المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الرابع : بحوث تطبيقية
الفصل الثالث : دراسة روايات سيف بن عمر في قتل عثمان
قال العلامة الاميني: هذه الموضوعات اختلقت تجاه التاريخ الصحيح المتسالم عليه المأخوذ من مئآت الآثار الثابتة المعتضد بعضها ببعض ، فيضادها ما أسلفناه في البحث عن آراء أعاظم الصحابة في عثمان وما جرى بينهم وبينه من سئ القول والفعل ، وفيهم بقية أصحاب الشورى وغير واحد من العشرة المبشرة وعدة من البدريين ، وقد جاء فيه ما يربو على مائة وخمسين حديثا راجع ص 69 - 157 من هذا الجزء (الجزء التاسع من الغدير) . وتكذبها أحاديث جمة مما قدمنا ذكرها ص 157 - 163 من حديث المهاجرين والانصار وانهم هم قتلة عثمانومن حديث كتاب أهل المدينة إلى الصحابة في الثغور من أن الرجل أفسد دين محمد ، فهلموا وأقيموا دين محمد صلى الله عليه وآله .
ومن حديث كتاب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ويقسمون له بالله انهم لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من الله .
ومن حديث كتاب المهاجرين إلى مصر أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها ، فإن كتاب الله قد بدل ، وسنة رسوله قد غيرت . إلى آخر ما مر في ص 161ـ162 .
ومن حديث الحصار الاول المذكور في صفحة 168 -177 .
ومن حديث كتاب المصريين إلى عثمان إنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرحة ، أو ضلالة مجلحة مبلجة . إلى آخر مامر ص 170 .
ومن حديث عهد الخليفة على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنة سنة 35 كما مر ص 170 - 172 .
ومن حديث توبته مرة بعد أخرى كما فصلناه ص 172 - 178 .
ومن حديث الحصار الثاني الذي أسلفناه ص 177-189 .
ومن حديث كتاب عثمان إلى معاوية في أن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة . إلى آخر ماسبق في صفحة 190 .
ومن حديث كتابه إلى الشام عامة : اني في قوم طال فيهم مقامي واستعجلوا القدر في وخيروني بين أن يحملوني على شارف من الابل الى دحل
ومن حديث كتابه إلى اهل البصرة المذكور صفحة 191 .
ومن حديث كتابه إلى أهل الامصار مستنجدا يدعوهم إلى الجهاد مع أهل المدينة واللحوق به لنصره كما مر ص 191 .
ومن حديث كتابه إلى أهل مكة ومن حضر الموسم ينشد الله رجلا من المسلمين بلغه كتابه اقدم عليه . إلخ .
ومن حديث يوم الدار والقتال فيه ، وحديث من قتل في ذلك المعترك مما مضى في ص 198- 204 .
ومن حديث مقتل عثمان وتجهيزه ودفنه بحش كوكب بدير سلع مقابر اليهود المذكور ص 204- 217 .
ومما ثبت من أحوال هؤلاء الذين زعموا انهم بعثوا أبنائهم للدفاع عن عثمان ، وانهم لم يفتأوا مناوئين له إلى أن قتل ، وبعد مقتله إلى أن قبر في أشنع الحالات .
أما علي أميرالمؤمنين فمن المتسالم عليه انه لم يحضر مقتل الرجل في المدينة فضلا عن دخوله عليه قبيل ذلك واستيذانه منه للذب عنه ، وبعد مقتله وبكاءه عليه وصفعه ودفعه وسبه ولعنه وحواره حول الواقعة ،
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 230 ردا علي حديث : الظاهر ان هذا ضعيف لان عليا لم يكن بالمدينة حين حصر عثمان ولا شهد قتله .
وقد سأله عثمان أن يخرج إلى ماله بينبع ليقل هتف الناس بإسمه للخلافة ، وكان ذلك مرة بعد أخرى وفي إحداهما قال لابن عباس : قل له فليخرج إلى ماله بينبع فلا أغتم به ولا يغتم بي . فأتى ابن عباس عليا فأخبره فقال عليه السلام : يا ابن عباس ، ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب أقبل وأدبر ، بعث إلي أن أخرج ، ثم بعث إلي أن اقدم ، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج .
وعلي عليه السلام هو الذي مر حديث رأيه في عثمان فراجع حتى يأتيك اليقين بأنه صلوات الله عليه لم يكن كالواله الحزين ، ولم يكن ذاهبا عقله يوم الدار ، ولا يقذفه بهذه الفرية الشائنة إلا من ذهبت به الخيلاء ، وتخبطه الشيطان من المس ، وخبل حب آل أمية قلبه واختبله ، فلا يبالي بما يقول ، ولا يكترث لما يتقول . وأما طلحة فحدث عنه ولا حرج ، كان أشد الناس على عثمان نقمة ، وله أيام الحصارين وفي يومي الدار والتجهيز خطوات واسعة ومواقف هائلة خطرة ثائرة على الرجل كما مر تفصيل ذلك كله وإن كنت في ريب من ذلك فأسال عنه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لتسمع منه قوله : والله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لانه مظنته ، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه ، فأراد أن يغالط مما أجلب فيه ليلبس الامر ويقع الشك . وقوله : لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل . إلى أقواله الاخرى التي أوقفناك عليها . وسل عنه عثمان نفسه وقد مرت فيه كلماته المعربة عن جلية الحال ، وسل عنه مروان لماذا قتله ؟ وما معنى قوله حين قتله لابان بن عثمان : قد كفيتك بعض قتلة أبيك ؟ وسل عنه سعدا ومحمد بن طلحة وغيرهما ممن مر حديثهم .
وأما الزبيرفإن سألت عنه مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام فعلى الخبير سقطت . قال عليه السلام له : أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته ؟ سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره ، وقال فيه وفي طلحة : انهم يطلبون حقا هم تركوه ، ودما هم سفكوه فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم نصيبهم منه ، وإن كان ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم . إلى آخر ما أسلفناه من كلماته عليه السلام .
وقد مر قول ابن عباس : أما طلحة والزبير فانهما أجلبا عليه وضيقا خناقه .
و قول عمار بن ياسر في خطبة له : ان طلحة والزبير كانا أول من طعن وآخر من أمر .
وقول سعيد بن العاص لمروان : هؤلاء قتلة عثمان معك إن هذين الرجلين قتلا عثمان : طلحة والزبير ، وهما يريدان الامر لانفسهما ، فلما غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم ، والحوبة بالحوبة .
وأما سعد بن أبي وقاص فهو القائل كما مر حديثه : وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه ولكن عثمان غير وتغير ، وأحسن وأساء ، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا ، وإن كنا أسأنا فنستغفر الله .
وأعطف على هؤلاء بقية الصحابة الذين حسب واضعو هذه الروايات انهم بعثواّ أبناءهم للدفاع عن عثمان ، وقدأسلفنا اجماعهم عدا ثلاثة رجال منهم على مقته المفضي إلى قتله .
وهل ترى من المعقول أن يمقته الآباء إلى هذا الحد الموصوف ثم يبعثوا أبنائهم للمجالدة عنه ؟ إن هذا إلا اختلاق .
هل من المعقول ان القوم كانوا يمحضون له الولاء ، وحضروا للمناضلة عنه ، فباغتهم الرجلان اللذين أجهزا عليه وفرا ولم يعلم بهما أحد إلى أن أخبرتهم بهما الفرافصة ولم تعرفهما هي أيضا ، وكانت إلى جنب القتيل تراهما وتبصر ما ارتكباه منه ؟ .
وهل عرف مختلق الرواية التهافت الشائن بين طرفي ما وضعه من تحريه تقليل عدد المناوئين لعثمان المجهزين عليه حتى كاد أن يخرج الصحابة الآباء منهم والابناء عن ذلك الجمهور ، ومما عزاه إلى مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام من قوله لما انثال إليه القوم ليبايعوه : والله إني لاستحي أن أبايع قوما قتلوا عثمان . الخ ؟ وهو نص على أن مبايعيه اولئك هم كانوا قتلوا عثمان وهم المهاجرون والانصار الصحابة الاولون الذين جاء عنهم يوم صفين لما طلب معاوية من الامام عليه السلامقتلة عثمان وأمر عليه السلام بتبرزهم فنهض أكثر من عشرة آلاف قائلين : نحن قتلته ، يقدمهم عمار بن ياسر ، ومالك الاشترومحمد بن أبي بكر ، وفيهم البدريون فهل الكلمة المعزوة إلى الامام عليه السلام لمبايعيه عبارة أخرى عن الرجلين المجهولين اللذين فرا ولم يعرف أحد خبرهما ؟ أو هما وأخلاط من الناس الذين كانت الصحابة تضادهم في المرمى ؟ وهل في المعقول أن يلهج بهذا إلا معتوه ؟
وهل نحت هذا الانسان الوضاع إن صدق في أحلامه عذرا مقبولا لاولئك الصحابة العدول الذابين عن عثمان بأنفسهم وأبنائهم ، الناقمين على من ناوئه في تأخيرهم دفنه ثلاثا وقد ألقي في المزبلة حتى زج بجثمانه إلى حش كوكب ، دير سلع مقبرة اليهود ، ورمي بالحجارة ، وشيع بالمهانة ، وكسر ضلع من أضلاعه ، واودع الجدث بأثيابه من غير غسل ولاكفن ، ولم يشيعه إلا أربعة ، ولم يمكنهم الصلاة عليه ؟ فهل كل هذا مشروع في الاسلام ، والصحابة العدول يرونه ويعتقدون بأنه خليفة المسلمين ، وان من قتله ظالم ، ولا ينبسون فيه ببنت شفةولا يجرون فيه أحكام الاسلام ؟ أو انهم ارتكبوا ذلك الحوب الكبير وهم لا يتحوبون متعمدين ؟ معاذ الله من أن يقال ذلك . أو أن هذا الانسان زحزحته بوادره عن مجاري تلكم الاحكام ، وحالت شوارده بينه وبين حرمات الله ، وشرشرت منه جلباب الحرمة والكرامة ومزقته تمزيقا ، حتى وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة ؟
ومن الكذب الصريح في هذه الروايات عد سعد بن أبي وقاص في الرعيل الاول ممن بايع عليا عليه السلام ، وهو من المتقاعدين عن بيعته إلى آخر نفس لفظه وهذا هو المعروف منه والمتسالم عليه عند رواة الحديث ورجال التاريخ ، وقد نحتت يد الافتعال في ذلك له عذرا أشنع من العمل ، راجع مستدرك الحاكم 3 : 116 .
ومن المضحك جدا ما حكاه البلاذري في الانساب 5 : 93 عن ابن سيرين من قوله : لقد قتل عثمان وإن في الدار لسبعمائة منهم الحسن وابن الزبير فلو أذن لهم لاخرجوهم من أقطار المدينة .
وعن الحسن البصري
أي عذر معقول أو مشروع هذا ؟ يقتل خليفة المسلمين في عقر داره بين ظهراني سبعمائة صحابي عادل وهم ينظرون إليه ومحمد بن أبي بكر قابض على لحيته عال بها حتى سمع وقع أضراسه ، وشحطه من البيت إلى باب داره ، وعمرو بن الحمق يثب ويجلس علي صدره ، وعمير بن ضابئ يكسر اضلاعه ، وجبينه موجوء بمشقص كنانة بن بشر ، ورأسه مضروب بعمود التجيبي ، والغافقي يضرب فمه بحديد ، ترد عليه طعنة بعد أخرى حتى أثخنته الجراح وبه حياة ، فأرادوا قطع رأسه ، فألقت زوجتاه بنفسهما عليه ، كل هذه بين يدي اولئك المئآت العدول أنصار الخليفة غير انهم ينتظرون حتى اليوم إلى إذن القتيل وإلا كانوا أخرجوهم من أقطار المدينة ، ولو أرادوا أن يمنعوه بأرديتهم لمنعوه . أين هذه الاضحوكة من الاسلام والكتاب والسنة والعقل والعاطفة والمنطق والاجماع والتاريخ الصحيح ؟ ! .
______________________
(1) دحل : بضم اوله وسكون ثانيه جزيرة بين اليمن وبلاد البجة بين الصعيد وتهامة (معجم البلدان) .
(2) راجع ازالة الخفاء 2 : 242 .