المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الرابع : بحوث تطبيقية
الفصل الرابع : دراسة روايات سيف بن عمر في الفتوح
قال الطبري في خبر أبي ذرّ الصحابي الفقير ـمثلاـ مع معاوية الأمير : (كرهت ذكر أكثرها ، فأمّا العاذرون معاوية في ذلك فإنّهم ذكروا في ذلك قصّة ... عن سيف) .
وقال ابن الأثير : ( ... من سبّ معاوية إيّاه وتهديده بالقتل وحمله إلى المدينة من الشام بغيروطاء ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع لا يصلح النقل به) . ثمّ أورد قصّة سيف ووصفهم كذلك بالعاذرين .
قال العسكري : إنّ العالمين الكبيرين لم يتركا روايات غير سيف لعدم اعتمادهما عليها ، بل لأنّهما لم يجدا فيها العذر للسلطة الحاكمة ، ووجدا العذر عند العاذرين معاوية الأمير وعثمان الخليفة ، وهم سيف الزنديق وسلسلة رواته المختلقين ، فحشّى الطبري تأريخه الكبير بروايات سيف ، وللسبب نفسه أخذ ابن الأثير روايات سيف من تأريخ الطبري ، وكذلك فعل ابن كثير حيث قال في آخر ذكره خبر واقعة الجمل من أخبار سنة ستّ وثلاثين هجرية عمّا نقله من أخبار سيف في حوادث ما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى واقعة الجمل :
(هذا ملخّص ما ذكره ابن جرير الطبري ; عن أئمة هذا الشأن) : وقصد من أئمة هذا الشأن الذين ذكر ابن جرير الطبري الأخبار عنهم سيف الزنديق ورواته المختلقين .
وقد أفصح العلامة ابن خلدون أكثر منهم في سبب اختيارهم روايات سيف المنتشرة في تأريخ الطبري عن أخبار الخلافة أي بيعة الخلفاء والردّة والفتوح والجماعة أي الاجتماع على بيعة معاوية وقال : (إنّه أوثق ما رأيناه في ذلك وأبعد عن المطاعن والشبهة في كبار الاُمّة) .
إذا فإنّ روايات سيف في تأريخ الطبري عن تلك الأخبار أوثق عندهم ، لأنّها أبعد عن المطاعن والشبهة في كبار الاُمّة من الصحابة والتابعين ، وهم الخلفاء والولاة وذووهم ، وإليكم دليلا آخر على أنّه من المعيب أن يذكر ما يورد النقد على الكبراء وينبغي البحث عن العذر لهم في ما يوجّه النقد إليهم كيف ما كان; في خبر درء سعد بن أبي وقّاص الحدّ عن أبي محجن والبحث عن العذر لسعد الأمير .
كان أبو محجن الثقفي كما في ترجمته من الاستيعاب واُسد الغابة والإصابة ، مدمنا للخمر وحدّه الخليفة عمر سبع مرّات لذلك ، وأخيرا نفاه من المدينة ، والتحق بسعد بن أبي وقاص في حرب القادسية فقيّده لشربه الخمر وأطلقت زوجة سعد سراحه وكانت له مواقف مشهورة في الحرب ، فدرأ سعد الحدّ عنه لموقفه وقال : والله لا نجلدك على الخمر أبدا . قال أبو محجن : وإذن لا أشربها أبدا .
كان هذا خبر درء سعد الحدّ عن أبي محجن ، وفي هذا الشأن نقل ابن حجر في ترجمة أبي محجن في كتابه الإصابة عن كتاب ابن فتحون (ت : 519 هـ) : (التذييل على استيعاب أبي عمر بن عبد البرّ) وقال : (وقد عاب ابن فتحون أبا عمر على ما ذكره في قصة أبي محجن ، أنّه كان منهمكا في الشراب إلى قوله : وأنكر ابن فتحون على من روى أنّ سعدا أبطل عنه الحدّ وقال : لا يظن هذا بسعد ثم قال ولكن له وجه حسن ولم يذكره وأنه أراد بقوله لا يجلده في الخمر بشرط أضمره وهو : إن ثبت عليه أنّه يشربها ، فوفّقه الله أن تاب توبة نصوحا فلم يعد إليها ...)
هكذا يبحث أتباع مدرسة الخلفاء عمّا يرفع النقد عن الكبراء وهم الخلفاء والولاة وذووهم من الخلفاء الأوائل حتّى معاوية ومروان بن الحكم ويزيد بن معاوية وولاتهم الذين يسمّونهم الكبراء أو كبراء الصحابة والتابعين . وبما أنّ سيف بن عمر الزنديق عرف من أين تؤكل الكتف ، فقد وضع روايات موافقة لرغبات جميع الطبقات بمدرسة الخلفاء مدى العصور ، وطلا رواياته بطلاء الدفاع عن الخلفاء وذويهم في ما انتُقدوا عليه ونشر فضائلهم .
وتحت هذا الغطاء السميك استطاع أن يخفي أهدافه في الطعن بالإسلام والإضرار به ونشر الخرافات الضارّة بالعقائد الإسلامية بين المسلمين ، وكذلك استطاع أن ينشر ويذيع بين الناس أنّ الإسلام انتشر بحدّ السيف .
______________________
(1) ابن حجر : الاصابة 4 / 173 175 .