المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الثالث : تراجم اصحاب الأصول التاريخية التي اعتمد عليها ابن أبي الحديد

عوانة بن الحكم ت148

قال ابن النديم : عوانة من علماء الكوفيين ، راوية للأخبار عالم بالشعر والنسب ، وكان فصيحاً ضريراً ، له من الكتب : كتاب التاريخ وكتاب سيرة معاوية وبني امية  (1) .

وقال يا قوت : (هو عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض بن وزر بن عبد الحارث بن أبي حصن بن ثعلبة بن جبير بن عامر بن النعمان ، كان عالما بالأخبار والآثار ثقة ، روى عنه الأصمعي والهيثم بن عدي وكثير من اعيان أهل العلم ، وكان يكنى أبا الحكم ، وكان ضريراً ، مات فيما ذكره المرزباني عن الصولي سنة (147) هجـ في الشهر الذي مات فيه الاعمش قال المدائني : مات عوانة سنة (158) هجـ في السنة التي مات فيها المنصور .

وقال : قال عبد الله بن جعفر : عوانة بن الحكم من علماء الكوفة بالأخبار خاصة والفتوح ، ملم بالشعر والفصاحة ، وله أخبار ظريفة ، وكان موثقاً وعامة أخبار المدائني عنه .

قال : وروى عبد الله بن المعتز عن الحسن بن عليل الفنـزي ان عوانة بن الحكم كان عثمانيا ، وكان يضع الأخبار لبني امية .

قال البدري : توفي عوانة سنة 158 ، فيكون قد ادرك من عهد العباسيين ستا وعشرين سنة ، وفي هذا ا لعهد جاءت اخباره لصالح بني هاشم ثم تحول الى عميل للعباسيين بعد فشل ثورة الحسنيين ، ومن امثلة اخباره الموضوعة ما نسب اليه في صلح الحسن عليه السلام مع معاويةوكانت رغبة العباسيين اظهار الحسن بمظهر المتخاذل .

قال : وحدَّث الهيثم بن عدي قال : كنا عند عوانة فورد الخبر بأن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب قد قتل بالمدينة ، فترحم عليه عوانة وذكر فضله ثمَّ قال : اخطأ الرأي في استهدافه لهم ومقابلته اياهم بالقرب منهم ، ولو تباعد عنهم حتّى يجتمع امره ويرى رأيه لطالت مدته ، فقيل له : قد اشير عليه بذلك فلم يقبله ، فتمثل عوانة بقول زهير :

اضاعت فلم تغفر لها غفلاتها       فلاقت تباباً عند آخر معهد

دما حول شلو تحجل الطير حوله       وبضع لحام في اهاب مقدد

قال : ثمَّ قال : هل علينا عين ؟ قالوا لا فقل ما شئت ، فقال : محمد والله من الذين قال الله فيهم : (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله)  (2) .

وقال الذهبي : هو احد الفصحاء ، له كتاب التاريخ وكتاب سيرة معاوية وبني اميةوكان صدوقاً في نقله  (3) .

وقال ابن حجر في لسان الميزان : عوانة بن الحكم الأخباري المشهور الكوفي ، يقال كان ابوه عبداً خياطا وامه امة ، وهو كثير الرواية عن التابعين قَلَّ ان روى حديثا مسنداً ، واكثر المدائني عنه ، ثمَّ ذكر قوله ابن المعتز عن الفنـزي فيه وقال مات سنـة (158)  (4) .

أقول : لم يصلنا كتابا عوانة ، وانما وصلتنا مقتطفات رواها الطبري والبلاذري وابن أبي الحديد وابن خلِّكان .

رواية ابن أبي الحديد عنه :

ج9/49-58

من أخبار يوم الشورى وتولية عثمان :

قال ابن أبي الحديد : نحن نذكر ها هنا ما لم نذكره هناك ، وهو من رواية عوانة عن اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في كتاب الشورى ومقتل عثمان وقد رواه أيضاً أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى في زيادات كتاب السقيفة .

قال : لما طعن عمر جعل الأمر شورى بين ستة نفر ، علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن مالك ، وكان طلحة يومئذ بالشام ، وقال عمر : ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض وهو عن هؤلاء راض ، فهم احق بهذا الأمر من غيرهم ، واوصى صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان ويقال ان اصله من حي من ربيعة بن نـزار يقال لهم عنـزة فامره ان يصلي بالناس حتّى يرضى هؤلاء القوم رجلا منهم وكان عمر لا يشك ان هذا الأمر صائر إلى احد الرجلين : علي وعثمان ، وقال : ان قدم طلحة فهو معهم ، وإلاَّ فلتختر الخمسة واحدا منها ، وروى ان عمر قبل موته اخرج سعد بن مالك من أهل الشورى ، وقال : الأمر في هؤلاء الاربعة ، ودعوا سعدا على حاله اميرا بين يدي الإمام ، ثمَّ قال : ولو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لما تخالجتني فيه الشكوك ، فان اجتمع ثلاثة على واحد فكونوا مع الثلاثة ، وان اختلفوا فكونوا مع الجانب الذي فيه عبد الرحمن . وقال لابي طلحة الانصاري : يا أبا طلحة فو الله لطالما اعز الله بكم الدين ونصر بكم الإسلام ، اختر من المسلمين خمسين رجلا ، فائت بهم هؤلاء القوم في كل يوم مرة ، فاستحثوهم حتّى يختاروا لانفسهم وللامة رجلا منهم .

ثم جمع قوما من المهاجرين والانصار ، فاعلمهم ما اوصى به ، وكتب في وصيته ان يولي الإمام ، سعد بن مالك الكوفة وأبا موسى الاشعري ، لانه كان عزل سعدا عن سخطه ، فاحب ان يطلب ذلك إلى من يقوم بالأمر من بعده استرضاء لسعد .

قال الشعبي : فحدَّثني من لا اتهمه من الانصار .

و قال أحمد بن عبد العزيز الجوهري هو سهل بن سعد الانصاري .

قال : مشيت وراء علي بن أبي طالب حيث انصرف من عند عمر ، والعباس بن عبد المطلب يمشي في جانبه ، فسمعته يقول للعباس : ذهبت منا والله ، فقال : كيف علمت ، قال : الا تسمعه يقول : كونوا في الجانب الذي فيه عبد الرحمن لانه ابن عمه وعبد الرحمن نظير عثمان وهو صهره ، فاذا اجتمع هؤلاء فلو ان الرجلين الباقيين كانا معي لم يغنيا عني شيئا ، مع اني لست ارجو إلاَّ احدهما ومع ذلك فقد احب عمر ان يعلمنا ان لعبد الرحمن عنده فضلا علينا ، لعمرو الله ما جعل الله ذلك لهم علينا كما لم يجعله لاولادهم على اولادنا ، اما والله لئن عمر لم يمت لاذكرنه ما اتى الينا قديما ، ولاعلمنه سوء رأيه فينا وما اتى الينا حديثاولئن مات وليموتن ليجتمعن هؤلاء القوم على ان يصرفوا هذا الأمر عنا ، ولئن فعلوها وليفعلن ليرونني حيث يكرهون والله ما بي رغبة في السلطان ولا حب الدنيا ولكن لاظهار العدل والقيام بالكتاب والسنة .

قال : ثمَّ التفت فرآني وراءه ، فعرفت انه قد ساءه ذلك ، فقلت : لا ترع أبا حسن لا والله لا يستمع احد الذي سمعت منك في الدنيا ما اصطحبنا فيها ، فو الله ما سمعه مني مخلوق حتّى قبض الله عليا إلى رحمته .

قال عوانة : فحدَّثنا اسماعيل قال : حدَّثني الشعبي قال : فلما مات عمر وادرج في اكفانه ، ثمَّ وضع ليصلى عليه تقدم على بن أبي طالب ، فقام عند راسه ، وتقدم عثمان فقام عند رجليه ، فقال علي عليه السلام : هكذا ينبغي ان تكون الصلاة ، فقال عثمان : بل هكذا ، فقال عبد الرحمن : ما اسرع ما اختلفتم ، يا صهيب صل على عمر كما رضي ان تصلي بهم المكتوبة ، فتقدم صهيب فصلى على عمر .

قال الشعبي : وادخل أهل الشورى دارا ، فاقبلوا يتجادلون عليها وكلهم بها ضنين وعليها حريص اما لدنيا واما لاخرة ، فلما طال ذلك قال عبد الرحمن : من رجل منكم يخرج نفسه عن هذا الأمر ويختار لهذه الامة رجلا منكم ؟ فاني طيبة نفسى ان اخرج منها واختار لكم ، قالوا : قد رضينا إلاَّ علي بن أبي طالب ، فانه اتهمه وقال : أنظر وأرى ، فاقبل أبو طلحة عليه وقال : يا أبا الحسن ارض برأي عبد الرحمن كان الأمر لك او لغيرك فقال علي : اعطني يا عبد الرحمن موثقا من الله لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى ولا تمل إلى صهر ولا ذي قرابة ، ولا تعمل إلاَّ لله ، ولا تألو هذه الامة ان تختار لها خيرها ، قال : فحلف له عبد الرحمن بالله الذي لا اله إلاَّ هو لاجتهدن لنفسي ولكم وللامة ولا اميل إلى هوى ولا إلى صهر ولا ذي قرابة ، قال : فخرج عبد الرحمن ، فمكث ثلاثة أيّام يشاور الناس ، ثمَّ رجع واجتمع الناس وكثروا على الباب ، لا يشكون انه يبايع علي بن أبي طالب ، وكان هوى قريش كافة ما عدا بنى هاشم في عثمان ، وهوى طائفة من الانصار مع علي ، وهوى طائفة اخرى مع عثمان ، وهي اقل الطائفتين ، وطائفة لا يبالون ايهما بويع .

قال : فاقبل المقداد بن عمرو والناس مجتمعون ، فقال : ايها الناس اسمعوا ما أقول ، انا المقداد بن عمرو ، انكم ان بايعتم عليا سمعنا واطعنا ، وان بايعتم عثمان سمعنا وعصينا ، فقام عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيره المخزومى فنادى : ايها الناس انكم ان بايعتم عثمان سمعنا واطعنا ، وان بايعتم عليا سمعنا وعصينا ، فقال له المقداد : يا عدو الله وعدو رسوله وعدو كتابه ومتى كان مثلك يسمع له الصالحون ؟ فقال له عبد الله : يا بن الحليف العسيف ومتى كان مثلك يجترى على الدخول في امر قريش .

فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح : ايها الملأ ان اردتم إلاَّ تختلف قريش فيما بينها فبايعوا عثمان ، فقال عمّار بن ياسر : ان اردتم إلاَّ يختلف المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليا ، ثمَّ اقبل على عبد الله بن سعد بن أبي سرح فقال : يا فاسق ، يا بن الفاسق ، أأنت ممن يستنصحه المسلمون او يستشيرونه في امورهم ، وارتفعت الاصوات ونادى مناد لا يدرى من هو فقريش تزعم انه رجل من بني مخزوم والانصار تزعم انه رجل طوال آدم مشرف على الناس لا يعرفه احد منهم يا عبد الرحمن افرغ من امرك وامض على ما في نفسك فانه الصواب ! !

قال الشعبي : فاقبل عبد الرحمن على علي بن أبي طالب ، فقال عليك عهد الله وميثاقه واشد ما اخذ الله على النبيين من عهد وميثاق ان بايعتك لتعملن بكتاب الله وسنه رسوله وسيره أبي بكر وعمر فقال علي عليه السلام : طاقتي ومبلغ علمي وجهد رأيي والناس يسمعون .

فاقبل على عثمان ، فقال له مثل ذلك ، فقال : نعم لا ازول عنه ولا ادع شيئا منه ، ثمَّ اقبل على علي فقال له ذلك مرات ، ولعثمان ثلاث مرات ، في كل ذلك يجيب علي مثل ما كان اجاب به ، ويجيب عثمان بمثل ما كان اجاب به .

فقال ابسط يدك يا عثمان ، فبسط يده فبايعه ، وقام القوم فخرجوا ، وقد بايعوا إلاَّ علي بن أبي طالب فانه لم يبايع .

قال : فخرج عثمان على الناس ووجهه متهلل ، وخرج علي وهو كاسف البال مظلم ، وهو يقول : يا بن عوف ليس هذا باول يوم تظاهرتم علينا من دفعنا عن حقنا والاستئثار علينا وانها لسنة علينا وطريقة تركتموها .

فقال المغيرة بن شعبة لعثمان : ا ما والله لو بويع غيرك لما بايعناه ، فقال عبد الرحمن بن عوف : كذبت والله لو بويع غيره لبايعته وما انت وذاك يابن الدباغة ، والله لو وليها غيره لقلت له مثل ما قلت الان تقربا إليه وطمعا في الدنيا فاذهب لا أبا لك .

فقال المغيرة : لو لا مكان امير المؤمنين لاسمعتك ما تكره ومضيا .

قال الشعبي : فلما دخل عثمان رحله دخل إليه بنو امية حتّى امتلات بهم الدار ، ثمَّ اغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب : اعندكم احد من غيركم ؟ قالوا : لا ، قال يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة ، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة .

قال : فانتهره عثمان وساءه بما قال وامر باخراجه .

قال الشعبي : فدخل عبد الرحمن بن عوف على عثمان فقال له : ما صنعت ؟ فو الله ما وفقت حيث تدخل رحلك قبل ان تصعد المنبر فتحمد الله وتثنى عليه وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعد الناس خيرا .

قال : فخرج عثمان فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثمَّ قال هذا مقام لم نكن نقومه ، ولم نعد له من الكلام الذى يقام به في مثله ، وسأهيى ذلك ان شاء الله ولن آلو امة محمد ، خيرا والله المستعان ثمَّ نزل .

قال عوانه : فحدَّثني يزيد بن جرير عن الشعبي عن شقيق بن مسلمة ان علي بن أبي طالب لما انصرف إلى رحله قال لبني ابيه : يا بنى عبد المطلب ان قومكم عادوكم بعد وفاة النبي كعداوتهم النبي في حياته ، وان يطع قومكم لا تؤمروا ابدا ، ووالله لا ينيب هؤلاء إلى الحق إلاَّ بالسيف ، قال : وعبد الله بن عمر بن الخطاب داخل اليهم قد سمع الكلام كله ، فدخل وقال : يا أبا الحسن اتريد ان تضرب بعضهم ببعض ؟ فقال : اسكت ويحك ! فو الله لو لا ابوك وما ركب مني قديما وحديثا ما نازعني ابن عفان ولا ابن عوف ، فقام عبد الله فخرج .

قال : واكثر الناس في امر الهرمزان وعبيد الله بن عمر ، وقتله اياه وبلغ ما قال فيه علي بن أبي طالب ، فقام عثمان ، فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ، ثمَّ قال : ايها الناس انه كان من قضاء الله ان عبيد الله بن عمر بن الخطاب اصاب الهرمزان ، وهو رجل من المسلمين وليس له وارث إلاَّ الله والمسلمون ، وانا امامكم وقد عفوت ، افتعفون عن عبيد الله ابن خليفتكم بالامس ؟ قالوا : نعم ، فعفا عنه ، فلما بلغ ذلك عليا تضاحك ، وقال : سبحان الله لقد بدا بها عثمان ايعفو عن حق امري ليس بواليه ؟ تالله ان هذا لهو العجب ، قالوا : فكان ذلك اول ما بدا من عثمان مما نقم عليه .

قال الشعبى : وخرج المقداد من الغد فلقي عبد الرحمن بن عوف ، فاخذ بيده وقال : ان كنت اردت بما صنعت وجه الله فأثابك الله ثواب الدنيا والاخره ، وان كنت انما اردت الدنيا فأكثر الله مالك ، فقال عبد الرحمن : اسمع رحمك الله اسمع ! قال : لا اسمع والله ، وجذب يده من يده ومضى حتّى دخل على علي عليه السلام ، فقال : قم فقاتل حتّى نقاتل معك ، قال علي : فبمن اقاتل رحمك الله ؟ واقبل عمّار بن ياسر ينادي : يا ناعي الإسلام قم فانعه قد مات عرف وبدا نكر ، اما والله لو ان لي اعوانا لقاتلتهم ، والله لئن قاتلهم واحد لاكونن له ثانيا ، فقال علي : يا أبا اليقظان والله لا اجد عليهم اعوانا ولا احب ان اعرضكم لما لا تطيقون ، وبقي عليه السلامفي داره وعنده نفر من أهل بيته وليس يدخل إليه احد مخافة عثمان .

قال الشعبي : واجتمع أهل الشورى على ان تكون كلمتهم واحدة على من لم يبايع ، فقاموا إلى علي فقالوا : قم فبايع عثمان ، قال : فان لم افعل ، قالوا : نجاهدك  (5) ، قال : فمشى إلى عثمان حتّى بايعه ، وهو يقول صدق الله ورسوله ، فلما بايع اتاه عبد الرحمن بن عوف فاعتذر إليه ، وقال : ان عثمان اعطانا يده ويمينه ولم تفعل انت فاحببت ان اتوثق للمسلمين فجعلتها فيه ، فقال : ايها عنك انما آثرته بها لتنالها بعده دق الله بينكما عطر منشم  (6) .

قال الشعبي : وقدم طلحة من الشام بعد ما بويع عثمان فقيل له : رد هذا الأمر حتّى ترى فيه رايك فقال : والله لو بايعتم شركم لرضيت ، فكيف وقد بايعتم خيركم ، قال : ثمَّ عدا عليه بعد ذلك وصاحبه حتّى قتلاه ، ثمَّ زعما انهما يطلبان بدمه .

قال الشعبي : فاما ما يذكره الناس من المناشدة وقول علي عليه السلام لأهل الشورى : افيكم احد ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله كذا ، فانه لم يكن يوم البيعة وانما كان بعد ذلك بقليل دخل علي على عثمان وعنده جماعة من الناس منهم أهل الشورى وقد كان بلغه عنهم هنات وقوارص ، فقال لهم : أفيكم أفيكم ؟ كل ذلك يقولون لا ، قال : لكني اخبركم عن انفسكم ، اما انت يا عثمان ففررت يوم حنين وتوليت يوم التقى الجمعان واما انت يا طلحة فقلت ان مات محمد لنركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا ، واما انت يا عبد الرحمن فصاحب قراريط ، واما انت يا سعد فتدق عن ان تذكر .

قال : ثمَّ خرج فقال عثمان : اما كان فيكم احد يرد عليه ، قالوا : وما منعك من ذلك وانت امير المؤمنين ، وتفرقوا .

قال عوانة : قال اسماعيل قال الشعبي فحدَّثني عبد الرحمن بن جندب عن ابيه جندب بن عبد الله الازدي قال : كنت جالسا بالمدينة حيث بويع عثمان ، فجئت فجلست إلى المقداد بن عمرو فسمعته يقول : والله ما رأيت مثل ما أُتِيَ إلى أهل هذا البيت ، وكان عبد الرحمن بن عوف جالسا ، فقال وما انت وذاك يا مقداد ؟ .

قال المقداد : اني والله احبهم لحب رسول الله ، واني لاعجب من قريش وتطاولهم على الناس بفضل رسول الله ثمَّ انتزاعها سلطانه من اهله .

قال عبد الرحمن : اما والله لقد اجهدت نفسي لكم .

قال المقداد : اما والله لقد تركت رجلا من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون ، اما والله لو ان لي على قريش اعوانا لقاتلتهم قتالي اياهم ببدر وأحد .

فقال عبد الرحمن : ثكلتك امك لا يسمعن هذا الكلام الناس ، فاني اخاف ان تكون صاحب فتنة وفرقة .

قال المقداد : ان من دعا إلى الحق واهله وولاه الأمر لا يكون صاحب فتنه ، ولكن من اقحم الناس في الباطل وآثر الهوى على الحق فذلك صاحب الفتنة والفرقة .

قال : فتربَّد وجه عبد الرحمن ، ثمَّ قال : لو اعلم انك اياي تعني لكان لي ولك شان .

قال المقداد : اياي تهدد يا بن ام عبد الرحمن ! ثمَّ قام عن عبد الرحمن فانصرف .

قال جندب بن عبد الله : فاتبعته وقلت له : يا عبد الله انا من اعوانك ، فقال : رحمك الله ان هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان ولا الثلاثة ، قال : فدخلت من فوري ذلك على علي عليه السلامفلما جلست إليه قلت : يا أبا الحسن والله ما اصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك ، فقال : صبر جميل والله المستعان .

فقلت : والله انك لصبور ، قال : فان لم اصبر فما ذا اصنع ؟ قلت اني جلست إلى المقداد بن عمرو آنفا وعبد الرحمن بن عوف فقالا كذا وكذا ، ثمَّ قام المقداد فاتبعته فقلت له : كذا ، فقال لي : كذا ، فقال علي عليه السلام : لقد صدق المقداد فما اصنع ، فقلت : تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك وتخبرهم انك اولى بالنبى صلى الله عليه وآلهوتسألهم النصر على هؤلاء المظاهرين عليك فان اجابك عشرة من مائه شددت بهم على الباقين فان دانوا لك فذاك ، وإلاَّ قاتلتهم وكنت اولى بالعذر قتلت او بقيت وكنت اعلى عند الله حجة .

فقال : اترجو يا جندب ان يبايعني من كل عشرة واحد ؟ قلت : ارجو ذلك ، قال : لكني لا ارجو ذلك لا والله ولا من المائة واحد ، وسأخبرك ان الناس انما ينظرون إلى قريش فيقولون هم قوم محمد وقبيله ، واما قريش بينها فتقول ان آل محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلا ، ويرون انهم اولياء هذا الأمر دون قريش ودون غيرهم من الناس ، وهم ان ولوه لم يخرج السلطان منهم إلى احد ابدا ، ومتى كان في غيرهم تداولته قريش بينها لا والله لا يدفع الناس الينا هذا الأمر طائعين ابدا .

فقلت : جعلت فداك يا بن عم رسول الله لقد صدعت قلبي بهذا القول افلا ارجع إلى المصر فاوذن الناس بمقالتك وادعو الناس اليك ؟ فقال : يا جندب ليس هذا زمان ذاك .

قال : فانصرفت إلى العراق ، فكنت اذكر فضل علي على الناس فلا اعدم رجلا يقول لي : ما اكره واحسن ما اسمعه قول من يقول دع عنك هذا وخذ فيما ينفعك ، فأقول : ان هذا مما ينفعني وينفعك فيقوم عني ويدعني .

قال ابن ابي الحديد : وزاد أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى : حتى رفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة أيّام ولِيَنا فبعث إلىَّ فحبسني حتّى كُلِّم فىَّ فخلى سبيلي  (7) .

ج16/213 رواية الجوهري بسنده عن عوانة قصة خصومة الزهراء بنت النبي مع ابي بكر .

ج2/9-11 رواية ابراهيم الثقفي بسنده عن عوانة غارة بسر على المدينة وكان عليها ابو أيوب ومكة وكان عليها قثم .

ج4/88 رواية الثقفي بسنده عن عوانة خبر النجاشي الشاعر وشربه الخمر .

أقول : اورد الطبري في تاريخه مايزيد عن خمسين خبرا عن عوانة بن الحكم بعضها في حرب صفين وبعضها في الغارات وبعضها في صلح الحسن عليه السلاممع معاوية وأخبار في مقتل الحسين عليه السلام وغالبيتها في تاريخ معاوية وبني امية .

______________________

(1) ابن النديم : الفهرست ترجمة عوانة بن الحكم .

(2) ياقوت الحموي : معجم الأُدباء ج16/134-138 .

(3) الذهبي : سير أعلام النبلاء .

(4) ابن حجر : لسان الميزان ج5/350 .

(5) كذلك جاء في رواية اليعقوبي والبلاذري وفي صحيح البخاري ج8 باب كيف يبايع الامام .

(6) منشم بكسر الشين : امرأة عطارة من همدان كانوا إذا تطيبوا من ريحها اشتدت الحرب فصارت مثلا في الشر . قال زهير :
تداركتم عبسا وذبيان بعدماتفانوا ودقوا بينهم عطر منشم .
انظر ترجمة ابي هلال من هذا الكتاب ففيه تكملة .

(7) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 9 /49-58 .

صفحة مكتب العلامة المحقق السيد سامي البدري