدالله ابن سعدوادخل معهم في المشورة سعيدا وعمرا ، فقال : ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الاذاعة ؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب هذا إلا بي .
فقالوا له : ألم تبعث ؟ ألم نرجع إليك الخبر عن القوم ؟ ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيْ ؟ لا والله ما صدقوا ولابروا ولانعلم لهذا الامر أصلا ، ولا كنت لتأخذ به أحدا فيقيمك على شئ ، وما هي إلا إذاعة لا يحل الاخذ بها ولا الانتهاء إليها .
قال : فأشيروا علي .
فقال سعيد بن العاص : هذا أمر مصنوع يصنع في السر ، فليقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم ، قال : فما دواء ذلك ؟ قال : طلب هؤلاء القوم ، ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم .
وقال عبدالله بن سعد : خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فانه خير من أن تدعهم .
وقال معاوية : قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير ، والرجلان أعلم بناحيتيهما . قال : فما الرأي ؟ قال : حسن الادب .
قال : فما ترى يا عمرو ؟ قال : أرى أنك قد لنت لهم ، وتراخيت عنهم ، وزدتهم على ما كان يصنع عمر ، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين ، إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا ، واللين لمن يخلف الناس بالنصح ، وقد فرشتهما جميعا اللين .
وقام عثمان ، فحمدالله وأثنى عليه وقال : كل ما أشرتم به علي قد سمعت ، ولكل أمر باب يؤتى منه ، إن هذا الامر الذي يخاف على هذه الامة كائن ، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاناة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ، ذكره التي لايستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها ، فإن سده شئ فرفق فذاك ، والله ليفتحن وليست لاحد علي حجة حقوقد علم الله أني لم آل الناس خيرا ولا نفسي ، ووالله إن رحى الفتنة لدائرة ، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها ، كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم ، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها . فلما فر عثمان أشخص معاوية وعبدالله بن سعد إلى المدينة ، ورجع ابن عامر وسعيد معه . ولما استقل عثمان رجز الحادي :
قد علمت ضوامر المطي وضمرات عوج القسي
إن الامير بعده علي وفي الزبير خلف رضي
وطلحة الحامي لها ولي
فقال كعب (وهو يسير خلف عثمان) : الامير بعده صاحب البغلة ، وأشار إلى معاوية .
3 . (وأخرج ص 101 بالاسناد الشعيبي المذكور) كان معاوية قد قال لعثمان غداة ودَّعه وخرج : يا أميرالمؤمنين ! إنطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به فإن أهل الشام على الامر لم يزالوا ، فقال : أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وآله بشئ وإن كان فيه قطع خيط عنقي . قال : فأبعث إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك . قال : أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وآله الارزاق بجند مساكنهم وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة ، قال : والله يا أميرالمؤمنين ! لتغتالن ولتغزين . قال : حسبي الله ونعم الوكيل . وقال معاوية : يا ايسار الجزور ، وأين ايسار الجزور . الحديث بطوله .
4 . (وأخرج ص 103 بالاسناد الشعيبي) لما كان في شوال سنة 35 خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء ، المقل يقول : ستمائة ، والمكثر يقول : ألف . على الرفاق عبدالرحمن بن عديس البلوي . وكنانة بن بشر الليثي . وسودان بن حمران السكوني . وقتيرة بن فلان السكوني . وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي . ولم يجترؤا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب ، وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء . وخرج أهل الكوفة في أربع رفاق ، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي ، والاشتر النخعي ، وزياد بن النضرة الحارثيوعبدالله بن الاصم ، أحد بني عامر بن صعصعة ، وعددهم كعدد أهل مصر ، وعليهم جميعا عمرو بن الاصم ، وخرج أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي ، وذريح بن عباد العبدي ، وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي ، وابن المحرش ابن عبد عمرو الحنفي ، وعددهم كعدد أهل مصروأميرهم جميعا حرقوص ابن زهير السعدي سوى من تلاحق بهم من الناس ، فأما أهل مصر فانهم كانوا يشتهون عليا ، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة ، وأما أهل الكوفة كانوا يشتهون الزبير ، فخرجوا وهم على الخروج جميعوفي الناس شتى لا يشك كل فرقة إلا ان الفلج معها ، وأمرها سيتم دون الاخريين فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث ، تقدم ناس من أهل البصرة فنـزلوا ذا خشب ، وناس من أهل الكوفة فنـزلوا الاعوص
فدخل الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وآله وعليا وطلحة والزبير وقالا : إنما نأتم هذا البيت ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا ، ما جئنا إلا لذلك واستأذنا للناس بالدخول ، فكلهم أبى ونهى وقال : بيض ما يفرخن .
فرجعا إليهم فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا ، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحةومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير وقال كل فريق منهم : إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم ثم كررنا حتى نبغتهم .
فأتى المصريون عليا وهو في عسكر عند أحجار الزيت
وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى ، إلى جنب علي وقد أرسل إبنيه إلى عثمان فسلم البصريون عليه وعرضوا ، له فصاح بهم وأطردهم وقال : لقد علم المؤمنون ان جيش ذي المروة في ذي خشب والاعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله
وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى وقد سرح إبنه عبدالله إلى عثمان فسلموا عليه وعرضوا له ، فصاح بهم وأطردهم وقال : لقد علم المسلمون ان جيش ذي المروة وذي خشب ، والاعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله
فخرج القوم وأروهم انهم يرجعون فانفشوا عن ذي خشب والاعوص حتى انتهوا إلى عساكرهم وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكروا راجعين ، فافترق أهل المدينة لخروجهم ، فلما بلغ القوم عساكرهم كروا بهم ، فبغتوهم ، فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة ، فنـزلوا في مواضع عساكرهم ، وأحاطوا بعثمان وقالوا : من كف يده فهو آمن وصلى عثمان بالناس أياما ولزموا بيوتهم ولهم يمنعوا أحدا من كلام .
فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي ، فقال : ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم ؟ قالوا : أخذنا مع بريد كتابا بقتلنا ، وأتاهم طلحة فقال البصريون مثل ذلك ، وأتاهم الزبير فقال الكوفيون والبصريون : فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جميعاكأنما كانوا على ميعاد ، فقال لهم علي : كيف علمتم يا أهل الكوفة ! ويا أهل البصرة ! بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا ، هذا والله أمر أبرم بالمدينة ، قالوا : فضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا ، وهو في ذلك يصلي بهم وهم يصلون خلفه ويغشي من شاء عثمان وهم في عينه أدق من التراب ، وكانوا لا يمنعون أحدا من الكلام ، وكانوا زمرا بالمدينة يمنعون الناس من الاجتماع . إلخ .
قال الاميني رحمه الله : تعطي هذه الرواية ان الذي رد الكتائب المقبلة من مصر والبصرة والكوفة هو زعماء جيش أحجار الزيت أميرالمؤمنين علي وطلحة والزبير يوم صاحوا بهم وطردوهم ورووا رواية اللعن عن النبي صلى الله عليه وآله وفيهم البدريون وغيرهم من أصحاب محمد العدول ، فما تمكنت الكتائب من دخول المدينة وقد أسلفنا إصفاق المؤرخين على أنهم دخلوها وحاصروا الدار مع المدنيين أربعين يوما أو أكثر أو أقل حتى توسل عثمان بعلي أميرالمؤمنين عليه السلام ، فكان هو الوسيط بينه وبين القوم ، وجرى هنالك ما مر تفصيله من توبة عثمان على صهوة المنبر ، ومن كتاب عهده إلي البلاد على ذلك ، فانكفأت عنه الجماهير الثائرة بعد ضمان علي صلى الله عليه وآله ومحمد بن مسلمة بما عهد عثمان على نفسه ، لكنهم ارتجعوا إليه بعد ما وقفوا على نكوصه وكتابه المتضمن بقتل من شخص إليه من مصر ، فوقع الحصار الثاني المفضي إلى الاجهاز عليه ، وأنت إذا عطفت النظرة إلى ما سبق من أخبار الحصارين وأعمال طلحة والزبير فيهما وقبلهما وبعدهما نظرة ممعنة لا تكاد أن تستصح دفاعهما عنه في هذ الموقف ، وكان طلحة أشد الناس عليه ، حتى منع من ايصال الماء إليه ، ومن دفنه في مقابر المسلمين ، لكن رواة السوء المتسلسلة في هذه الاحاديث راقهم إخفاء مناوئة القوم لعثمان فاختلقوا له هذه وأمثالها .
5 . (وأخرج ص 126 بالاسناد الشعيبي) آخر خطبة خطبها عثمان في جماعة : إن الله عزوجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ، ولم يعطكموها لتركنوا إليها ، ان الدنيا تفنى والآخرة تبقى ، فلا تبطرنكم الفانية ، ولا تشغلنكم عن الباقية ، فآثروا ما بقي على ما يفنى ، فإن الدنيا منقطعة ، وإن المصير إلى الله ، اتقوا الله عزوجل فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده ، واحذروا من الله الغير ، وألزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا . قالوا : لما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته ، وعزم له المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله قال : أخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني ، وأرسل إلى طلحة والزبير وعلي وعدة أن ادنوا فاجتمعوا فأشرف عليهم ، فقال : ياأيها الناس ! اجلسوا فجلسواجميعا المحارب الطارئ والمسالم المقيم فقال : يا أهل المدينة ، إني استودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي ، إني والله لا أدخل على أحد يومي هذا حتي يقضي الله في قضاءه ، ولادعن هؤلاء وراء بابي غير معطيهم شيئا يتخذونه عليكم دخلا في دين الله أو دنيا حتى يكون الله عزوجل الصانع في ذلك ما أحب ، وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم ، فرجعوا إلا الحسن ومحمد وابن الزبير وأشباها لهم ، فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم ، وثاب إليهم ناس كثير ولزم عثمان الدار .
6 . (وروى ص 126 بالاسناد الشعيبي) قالوا : كان الحصر أربعين ليلة والنـزول سبعين ، فلما مضت من الاربعين ثماني عشرة قدم ركبان من الوجوه ، فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق حبيب من الشام ، ومعاوية من مصر ، والقعقاع من الكوفة ، ومجاشع من البصرة فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شئ حتى الماء ، وقد كان يدخل علي بالشئ مما يريد ، وطلبوا العلل فلم تطلع عليهم علة ، فعثروا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا : قوتلنا وذلك ليلا ، فناداهم : ألا تتقون الله ؟ ألا تعلمون أن في الدار غيري ؟ قالوا : لاو الله ما رميناك ، قال : فمن رمانا ؟ قالوا : الله ، قال : كذبتم إن الله عزوجل لورمانا لم يخطئنا وأنتم تخطؤننا .
وأشرف عثمان على آل حزم وهم جيرانه فسرح إبنا لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء ، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء فافعلوا ، وإلى طلحة والزبير وإلى عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وآله ، فكان أولهم إنجادا له علي وام حبيبة .
وجاء علي في الغلس ، فقال : يا أيها الناس ان الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين ، لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة ، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي ، وما تعرض لكم هذا الرجل ، فبم تستحلون حصره وقتله ؟
قالوا : لا والله ولا نعمة عين ، لا نتركه يأكل ولا يشرب .
فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت فيما أنهضتني . فرجع .
وجاءت أم حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملة على إداوة فقيل : أم المؤمنين أم حبيبة ، فضربوا وجه بغلتها ، فقالت : إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل ، فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك كيلا تهلك أموال أيتام وأرامل . قالوا : كاذبة وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف فندت بأم حبيبة ، فتلقاها الناس وقد مالت رحالتها ، فتعلقوا بها وأخذوها وقد كادت تقتل ، فذهبوا بها إلى بيتها .
وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة ، واستتبعت أخاها ، فأبى فقالت : أم والله لئن استطعت أن يحرمهم الله ما يحاولون لافعلن . وجاء حنظلة الكاتب حتى قام على محمد بن أبي بكر ، فقال : يا محمد ! تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها وتدعوك ذؤبان العرب إلى مالا يحل فتتبعهم ؟ فقال : ما أنت وذاك يا ابن التميمية ؟ فقال : يا ابن الخثعمية ! إن هذا الامرإن صار إلى التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف . وانصرف وهو يقول :
عجب لما يخوض الناس فيه يرومون الخلافة أن تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم ولاقوا بعدها ذلا ذليلا
وكانوا كاليهود أو النصارى سواء كلهم ضلوا السبيلا
ولحق بالكوفة وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظا على أهل مصر ، وجاءها مروان بن الحكم فقال : يا أم المؤمنين ! لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل . فقالت : أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة ، ثم لا أجد من يمنعني ، لا والله ولا اعيرو لا أدري إلى ما يسلم أمر هؤلاء ، وبلغ طلحة والزبير مالقي علي وأم حبيبة ، فلزموا بيوتهم ، وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الفضلات عليهم الرقباء ، فأشرف عثمان على الناس فقال : يا عبدالله بن عباس ! فدعى له فقال : إذهب فأنت على الموسم . وكان ممن لزم الباب فقال : والله يا أميرالمؤمنين لجهاد هؤلاء أحب إلي من الحج ، فأقسم عليه لينطلقن ، فانطلق ابن عباس على الموسم تلك السنة ، ورمى عثمان إلى الزبير بوصيته ، فانصرف بها ، وفي الزبير اختلاف ، أأدرك مقتله أو خرج قبله ؟ وقال عثمان : يا قوم ، لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح . الآية . أللهم حل بين الاحزاب وبين ما يأملون كما فعل بأشياعهم من قبل .
قال الاميني : هذه الرواية مفتعلة من شيعة عثمان المصطفين في إسنادها تجاه ما ثبت عن عائشة وطلحة والزبير وغيرهم من جهودهم المتواصلة في التضييق على الرجل ، وإسعار نار الحرب والاجهاز عليه بما أسلفناه في هذا الجزء لكن أكدى الظن ، وأخفق الامل ، ان هاتيك الروايات أخرجها الاثبات من حملة التاريخ ، وأصفق عليها المؤرخون وهذه تفرد بها هؤلاء الوضاعون ، ومن ذا الذي يعير سمعا لها بعد الاخبات إلى التاريخ الصحيح ؟ ومل اذنه هتاف عائشة : اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر . إلى كلمات أخرى لها مر مجملها في هذا الجزء ص 215 /أي التاسع /وفصلناها في ص 77-86 .
وإن تهالك طلحة دون التشديد عليه وقتله بكل ما تسنى له مما لا يجهله ملم بالحديث والتاريخ ، وكان يوم الدار مقنعا بثوب يرميها بالسهام ، وهو الذي منع منه الماء ، وهو الذي حمل الناس إلى سطح دار ابن حزام فتسوروا منها دارعثمان ، وهو الذي منعه من أن يدفن في مقابر المسلمين ، وهو الذي أقعد لمجهزيه في الطريق ناسا يرمونهم بالحجارة ، وهو الذي قتله مروان ، ثم قال لأبان بن عثمان : قد كفيتك بعض قتلة أبيك ، وهو الذي قال فيه وفي صاحبه مولانا أميرالمؤمنين صلى الله عليه وآله : كان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حدائهما العنيف .
ولو كان طلحة كما زعمه الوضاعون فما معنى هتاف عثمان : أللهم اكفني طلحة ابن عبيدالله فانه حمل علي هؤلاء وألبهم وقوله : ويلي على ابن الحضرمية يعني طلحة اعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا وهو يروم دمي يحرض على نفسي ، أللهم لا تمتعه به ولقه عواقب بغيه .
وإلى الآن يرن في الاسماع قول الزبير يومئذ : اقتلوه فقد بدل دينكم . وقوله : ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني ، إن عثمان لجيفة على الصراط غدا . وقوله لعثمان : إن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة يمنعون من ظلمك ويأخذونك بالحق . إلخ .
وإلى الآن في صفحات التاريخ قول سعد بن أبي وقاص : قتله سيف سلته عائشة وشحذه طلحة ، وسمه علي ، قيل : فما حال الزبير ؟ قال : أشار بيده وصمت بلسانه . إلى كلمات آخرين مرت في هذا الجزء ، ولو كان ابن عباس كما اختلق عليه هؤلاء فلماذا لم يكترث بكتاب عثمان واستغاثته به لما ألقى على الحجيج وهو أميرهم وهو على منصة الخطابة ، فمضى في خطبته من حيث انقطعت ، ولم يتعرض لذلك بشئ ، ولا اعتد بخطابه حتى جرى المقدور المحتم ؟ ولماذا كان يحاذر بطش معاوية به على عثمان لما أراد عليه السلام أن يرسله إلى الشام ؟ .
راجع مصادر هذه كلها فيما مر من صفحات هذا الجزء .
7 . (وأخرج ص 128 بالاسناد الشعيبي) قالوا : فلما بويع الناس جاء السابق فقدم بالسلامة أخبرهم من الموسم انهم يريدون جميعا المصريين وأشياعهم ، وانهم يريدون أن يجمعوا ذلك إلى حجهم ، فلما أتاهم ذلك مع ما بلغهم من نفور أهل الامصار أعلقهم الشيطان وقالوا : لا يخرجنا مما وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل ، فيشتغل بذلك الناس عنا ، ولم يبق خصلة يرجون بها النجاة إلا قتله ، فراموا الباب ، فمنعهم من ذلك الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان ابن الحكم وسعيد بن العاص ، ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم ، واجتلدوا فناداهم ابن الحكم وسعيد بن العاص ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم ، واجتلدوا ، فناداهم عثمان : الله الله أنتم في حل من نصرتي . فأبوا ففتح الباب وخرج ومعه الترس والسيف لينهنههم فلما رأوه أدبر البصريون وركبهم هؤلاء ونهنههم فتراجعوا وعظم على الفريقين وأقسم على الصحابة ليدخلن ، فأبوا أن ينصرفوا ، فدخلوا ، فأغلق الباب دون المصريين ، وقد كان المغيرة بن الاخنس بن شريق فيمن حج ثم تعجل في نفر حجوا معه ، فأدرك عثمان قبل أن يقتل وشهد المناوشة ، ودخل الدار فيمن دخل وجلس على الباب من داخل ، وقال : ما عذرنا عندالله إن تركناك ونحن نستطيع ألا ندعهم حتى نموت ؟ فاتخذ عثمان تلك الايام القرآن نحبا يصلي وعنده المصحف ، فإذا أعيا جلس فقرأ فيه ، وكانوا يرون القراءة في المصحف من العبادة ، وكان القوم الذين كفكفهم بينه وبين الباب ، فلما بقي المصريون لا يمنعهم أحد من الباب ولا يقدرون على الدخول جاؤا بنار فأحرقوا الباب والسقيفة ، فتأجج الباب والسقيفة حتى إذا احترق الخشب خرت السقيفة على الباب ، فثار على أهل الدار وعثمان يصلي حتى منعوهم الدخولوكان أول من برز لهم المغيرة بن الاخنس وهو يرتجز :
قد علمت جارية عطبول ذات وشاح ولها جديل
أني بنصل السيف خنشليل لامنعن منكم خليلي
بصارم ليس بذي فلول
وخرج الحسن بن علي وهو يقول :
لا دينهم ديني ولا أنا منهم حتى أسير إلى طمار شمام
وخرج محمد بن طلحة وهو يقول :
أنا ابن من حامى عليه باحد ورد أحزابا على رغم معد
وخرج سعيد بن العاص وهو يقول :
صبرنا غداة الدار والموت واقب بأسيافنا دون ابن أروى نضارب
وكنا غداة الروع في الدار نصرة نشافههم بالضرب والموت ثاقب
فكان آخر من خرج عبدالله بن الزبير ، أمره عثمان أن يصير إلى أبيه في وصية بما أراد وأمره أن يأتي أهل الدار فيأمرهم بالانصراف إلى منازلهم ، فخرج عبدالله بن الزبير آخرهم فما زال يدعي بها ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مات عليه .
8 . (وأخرج ص 129 بالاسناد الشعيبي) قالوا : وأحرقوا الباب وعثمان في الصلاةوقد افتتح "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" ، وكان سريع القراءة ، فما كرثه ما سمع وما يخطئ وما يتتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه ، ثم عاد فجلس إلى عند المصحف وقرأ : (الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا الله حسبنا ونعم الوكيل) وارتجز المغيرة بن الاخنس وهو دون الدار في أصحابه :
قد علمت ذات القرون الميل والحلي والانامل الطفول
لتصدقن بيعتي خليلي بصارم ذي رونق مصقول
لا أستقيل إن أقلت قيلي
وأقبل أبوهريرة والناس محجمون عن الدار إلا أولئك العصبة ، فدسروا فاستقبلوا ، فقام معهم وقال : أنا أسوتكم . وقال : هذا يوم طاب امضرب ، يعني انه من القتال وطاب وهذه لغة حمير ، ونادى : يا قوم ! مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ، وبادر مروان يومئذ ونادى : رجل رجل . فبرز له رجل من بني ليث يدعى النباع
أضربهم باليابس ضرب غلام بائس
من الحياة آيس
فأجابه صاحبه .. وقال الناس : قتل المغيرة بن الاخنس ، فقال الذي قتله : إنا لله ، فقال له عبد الرحمن بن عديس : مالك ، قال : إني أتيت فيما يرى النائم ، فقيل لي : بشر قاتل المغيرة بن الاخنس بالنار . فابتليت به ، وقتل قباث الكناني نيار بن عبدالله الاسلمي ، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملؤها ، ولا يشعر الذين بالباب ، واقبلت القبائل على أبنائهم فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم وندبوا رجلا لقتله ، فانتدب له رجل فدخل عليه البيت ، فقال : اخلعها وندعك . فقالو : يحك والله ما كشفت امرأة في جاهلية ولاإسلام ولا تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي مذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولست خالعا قميصا كسانيه الله عزوجل وأنا علي مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاء فخرج وقالوا : ما صنعت ؟ فقال : علقنا والله ، والله ما ينجينا من الناس إلا قتله وما يحل لنا قتله فادخلوا عليه رجلا من بني ليث ، فقال : ممن الرجل ؟ فقال : ليثي . فقال : لست بصاحبي قال : وكيف ؟ فقال : ألست الذي دعا لك النبي صلى الله عليه وآله في نفر أن تحفظوا يوم كذا وكذا ؟ قال : بلى . قال : فلن تضيع . فرجع وفارق القوم ، فأدخلوا عليه رجلا من قريش ، فقال : يا عثمان ! إني قاتلك . قال : كلا يافلان ! لا تقتلني . قال : وكيف ؟ قال : إن رسول الله استغفر لك يوم كذا وكذا فلن تقارف دما حراما ، فاستغفر ورجع وفارق أصحابه ، فأقبل عبدالله بن سلام حتى قام على باب الدار ينهاهم عن قتله ، وقال : يا قوم لا تسلوا سيف الله عليكم فوالله إن سللتموه لا تغمدوه ، ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة فإن قتلتموه لا يقيم إلا بالسيفويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله ، والله لئن قتلتموه لتتركنها ، فقالوا : يا ابن اليهودية ! وما أنت وهذا ؟ فرجع عنهم . قالوا : وكان آخر من دخل عليه ممن رجع إلى القوم محمد بن أبي أبكر ، فقال له عثمان : ويلك أعلى الله تغضب ؟ هل لي إليك جرم إلا حقه أخذته منك ؟ فنكل ورجع . قالوا : فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا إنكساره ثار قتيرة وسودان بن حمران السكونيان والغافقي ، فضربه الغافقي بحديدة معه وضرب المصحف برجله فاستدار المصحف فاستقر بين يديه وسالت عليه الدماء ، وجاء سودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه نائلة إبنة الفرافصة واتقت السيف بيدها ، فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت فغمز أوراكها ، وقال : إنها لكبيرة العجيزة وضرب عثمان فقتله ، ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه ، وقد كان عثمان أعتق من كف منهم ، فلما رأوا سودان قد ضربه أهوى له بعضهم ، فضرب عنقه فقتله ووثب قتيرة على الغلام فقتله ، وانتهبوا ما في البيت وأخرجوا من فيه ، مى خمكنتاغلا ، ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى ، فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فقتله ، ودار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء ، وأخذ رجل ملاءة نائلة والرجل يدعى كلثوم ابن تجيب ، فتنحت نائلة فقال : ويح أمك من عجيزة ما أنمكوبصربه غلام لعثمان فقتله وقتل ، وتنادى القوم أبصر رجل من صاحبه ، وتنادوا في الدار : أدركوا بيت المال لا تسبقوا إليه ، وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم وليس فيه إلا غرارتان
9 . وأخرج ص 131 بالاسناد الشعيبي قال المغيرة بن شعبة لعلي : إن هذا الرجل مقتول وإنه إن قتل وأنت بالمدينة إتخذوا فيك فاخرج فكن بمكان كذا وكذا ، فانك إن فعلت وكنت في غار باليمن طلبك الناس . فأبى وحصر عثمان إثنتي وعشرين يوما ، ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير ، فيهم عبدالله بن الزبير ومروان ، فقالوا : إئذن لنا ، فقال : إن رسول الله عهد إلىَّ عهدا فأنا صابر عليه ، وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه ، فأحرج على رجل يستقتل ويقاتل ، وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرأ منه والحسن عنده ، فقال : إن أباك الآن لفي أمر عظيم فأقسمت عليك لما خرجت . وأمر عثمان أباكرب رجلا من همدان وآخر من الانصار أن يقوما على باب بيت المال وليس فيه إلا غرارتان من ورق ، فلما اطفئت النار بعد ما ناوشهم ابن الزبير ومروان وتوعد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان ، فلما دخل على عثمان هربا ، ودخل محمد ابن أبي بكر على عثمان فأخذ بلحيته فقال : أرسل لحيتي فلم يكن أبوك ليتناولها ، فأرسلها ودخلوا عليه فمنهم من يجئه بنعل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص معه ، فوجأه في ترقوته ، فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله ، وكان كبيرا وغشي عليه ودخل آخرون ، فلما رأوه مغشيا عليه جروا برجله ، فصاحت نائلة وبناته ، وجاء التجيبي مخترطا سيفه ليضعه في بطنه ، فوقته نائلة فقطع يدها ، واتكأ بالسيف عليه في صدره ، وقتل عثمان قبل غروب الشمس ، ونادى مناد : ما يحل دمه ويحرج ماله ؟ فانتهبوا كل شئ ، ثم تبادروا بيت المال فألقى الرجلان المفاتيح ونجوا وقالوا : الهرب الهرب ، هذا ما طلب القوم .
10 . وأخرج ص 135 بالاسناد الشعيبي لما حدثت الاحداث بالمدينة خرج منها رجال إلى الامصار ، مجاهدين وليدنوا من العرب ، فمنهم من أتى البصرة ، ومنهم من أتى الكوفة ، ومنهم من أتى الشام . فهجموا جميعا من أبناء المهاجرين بالامصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة ، إلا ما كان من أبناء الشام ، فرجعوا جميعا إلى المدينة إلا من كان بالشام ، فأخبروا عثمان بخبرهم ، فقام عثمان في الناس خطيبا فقال : يا أهل المدينة ! أنتم أصل الاسلام وإنما يفسد الناس بفسادكم ، ويصلحون بصلاحكم ، والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلاسيرته ، ألا فلا أعرفن أحدا عرض دون اولئك بكلام ولا طلب ، فإن من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم دون أن يتكلم احد منهم بما عليه ولالهوجعل عثمان لا يأخذ أحدا منهم على شر أو شهر سلاح عصافما فوقها إلاسيره . فضج آباؤهم من ذلك حتى بلغه انهم يقولون : ما أحدث التسيير ألا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله سير الحكم بن أبي العاص فقال : إن الحكم كان مكيا فسيره رسول الله صلى الله عليه وآله منها الي الطائف ، ثم رده إلى بلده فرسول الله صلى الله عليه وآله سيره بذنبه ورسول الله صلى الله عليه وآله رده بعفوه ، وقد سيره الخليفة من بعده وعمر من بعدالخليفةوأيم الله لآخذن العفو من أخلاقكم ، ولابذلنه لكم من خلقي ، وقددنت أمور ولااحب أن تحل بنا وبكم وأنا على وجل وحذر فاحذروا واعتبروا
قال الاميني :
هذه سلسلة بلاء وحلقة أكاذيب جاء بها أبوجعفر الطبري في تاريخه باسناد واحد أبطلناه وزيفناه وأوقفناك عليه وعلى ترجمة رجاله في الجزء الثامن ص 84 ، 140 ، 333141 .
______________________
(1) الاعوص : موضع على اميال من المدينة يسيرة .
(2) قال الاميني رحمه الله : لاتنس هاهنا ما اسلفنا لك في هذا الجزء من حديث ام المؤمنين وعلى أميرالمؤمنين وطلحة والزبير . (3) احجار الزيت : موضع بالمدينة داخلها قريب من الزوراء .
(3) قال الاميني رحمه الله : راجع ما مر من حديث طلحة وصولته وجولته في تلك الثورة تعلم صدق الخبر .
(4) قال الاميني رحمه الله : راجع ما اسلفنا من حديث الزبير حتى يتبين لك الرشد من الغي .
(5) والصحيح : البياع ، وهو عروة بن شييم الليثى كما مر .
(6) ذكره ابن كثير في تاريخه 7 : 189 وحرفه وبدله بقوله : فأخذوا بيت المال ، وكان فيه شئ كثير جدا .
(7) العلامة الأميني : الغدير 9/222-236 .