المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الثالث : تراجم اصحاب الأصول التاريخية التي اعتمد عليها ابن أبي الحديد
محمد بن إسحاق بن يسار المديني مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف .
قال الشيخ أبو بكر الخطيب : لم أر في جملة المحمدين الذين كانوا في مدينة السلام من أهلها والواردين إليها أكبر سنا وأعلى إسنادا وأقدم موتا منه ، ولهذه الأسباب المجتمعة فيه افتتحت كتابي بتسميته ، ومحمد بن إسحاق يكنى أبا بكر ، وقيل أبا عبد الله ، رأى محمد أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسمع القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وأبان بن عثمان بن عفان ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ونافعا مولى عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وغيرهم .
وكان عالما بالسير والمغازي وأيّام الناس وأخبار المبتدأ وقصص الأنبياء وحدَّث عنه أئمة العلماء منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وسفيان بن سعيد الثوري وابن جريج وشعبة بن الحجاج وجرير بن حازم والحمادان بن سلمة وابن زيد وإبراهيم بن سعد الزهري وشريك بن عبد الله النخعي وسفيان بن عيينة ومن بعدهم ، وكان ابن إسحاق قدم بغداد فنـزلها حتّى مات بها ودفن بمقبرة الخيزران في الجانب الشرقي منها .
قال الحسن بن محمد المؤدب : سمعت عمارا يقول : دخل محمد بن إسحاق على المنصور وبين يديه ابنه فقال له : أتعرف هذا يا بن إسحاق ؟ قال : نعم ، هذا بن أمير المؤمنين ، قال : اذهب فصنف له كتابا منذ خلق الله تعإلى آدم عليه السلام إلى يومك هذا ، قال : فذهب فصنف له هذا الكتاب ، فقال له : لقد طولته يا بن إسحاق اذهب فاختصره ، قال : فذهب فاختصره ، فهو هذا الكتاب المختصر ، والقي الكتاب الكبير في خزانة أمير المؤمنين
له (كتاب السيرة والمبتدأ والمغازي) ويذكره احيانا بالسيرة فقط او المغازي فقط اختصارا .
وله (كتاب الخلفاء) .
قال ابن النديم : ابن إسحاق مطعون عليه غير مرضي الطريقة وأصحاب الحديث يضعفونه ويتهمونه
أقول : قال الخطيب : قد احتج برواية ابن اسحاق في الاحكام قوم من أهل العلم وصدف عنها آخرون وأنا ذاكر ما حفظت من قول العلماء في عدالته واختلافهم في الاحتجاج بروايته والمشهور من تاريخ وفاته بعون الله ومشيئته .
قال الميموني : سمعت أبا الوليد هشام بن عبد الملك يقول كان مالك بن أنس سيء الرأي في ابن إسحاق وقال حسين بن عروة سمعت مالك بن أنس يقول محمد بن إسحاق كذاب.
قال ابن إدريس : قلت لمالك بن أنس وذكر المغازي فقلت قال ابن إسحاق انا بيطارها ، فقال : قال لك أنا بيطارها نحن نفيناه عن المدينة .
وقال أبو بكر الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن محمد بن إسحاق كيف هو ، فقال : هو حسن الحديث ، ولقد قال مالك حين ذكره دجال من الدجاجلة .
قال الشيخ أبو بكر الخطيب : قد ذكر بعض العلماء أن مالكا عابه جماعة من أهل العلم في زمانه بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والثقة والأمانة ، واحتج بما أخبرني البرقاني بسنده عن محمد بن فليح قال قال لي مالك بن أنس : هشام بن عروة كذاب ، قال : فسألت يحيى بن معين قال : عسى أراد في الكلام فأما في الحديث فهو ثقة وهو من الرواة عنه .
وقال إبراهيم : حدَّثني عبدالله بن نافع ، قال : كان بن أبي ذئب وعبد العزيز الماجشون وابن أبي حازم ومحمد بن إسحاق يتكلمون في مالك بن أنس وكان أشدهم فيه كلاما محمد بن إسحاق ، كان يقول : ائتوني ببعض كتبه حتّى أبين عيوبه أنا بيطار كتبه .
قال الخطيب : أما كلام مالك في ابن إسحاق فمشهور غير خاف على أحد من أهل العلم بالحديث ، وأما حكاية ابن فليح عنه في هشام بن عروة فليست بالمحفوظة إلا من الوجه الذي ذكرناه وراويها عن إبراهيم بن المنذر غير معروف عندنا فالله أعلم .
وقد أمسك عن الاحتجاج بروايات بن إسحاق غير واحد من العلماء لأسباب منها أنه كان يتشيع وينسب إلى القدر ويدلس في حديثه ، فأما الصدق فليس بمدفوع عنه .
قال أبو زرعة : عبد الرحمن بن عمرو النصري : ومحمد بن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه منهم سفيان وشعبة وابن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإبراهيم بن سعد وروى عنه من الأكابر يزيد بن أبي حبيب وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا مع مدحة ابن شهاب له ، وقد ذاكرت دحيما قول مالك ، فرأى أن ذلك ليس للحديث إنما هو لأنه اتهمه بالقدر .
قال أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني : محمد بن إسحاق الناس يشتهون حديثه ، وكان يرمى بغير نوع من البدع .
أخبرنا البرقاني قال : حدَّثني محمد بن أحمد الأدمي قال ثنا محمد بن علي الأيادي قال : نبّأنا زكريا بن يحيى قال حدثت عن مفضل يعني بن غسان قال : حضرت يزيد بن هارون في سنة ثلاث وتسعين ومائة بالمدينة وهو يحدَّث بالبقيع وعنده ناس من أهل المدينة يسمعون منه شيئا بآخرة فحدَّث بأحاديث حتّى حدثهم عن محمد بن إسحاق فأمسكوا وقالوا لا تحدَّثنا عنه نحن أعلم به ، فذهب يزيد يحاولهم فلم يقبلوا فأمسك يزيد .
أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا محمد بن العباس الخزاز قال أنبأنا إبراهيم بن محمد الكندي قال نبّأنا أبو موسى محمد بن المثنى قال ما سمعت يحيى يعني القطان يحدَّث عن محمد بن إسحاق شيئا قط .
أخبرنا على بن أبي علي قال أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الحازمي قال نبّأنا إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري الحافظ قال : سمعت محمد بن إسماعيل يقول لمحمد بن إسحاق ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد .
أخبرنا علي بن محمد الدقاق قال قرأنا على الحسين بن هارون عن أبي العباس بن سعيد قال أنبانا عبد الله بن أحمد بن خزيمة قال نبّأنا محمد بن يحيى قال نبّأنا أبو سعيد الجعفي قال نبّأنا محمد بن إدريس : وكان معجبا بابن إسحاق كثير الذكر له ينسبه إلى العلم والمعرفة .
موسى بن هارون بن إسحاق قال سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول : كان محمد بن إسحاق يرمى بالقدر وكان ابعد الناس منه .
أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال أنبأنا دعلج بن أحمد قال أنبأنا أحمد بن علي الأبار قال نبّأنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني قال نبّأنا يزيد بن هارون عن شعبة قال : لو سود أحد في الحديث لسود محمد بن إسحاق وفي رواية : محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث .
محمد بن أحمد بن يعقوب قال نبّأنا جدي قال سألت علي بن المديني عن ابن إسحاق قلت كيف حديث محمد بن إسحاق عندك صحيح فقال نعم حديثه عندي صحيح قلت له فكلام مالك فيه قال علي : مالك لم يجالسه ولم يعرفه وقال وسمعت عليا يقول إن حديث محمد بن إسحاق ليتبين فيه الصدق .
وقال علي بن المديني أيضاً : مدار حديث رسول الله صلى الله عليه وآله على ستة فذكرهم ثمَّ قال فصار علم الستة عند اثنى عشر أحدهم بن إسحاق .
عبد الله بن أحمد سأله رجل عن محمد بن إسحاق فقال كان أبي يتتبع حديثه ويكتبه كثيرا بالعلو والنـزول ويخرجه في المسند وما رأيته أنفى حديثه قط قيل له يحتج به قال لم يكن يحتج به في السنن .
أيوب بن إسحاق بن سافري قال : سألت أحمد بن حنبل فقلت يا أبا عبد الله بن إسحاق إذا تفرد بحديثه تقبله ؟ قال : لا والله إني رأيته يحدَّث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا قال : وأما على بن المديني فكان يثني عليه ويقدمه .
محمود بن إسحاق قال حدَّثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال رأيت علي بن عبد الله يحتج بحديث ابن إسحاق وقال علي عن ابن عيينة : ما رأيت أحدا يتهم بن إسحاق .
المفضل بن غسان الغلابي قال قال يحيى بن معين : إبن إسحاق ثبت في الحديث .
قال ابن الغلابي : سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق ؟ فقال : كان ثقة وكان حسن الحديث .
محمد بن أحمد بن يعقوب قال نبّأنا جدي قال : سألت يحيى بن معين عنه يعني ابن إسحاق فقلت في نفسك من صدقه شيء ؟ فقال : لا هو صدوق .
الميموني قال سمعت يحيى بن معين يقول : محمد بن إسحاق ضعيف .
أحمد بن زهير قال : سمعت يحيى بن معين يقول : محمد بن إسحاق ليس به باس ، وسئل يحيى بن معين عنه مرة أخرى قال : ليس بذاك ضعيف وسمعته يقول مرة أخرى محمد بن إسحاق عندي سقيم ليس بالقوي
أقول : والذي يظهر ان القادحين في ابن إسحاق هم مالك وتلميذه القطان وأهل المدينة لما ساد فيها مالك وسادت آراوه على عهد المهدي العباسي والرشيد ، وقد بيَّن ابن المديني رأيه في جرح مالك لابن إسحاق وانه لايقوم على معرفة به .
ج4/121 اول ذكر امن بالنبي علي .
128 كان مع النبي في سفرته إلى الطائف زيد بن حارثة وحده (وفي رواية المدائني كان معه زيد وعلي) .
ج6/18 -19 : ان الاوس تزعم ان اول من بايع أبا بكر بشير بن سعد وتزعم الخزرج ان اول من بايع اسيد بن حضير .
21 : الزبيربن بكار عن محمد بن إسحاق : كان عامة المهاجرين وجل الانصار لا يشكون ان عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله .
304 -314 عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص وجعفر بن أبي طالب في الحبشة .
318-319 اسلام عمرو بن العاص .
ج10 /78 -79 هبيرة بن أبي وهب زوج ام هانئ مات كافرا في نجران .
ج13/198-200علي في بيت النبي ، النبي وعلي يصليان مستخفيان عن أبي طالب وغيره .
201-204 النبي عند حليمة السعدية .
214 -214قصة ركانة مع النبي .
231 الحسن البصري يمدح عليا عند الحجاج .
235 رواية نوح عن محمد بن إسحاق اول ذكر امن بالنبي علي وهو ابن عشر سنين .
288 -290 رثاء عمرو بن عبد ود العامري .
303 -304 لم يعلم رسول الله عند هجرته احدا إلاَّ علي وأبي بكر .
ج14/8-9 لما نـزل علي الربذة بعث محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر إلى الكوفة (عهد علي) .
52-63 حصار أبي طالب وبني هاشم في الشعب .
96 كان دين أبي لهب على العاص بن هشام اربعة الاف فمطله بها وتركها له ليخرج مكانه في بدر .
128 -129 بروز بني عفراء ورجوعهم (بدر) .
131 -132 بروز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة وعلي للوليد ، مناقشة ابن أبي الحديد للمفيد في الارشاد .
133-134 نهى رسول الله عن قتل أبي البختري .
138 امية بن خلف وبلال .
145 طعيمة بن عدي قتله علي ، وقيل قتله حمزة .
182 -184 النبي ينهى عن قتل احد من بني هاشم .
189 -196إكرام النبي لأبي العاص زوج زينب وتعليق النقيب يحيى بن زيد .
200-205 : اسرى قريش في بدر .
203 : خالد بن الاعلم العقيلي حليف مخزوم وكان يقول :
ولسناعليالأعقاب تدمى كلومنا ولكن عليأقدامنا تقطرالدما
وكان أول المنهزمين في بدر
209 : فيمن قتل من قريش في بدر
229 -230 : مربع بن قيظي المنافق .
ج14/ 277 : مقتل سعد بن الربيع الأنصاري ووصيته بالرسول .
ج15/7 ، 13-15 ، 18 ، 20 ، 35 ، 52 معركة أُحُد .
ج15/62 -66 (قال ابن أبي الحديد اتفق المحدثون على ان زيد بن حارثة كان الامير الاول وانكرت الشيعة ذلك ورووا في ذلك روايات وقد وجدت في الاشعار التي رواها ابن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم ص62) .
ج14/251 لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي .
ج18 /16-18 هند في فتح مكة واعتذار ابن الزبعرى .
ج17 /240 -241 المدائني عن علي بن مجاهد عن ابن إسحاق النبي يخبر عن جندب وزيد بن صوحان .
ج2/165 الزبير في الجمل (عهد علي) .
253 أبو موسى لا يرى ابن عمر اهلا للخلافة (عهد علي) .
ح3/44عثمان ضرب ابن مسعود (عهد عثمان) .
ج6/61 ان عليا كلم عثمان في قتل عبيد الله بن عمر لقتله الهرمزان فابى ... لذلك خرج مع معاوية لما بويع علي (عهد عثمان) .
ج6/314 -316 رواية نصر بن مزاحم عن محمد بن إسحاق قال اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين ... (عهد علي) .
ج8/49 -52نصر عن عمر بن سعد عن محمد بن إسحاق عبد الله بن جعفر في صفين وشعار ... حجر وعمرو بن الحمق .
93-94صفين .
ج9/310 -311 ماء الحوأب (عهد علي) .
ج9/317 محمد بن إسحاق عن جعفر بن محمد ... الجمل .
ج10/112 أبو ايوب شهد مع علي الجمل وصفين وكان مقدمته في النهروان .
ج13/220 محمد بن سعيد عن شريك عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن علي بن الحسين عن ابيه علي بن الحسين عن مروان قال قال لي مروان ما كان في القوم ادفع عن صاحبنا من صاحبكم ؟ قلت : فما لكم تسبونه على المنابر ، قال : انه لا يستقيم لنا الأمر إلاَّ بذلك .
ج16/210 رواية الجوهري عن محمد بن إسحاق .
231 رواية الجوهري عن محمد بن إسحاق قال : سالت جعفر بن محمد في سهم ذوي القربى كيف سار فيه علي ؟ قال : بسيرة أبي بكر وعمر كره ان يدعى عليه مخالفتهما .
249 -252 السيد المرتضى بسنده إلى الشرقي بن القطامي عن ابن إسحاق خطبة الزهراء لما منعت فدك .
ج17 /240 -241 المدائني عن علي بن مجاهد عن ابن إسحاق النبي يخبر عن جندب وزيد بن صوحان .
شرح النهج ج12 / 52-55 عن عبد الله بن عمر قال : كنت عند أبي يوما وعنده نفر من الناس فجرى ذكر الشعر ، فقال : من اشعر العرب ؟ فقالوا : فلان وفلان ، فطلع عبد الله بن عباس فسلم وجلس ، فقال : عمر قد جاءكم الخبير ... الخ، ولم يذكر مصدره وقد روى هذا الخبر الطبري في ج4/222-224 عن ابن اسحاق وفيما يلي نصه عنه :
قال الطبري حدَّثني ابن حميد قال : حدَّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق . عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال : بينما عمر بن الخطاب وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر فقال بعضهم : فلان أشعر وقال بعضهم بل فلان أشعر ، قال فأقبلت فقال عمر : قد جاءكم أعلم الناس بها فقال عمر : من شاعر الشعراء يا بن عباس قال : فقلت : زهير بن أبي سلمى ، فقال عمر : هلم من شعره ما نستدل به على ما ذكرت فقلت أمتدح قوما من بني عبد الله بن غطفان فقال :
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا مرزءون بهاليل إذا حشدوا
محسدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منهم ماله حسدوا
فقال عمر : أحسن ، وما أعلم أحدا أولى بهذا الشعر من هذا الحي من بني هاشم لفضل رسول الله صلى الله عليه وآله وقرابتهم منه فقلت : وفقت يا أمير المؤمنين ولم تزل موفقا .
فقال : يا بن عباس أ تدري ما منع قومكم منهم بعد محمد فكرهت أن أجيبه ، فقلت : إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني .
فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة ، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت .
فقلت : يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت . فقال : تكلم يا بن عباس فقلت : أما قولك يا أمير المؤمنين : اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود .
و أما قولك : إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال : (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) .
فقال عمر : هيهات والله يا بن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أفرك عنها فتزيل منـزلتك مني .
فقلت : وما هي يا أمير المؤمنين فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منـزلتي منك وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه .
فقال عمر : بلغني أنك تقول : إنما صرفوها عنا حسدا وظلما .
فقلت : أما قولك يا أمير المؤمنين : ظلما فقد تبين للجاهل والحليم وأما قولك : حسدا فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون .
فقال عمر : هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا ما يحول وضغنا وغشا ما يزول .
فقلت : مهلا يا أمير المؤمنين لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله صلى الله عليه وآله من قلوب بني هاشم .
فقال عمر : إليك عني يا بن عباس .
فقلت : أفعل فلما ذهبت لأقوم استحيا مني .
فقال : يا بن عباس مكانك فو الله إني لراع لحقك محب لما سرك .
فقلت : يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحفظه أصاب ومن إضاعة فحظه أخطأ .
وفي رواية ابن أبي الحديد : فقال عمر لجلسائه واها لابن عباس ما رايته لاحى احدا قط إلاَّ خصمه .
قصة وفاة أبي ذر :
(شرح نهج البلاغه) ج 3 باب 43 ص 44 . روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي ان عثمان ضرب ابن مسعود اربعين سوطا في دفنه أبا ذر ، وهذه قصة اخرى ، وذلك ان أبا ذر رحمه الله لما حضرته الوفاة بالربذة وليس معه إلاَّ امراته وغلامه عهد اليهما ان غسلاني ثمَّ كفناني ثمَّ ضعاني على قارعة الطريق ، فاول ركب يمرون بكم قولوا لهم : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فاعينونا على دفنه ، فلما مات فعلوا ذلك واقبل ابن مسعود في ركب من العراق معتمرين فلم يرعهم إلاَّ الجنازة على قارعة الطريق قد كادت الابل تطؤها ، فقام اليهم العبد فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله) فاعينونا على دفنه ، فانهل ابن مسعود باكيا وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ثمَّ نـزل هو واصحابه فواروه
أقول : ذكر هذه القصة محمد بن سعد قال أخبرنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدَّثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال حدَّثني بريدة بن سفيان الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود قال لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وساق القصة .
ورواها ابن سعد أيضاً من طرق أخرى بتفاصيل أكثر ، قال : أخبرنا عفان : أخبرنا وهيب : أخبرنا عبدالله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الاشتر ، أن أبا ذر حضره الموت بالربذة ، فبكت امرأته ، فقال وما يبكيك ؟ قالت : أبكي أنه لابد من تغييبك وليس عندي ثوب يسعك كفنا .
قال : لاتبكي ! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ، وأنا عنده في نفر ، يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة تشهده عصابة من المؤمنين ، فكلهم
قال : راقبي الطريق فبينا هي كذلك ، إذ هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم
قالت : رجل من المسلمين تكفنونه ، وتؤجرون فيه . قالوا : ومن هو ؟ .
قالت : أبوذر . ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه .
فقال : أبشروا ، أنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال سمعته يقول : "ما من امرأين من المسلمين هلك بينهما ولدان ]أو ثلاثة [فاحتسبا وصبرا ، فيريان النار أبدا" .
ثم قال : وقد أصبحت اليوم حيث ترون ، ولو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه . أنشدكم الله : أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا .
فكل القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الانصار ، قال : أنا صاحبك ، ثوبان في عيبتي
ثم قال ابن سعد : حدَّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدَّثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الاشتر ، عن أبيه ، أنه لما حضر أبا ذر الموت ، بكت امرأته - فذكره وزاد - : فكفنه الانصاري في النفر الذين شهدوه ، منهم : حجر بن الادبر ، ومالك بن الاشتر
أقول : ورواها البلاذري قال : لما حضرت الوفاة أبا ذر بالربذة اقبل ركب بن أهل الكوفة فيهم جرير بن عبد الله البجلي ومالك بن الحارث الاشتر النخعي والاسود بن يزيد بن قيس بن يزيد النخعي أخي علقمة بن قيس بن يزيد الفقيه في عدة آخرين فسألوا عنه ليسلموا عليه فوجدوه وقد توفي فحنطه جرير وكفنه وصلى عليه ودفنه
______________________
(1) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 1/214 .
(2) ابن النديم : الفهرست 111 .
(3) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 1/214 .
(4) روى البلاذري ق4ج1/545 عن الواقدي ان ابن مسعود صلى على ابي ذر في آخر ذي القعدة سنة 31 .
(5) في "الطبقات" فكل من كان معي في ذلك المجلس .
(6) تخب : تسرع ، والرخم ، جمع رخمة ، وهو : طائر أبقع على شكل النسر خلقة إلا أنه مبقع بسواد وبياض .
(7) العيبة : ما تجعل فيه الثياب .
(8) أخرجه ابن سعد 4 / 232 ، وأحمد 5 / 166 ، وذكره الهيثمي في "المجمع" 9 / 331 ونسبه لأحمد وقال : رجاله رجال الصحيح . ورواه ابن الاثير في "أسد الغابة" 1 / 358 من طريق ابن إسحاق ، أخبرنا عفان بن مسلم ، أخبرنا وهيب ، أخبرنا عبدالله بن خثيم ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الاشتر ، عن أبيه ، عن زوجة أبي ذر .. ورواه ابن سعد 4 / 233 ، 234 من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن يحيى بن سليم ، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الاشتر عن أبيه مالك بن الحارث .. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1 / 169 ، 170 وابن عبدالبر في "الاستيعاب" 2 / 172 ، 175 . من طريق يحيى بن سليم ، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الاشتر ، عن أبي الاشتر ، عن أم ذر .
(9) الذهبي : سير أعلام النبلاء 2 /75 .
(10) البلاذري : أنساب الأشراف 11/127 .