المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الثالث : تراجم اصحاب الأصول التاريخية التي اعتمد عليها ابن أبي الحديد
قال محمد بن سعد : محمد بن عمر بن واقد ، ويكنى أبا عبد الله الواقدي مولى لبني سهم من أسلم وكان قد تحول من المدينة فنـزل بغداد وولي القضا ء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي أربع سنين وكان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه ، وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدث بها .
وحدَّثني أحمد بن مسبح قال : حدَّثني عبد الله بن عبيد الله قال : قال لي الواقدي : حج أمير المؤمنين هارون الرشيد ، فورد المدينة ، فقال ليحيى بن خالد : أرتاد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد وكيف كان نـزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله ومن أي وجه كان يأتيه وقبور الشهداء ، فسأل يحيى بن خالد فكل دله علي ، فبعث إلي فأتيته وذلك بعد العصر ، فقال لي : يا شيخ إن أمير المؤمنين أعزه الله يريد أن تصلي عشاء الآخرة في المسجد وتمضي معنا إلى هذه المشاهد ، فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل عليه السلام وكن بالقرب ، فلما صليت عشاء الآخرة إذ أنا بالشموع قد خرجت وإذا أنا برجلين على حمارين ، فقال يحيى : أين الرجل ؟ فقلت : ها أنا ذا ، فأتيت به إلى دور المسجد ، فقلت : هذا الموضع الذي كان جبريل يأتيه ، فنـزلا عن حماريهما فصليا ركعتين ودعوا الله ساعة ، ثمَّ ركبا وأنا بين أيديهما فلم أدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مررت بهما عليه ، فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء ، فلم نـزل كذلك حتّى وافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن ، فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى بن خالد : أيها الشيخ لا تبرح ، فصليت الغداة في المسجد وهو على الرحلة إلى مكة فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت ، فأدنى مجلسي وقال لي : إن أمير المؤمنين أعزه الله لم يزل باكيا وقد أعجبه ما دللته عليه ، وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم فإذا بدرة مبدرة قد دفعت إلي ، وقال لي : يا شيخ خذها مبارك لك فيها ونحن على الرحلة اليوم ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله ، ورحل أمير المؤمنين وأتيت منـزلي ومعي ذلك المال ، فقضينا منه دينا كان علينا وزوجت بعض الولد واتسعنا .
ثمَّ إن الدهر أعضَّنا ، فقالت لي أم عبد الله : يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقرت به الدار ، فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق ، فأتيت العراق فسألت عن خبر أمير المؤمنين ، فقالوا لي : هو بالرقة فأردت الانصراف إلى المدينة فنظرت فإذا أنا بالمدينة مختل الحال ، فحملت نفسي على أن أصير إلى الرقة فصرت إلى موضع الكرى ، فإذا أنا بعدة فتيان من الجند يريدون الرقة ، فلما رأوني قالوا : أيها الشيخ أين تريد فخبرتهم بخبري وأني أريد الرقة ، فنظرنا في كرى الجمالين فإذا هي تضعف علينا ، فقالوا : أيها الشيخ هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر علينا من كرى الجمال ، فقلت لهم : ما أعرف من هذا شيئا والأمر إليكم ، فصرنا إلى السفن فاكترينا فما رأيت أحدا كان أبر بي منهم ولا أشفق ولا أحوط يتكلفون من خدمتي وطعامي ما يتكلفه الولد من والده حتّى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة وكان الجواز صعبا جدا ، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني في عدادهم ، فمكثنا أياما ، ثمَّ جاءنا الإذن بأسمائنا ، فجزت مع القوم فصرت إلى موضع لهم في خان نـزول فأقمت معهم أياما وطلبت الإذن ، على يحيى بن خالد فصعب علي ، فأتيت أبا البختري وهو بي عارف فلقيته ، فقال لي : يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكن لست أدع أن أذكرك له وكنت أغدو إلى بابه وأروح ، فقلت : نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي ، وأيست من ناحية أبي البختري فلم أخبر رفقائي بشئ وعدت منصرفا إلى المدينة .
فمرة أنا في سفينة ومرة أمشي حتّى وردت السيلحين ، فبينا أنا مستريح في سوقها إذا أنا بقافلة من بغداد ، فسألت من هم فأخبروني أنهم من أهل مدينة الرسول الله صلى الله عليه وآله وأن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة والزبيري أصدق الناس لي ، فقلت : أدعه حتّى ينـزل ويستقر ، ثمَّ آتيه ، فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فدخلت فسلمت عليه ، فقال لي : يا أبا عبد الله ماذا صنعت في غيبتك فأخبرته بخبري وبخبر أبي البختري ، فقال لي : أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحد ولا ينبه باسمك فما الرأي فقلت : الرأي أن أصير إلى المدينة ، فقال : هذا رأي خطأ خرجت من المدينة على ما قد علمت ، ولكن الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيى أمرك ، فركبت مع القوم حتّى صرت إلى الرقة ، فلما عبرنا الجواز قال لي : تصير معي ؟ فقلت : لا أصير إلى أصحابي وأنا مبكر عليك غدا لنصير جميعا إلى باب يحيى بن خالد إن شاء الله ، فدخلت على أصحابي ، فكأني وقعت عليهم من السماء ، ثمَّ قالوا لي : يا أبا عبد الله ما كان خبرك ؟ فقد كنا في غم من أمرك ، فخبرتهم بخبري ، فأشار علي القوم بلزوم الزبيري وقالوا : هذا طعامك وشرابك لا تهتم له .
فغدوت بالغداة إلى باب الزبيري ، فخبرت بأنه قد ركب إلى باب يحيى بن خالد ، فأتيت باب يحيى بن خالد ، فقعدت مليا ، فإذا صاحبي قد خرج فقال لي : يا أبا عبد الله نسيت أن أذاكره أمرك ولكن قف بالباب حتّى أعود إليه ، فدخل ثمَّ خرج إلي الحاجب ، فقال لي : ادخل فدخلت عليه في حالة خسيسة ، وذلك في شهر رمضان وقد بقي من الشهر ثلاثة أيّام أو أربعة ، فلما رآني يحيى بن خالد في تلك الحال رأيت أثر الغم في وجهه وسلم علي وقرب مجلسي وعنده قوم يحادثونه ، فجعل يذاكرني الحديث بعد الحديث ، فانقطعت عن إجابته وجعلت أجى بالشى ليس بالموافق لما يسأل ، وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب وأنا ساكت ، فلما انقضى المجلس وخرج القوم خرجت ، فإذا خادم ليحيى بن خالد قد خرج فلقيني عند الستر فقال لي : إن الوزير يأمرك أن تفطر عنده العشية ، فلما صرت إلى أصحابي خبرتهم بالقضية وقلت : أخاف أن يكون غلط بي ، فقال لي بعضهم : هذه رغيفان وقطعة جبن وهذه دابتي تركب والغلام خلفك ، فإن أذن لك الحاجب بالدخول دخلت ودفعت ما معك إلى الغلاموإن تكن الأخرى صرت إلى بعض المساجد فأكلت ما معك وشربت من ماء المسجد .
فانصرفت فوصلت إلى باب يحيى بن خالد وقد صلى الناس المغرب ، فلما رآني الحاجب قال : يا شيخ أبطأت وقد خرج الرسول في طلبك غير ، مرة فدفعت ما كان معي إلى الغلام وأمرته بالمقام ، فدخلت فإذا القوم قد توافوا فسلمت وقعدت وقدم الوضوء فتوضأنا وأنا أقرب القوم إليه ، فأفطرنا وقربت عشاء الآخرة فصلى بنا ، ثمَّ أخذنا مجالسنا ، فجعل يحيى يسألني وأنا منقطع والقوم يجيبون بأشياء هي عندي على خلاف ما يجيبون ، فلما ذهب الليل خرج القوم وخرجت خلف بعضهم ، فإذا غلام قد لحقني ، فقال : إن الوزير يأمرك أن تصير إليه قابلة قبل الوقت الذي جئت فيه يومك هذا وناولني كيسا ما أدري ما فيه إلا أنه ملأني سرورا .
فخرجت إلى الغلام فركبت ومعي الحاجب حتّى صيرني إلى أصحابي ، فدخلت عليهم فقلت : اطلبوا لي سراجا ، ففضضت الكيس فإذا دنانير ، فقالوا لي : ما كان رده عليك فقلت : إن الغلام أمرني أن أوافيه قبل الوقت الذي كان من ليلتي هذه ، وعددت الدنانير فإذا خمسمائة دينار ، فقال لي بعضهم : علي شراء دابتك ، وقال آخر : علي السرج واللجام وما يصلحه ، وقال آخر : علي حمامك وخضاب لحيتك وطيبك ، وقال آخر : علي شراء كسوتك ، فانظر في أي الزي القوم فعددت مائة دينار فدفعتها إلى صاحب نفقتهم ، فحلف القوم بأجمعهم أنهم لا يرزؤوني دينارا ولا درهما ، وغدوا بالغداة كل واحد على ما انتدب لي فيه فما صليت الظهر إلا وأنا من أنبل الناس وحملت باقي الكيس إلى الزبيري ، فلما رآني بتلك الحال سر سرورا شديدا ، ثمَّ أخبرته الخبر ، فقال لي : إني شاخص إلى المدينة ، فقلت : نعم إني قد خلفت العيال على ما قد علمت فدفعت إليه مائتي دينار يوصلها إلى العيال .
ثمَّ خرجت من عنده ، فأتيت أصحابي بجميع ما كان معي من الكيس ثمَّ صليت العصرفتهيأت بأحسن هيئة ، ثمَّ حضرت إلى باب يحيى بن خالد ، فلما رآني الحاجب قام فأذن لي ، فدخلت على يحيى ، فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى السرور في وجهه فجلست في مجلسي ، ثمَّ ابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم فنظرت إلى القوم وتقطيبهم لي وأقبل يحيى يسائلني عن حديث كذاوحديث كذا فأجيب فيما يسألني ، والقوم سكوت ما يتكلم أحد منهم بشيء ، فلما حضرت المغرب تقدم يحيى فصلى ثمَّ أحضر الطعام فتعشينا ثمَّ صلى بنا يحيى عشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا فلم نـزل في مذاكرة وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع ، فلما كان وقت الانصراف انصرف القوم وانصرفت معهم فإذا الرسول قد لحقني ، فقال : إن الوزير يأمرك أن تصير إليه في كل يوم في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا ، وناولني كيسا فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتّى صرت إلى أصحابي وأصبت سراجا عندهم فدفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سرورا مني فلما كان الغد قلت لهم : أعدوا لي منـزلا بالقرب منكم واشتروا لي جارية وغلاما خبازا وأثاثا ومتاعا فلم أصل الظهر إلا وقد أعدوا لي ذلك وسألتهم أن يكون إفطارهم عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبة شديدة .
فلم أزل آتي يحيى بن خالد في كل ليلة في الوقت ، كلما رآني ازداد سرورا فلم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمسمائة دينار حتّى كان ليلة العيد ، فقال لي : يا أبا عبد الله تزين غدا لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة واعترض له فإنه سيسألني عن خبرك فأخبره فلما كان صبيحة يوم العيد خرجت في أحسن زي وخرج الناس وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى ، فجعل أمير المؤمنين يلحظني فلم أزل في الموكب فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى بن خالد ولحقنا يحيى بعد دخول أمير المؤمنين منـزله ، فقال لي : يا أبا عبد الله ادخل بنا ، فدخلت ودخل القوم ، فقال لي : يا أبا عبد الله ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وأنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة وأمر لك بثلاثين ألف درهم وأنا متنجزها لك غدا إن شاء الله .
ثمَّ انصرفت يومي ذلك ، فدخلت من الغد على يحيى بن خالد ، فقلت : أصلح الله الوزير حاجة عرضت وقد قضيت على الوزير أعزه الله بقضائها ، فقال لي : وما ذلك فقلت : الإذن إلى منـزلي فقد اشتد الشوق إلى العيال والصبيان ، فقال لي : لا تفعل ن فلم أزل أنازله حتّى أذن لي ، واستخرج لي الثلاثين الألف درهم وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحمله معي إلى المدينة وأمر وكيله بالعراق أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينار ولا درهم ، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم بالخبر وحلفت عليهم أن يأخذوا مني ما أصلهم به ، فحلف القوم أنهم لا يرزؤوني دينارا ولا درهما فوالله ما رأيت مثل أخلاقهم فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد .
وحدَّثني أحمد بن مسبح قال : حدَّثني عبد الله بن عبيد الله قال : كنت عند الواقدي جالسا إذ ذكر يحيى بن خالد بن برمك ، قال : فترحم عليه الواقدي فأكثر الترحم قال : فقلنا له : يا أبا عبد الله إنك لتكثر الترحم عليه قال : وكيف لا أترحم على رجل أخبرك عن حاله كان قد بقي علي من شهر شعبان أقل من عشرة أيّام وما في المنـزل دقيق ولا سويق ولا عرض من عروض الدنيا ، فميزت ثلاثة من إخواني في قلبي فقلت : أنـزل بهم حاجتي فدخلت على أم عبد الله وهي زوجتي فقالت : ما وراءك يا أبا عبد الله وقد أصبحنا وليس في البيت عرض من عروض الدنيا من طعام أو سويق أو غير ذلك وقد ورد هذا الشهر فقلت لها : قد ميزت ثلاثة من إخواني أنـزل بهم حاجتي ، فقالت : مدينون أو عراقيون قال قلت : بعض مديني وبعض عراقي ، فقالت : اعرضهم علي ، فقلت لها : فلان ، فقالت : رجل حسيب ذو يسار إلا أنه منان لا أرى لك أن تأتيه فسم الآخر ، فسميت الآخر ، فقلت : فلان ، فقالت : رجل حسيب ذو مال إلا أنه بخيل لا أرى لك أن تأتيه ، قال فقلت : فلان ، فقالت : رجل كريم حسيب لا شيء عنده ولا عليك أن تأتيه ، قال : فأتيته فاستفتحت عليه الباب ، فأذن لي عليه فدخلت فرحب وقرب وقال لي : ما جاء بك يا أبا عبد الله فأخبرته بورود الشهر وضيق الحال ، قال : ففكر ساعة ثمَّ قال لي : ارفع ثني الوسادة فخذ ذلك الكيس فطهره واستنفقه ، فإذا هي دراهم مكحلة ، فأخذت الكيس وصرت إلى منـزلي فدعوت رجلا كان يتولى شراء حوائجي ، فقلت : اكتب من الدقيق عشرة أقفزة ومن الأرز قفيزا ومن السكر كذا ، حتّى قص جميع حوائجه ، فبينا نحن كذلك إذ سمعت دق الباب ، فقلت : انظروا من هذا فقالت : الجارية هذا فلان بن فلان بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فقلت : ائذني له ، فقمت له عن مجلسي ورحبت به وقربت وقلت له : يا بن رسول الله ما جاء بك فقال لي : يا عم أخرجني ورود هذا الشهر وليس عندنا شيء ، ففكرت ساعة ثمَّ قلت له : ارفع ثني الوسادة فخذ الكيس بما فيه فأخذ الكيس ، ثمَّ قلت لصاحبي : اخرج فخرج ، فدخلت أم عبد الله فقالت : ما صنعت في حاجة الفتى فقلت : لها دفعت إليه الكيس بأسره ، فقالت لي : وفقت وأحسنت ، ثمَّ فكرت في صديق لي بقرب المنـزل فانتعلت وخرجت إليه ، فدققت الباب ، فأذن لي فدخلت فسلم علي ورحب وقرب ، ثمَّ قال لي : ما جاء بك أبا عبد الله فخبرته بورود الشهر وضيق الحال ففكر ساعة ثمَّ قال لي : ارفع ثني الوسادة فخذ الكيس فخذ نصفه وأعطنا نصفه ، فإذا كيسي بعينه فأخذت خمسمائة ، درهم ودفعت إليه خمسمائة وصرت إلى منـزلي فدعوت الرجل الذي كان يلي شراء حوائجي ، فقلت له : اكتب خمسة أقفزة دقيق فكتب لي جميع ما أردت من حوائجي ، فبينا أنا كذلك إذا أنا بداق يدق الباب فقلت للخادم : انظري من هذا فخرجت ثمَّ رجعت إلي فقالت : خادم نبيل ، فقلت لها : ائذني له ، فنـزل فإذا كتاب من يحيى بن خالد يسألني المصير إليه في وقته ذلك ، فقلت للرجل : اخرج ولبست ثيابي وركبت دابتي ، ثمَّ مضيت مع الخادم فأتيت منـزل يحيى بن خالد رحمه الله فدخلت عليه وهو جالس في صحن داره فلما رآني وسلمت عليه رحب وقرب وقال : يا غلام مرفقة ، فقعدت إلى جانبه فقال لي : أبا عبد الله تدري لم دعوتك قلت : لا ، فقال : أسهرتني ليلتي هذه فكرة في أمرك وورود هذا الشهر وما عندك ، فقلت ، أصلح الله الوزير إن قصتي تطول ، فقال لي : إن القصة كلما طالت كان أشهى لها ، فخبرته بحديث أم عبد الله وحديث إخواني الثلاثة وما كان من ردها لهم وخبرته بحديث الطالبي وخبر أخي الثاني المواسي له بالكيس ، فقال : يا غلام دواة فكتب رقعة إلى خازنه فإذا كيس فيه خمسمائة دينار ، فقال لي : يا أبا عبد الله استعن بهذا على شهرك : ثمَّ رفع رقعة إلى خازنه فإذا صرة فيها مائتا دينار ، فقال : هذا لأم عبد الله لجزالتها وحسن عقلها ثمَّ رفع رقعة أخرى فإذا مائتا دينار ، فقال : هذا للطالبي ، ثمَّ رفع رقعة أخرى فإذا صرة أخرى فيها مائتا دينار ، فقال : هذا للمواسي لك ، ثمَّ قال لي : انهض أبا عبد الله في حفظ الله ، قال : فركبت من فوري فأتيت صاحبي الذي واساني بالكيس ، فدفعت إليه المائتي دينار ، وخبرته بخبر يحيى بن خالد فكاد يموت فرحا ، ثمَّ أتيت الطالبي فدفعت إليه الصرة وأخبرته بخبر يحيى بن خالد فدعا وشكر ، ثمَّ دخلت منـزلي فدعوت أم عبد الله فدفعت إليها الصرة ، فدعت وجزت خيرا فكيف ألام على حب البرامكة يحيى بن خالد خاصة .
وتوفي وهو على القضاء في ذي الحجة سنة سبع ومائتين وصلى عليه محمد بن سماعه التميمي وهو يومئذ على القضاء ببغداد في الجانب الغربي وأوصى محمد بن عمر إلى عبد الله بن هارون أمير المؤمنين فقبل وصيته وقضى دينه وكان لمحمد بن عمر يوم مات ثمان وسبعون سنة ، قال محمد بن سعد : أخبرني أنه ولد في أول سنة ثلاثين ومائة
قال الخطيب : محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله الواقدي المدني قدم بغداد وولي قضاء الجانب الشرقى فيها وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره ولم يخف على أحدعرف أخبار الناس امره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صلى الله عليه وآله والاحداث التي كانت في وقته وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء .
إسماعيل بن مجمع وهو الكلبي قال : سمعت أبا عبد الله الواقدي يقول : ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلاَّ وسألته هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل ! فإذا اعلمنى مضيت إلى الموضع فاعاينه ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها وما علمت غزاة إلاَّ مضيت إلى الموضع حتّى اعاينه أو نحو هذا الكلام .
قال : فحدَّثني بن منيع قال : سمعت هارون القروى يقول : رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة ، فقلت : أين تريد ؟ فقال : أريد ان أمضى إلى حنين حتّى أرى الموضع والوقعة .
قال الذهبي : هو محمد بن عمر بن واقد الواسطي مولاهم أبو عبد الله المدني الحافظ البحر لم اسق ترجمته هنا لاتفاقهم على ترك حديثه وهو من أوعية العلم لكنه لا يتقن الحديث وهو رأس في المغازي والسير ويروى عن كل ضرب ولي قضاء بغداد ، وكان له رئاسة وجلالة وصورة عظيمة ، عاش ثمانيا وسبعين سنة رحمه الله وسامحه
أقول : اختلفوا في الواقدي على قولين :
أما يحيى بن معين وعلي بن المدائني وأحمد بن حنبل والنسائي وابن عدي وأبو داود وبندار وإسحاق بن راهويه وأبو حاتم وابوالعرب فقد حكموا عليه بالكذب .
واما إبراهيم بن جابر الفقيه
روايات ابن أبي الحديد عنه من كتبه المفقودة :
كتاب صفين : 5/228 ، ج6/313 .
كتاب الدار (قصة قتل عثمان) : ج2/ 134 ، 140-143 ، 149-151 ، ج3/7-8 ، 1917-20 ، 27-28 ، 35-37 ، 39 ، 43-5544-58 ، 64-65 ، ج8/258-260 ج10/7 ، ج10/103 .
كتاب الجمل : 4/46 ، 62 ، ج1/253-256 ، 262-263 ، ج7/284 ، ج13/9ج14/13 ، ج18/68 .
كتاب الشورى : 9/15 ، 49-58 ، ج9/15-16 .
تاريخ الواقدي : ج2 /72 (معاوية يلعن عليا بعد بيعة الحسن) ج6/19 . ج6/160 كانت وقعة مرج راهط سنة 65 . ج6/165 وفاة مروان وهو ابن 63 . ج16/181 أبو سفيان وزياد عند عمر . 280 روى الواقدي في تاريخه ... دفنت فاطمة عليها السلام بالليل .
______________________
(1) ابن سعد : الطبقات الكبرى 5/425 .
(2) الذهبي : تذكرة الحفاظ1/348 .
(3) إبراهيم بن جابر أبو إسحاق الفقيه حدث عن الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي والحسن بن أبي الربيع الجرجاني وأحمد بن منصور الرمادي وعباس بن محمد الدوري ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وحمدان بن علي الوراق روى عنه أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال وأبو القاسم الطبراني وعبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، وكان ثقة إماما وله كتاب مصنف في اختلاف الفقهاء جم المنافع كثير الفوائد أخبرنا أبو الفرج محمد بن عبد الله بن شهريار الأصبهاني أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني حدَّثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي حدَّثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي حدَّثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي حدَّثنا شريك عن عاصم بن سليمان الأحول عن أبي المتوكِّل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكارا ، قال سليمان : لم يروه عن عاصم إلا شريك تفرد به معلى حدَّثني الأزهري عن أبي الحسن الدارقطني قال إبراهيم بن جابر : أبو إسحاق الفقيه صاحب كتاب الاختلاف امام فاضل ذكر لي أبو بكر البرقاني أن أربعة من أهل العلم اجتمع لهم الفقه والحديث أحدهم إبراهيم بن جابر بلغني أن إبراهيم بن جابر ولد في سنة خمس وثمانين ومائتين ومات في شهر ربيع الآخر من سنة عشر وثلاثمائة .
(4) قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 2/584م 4 : الصاغاني الحافظ الحجة محدث بغداد أبو بكر محمد بن إسحاق قال بن أبي حاتم : هو ثبت صدوق ، وقال بن خراش : ثقة مأمون ، وقال الدارقطني : ثقة وفوق الثقة ، وعن أبي مزاحم الخاقاني : كان أبو بكر الصاغاني يشبه بيحيى بن معين في وقته ، وقال أبو بكر الخطيب : كان أحد الاثبات المتقين مع صلابة في الدين واشتهار بالسنة واتساع في الرواية ، قال بن كامل : مات في صفر سنة سبع ومائتين .
(5) قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 2/584 : الحربي الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق البغدادي أحد الاعلام ولد سنة ثمان وتسعين ومائة تفقه علي الإمام أحمد فكان من جلة اصحابه ، قال الخطيب : كان إماما في العلم رأسا في الزهد عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام حافظا للحديث ميزا لعلله قيما بالأدب جماعا للغة صنف غريب الحديث وكتبا كثيرة أصله من مرو ، قال القفطى : غريب الحديث له من أنفس الكتب واكبرها ، قال ثعلب ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو من خمسين سنة ، قال السلمي سألت الدارقطني عن إبراهيم الحربي ؟ فقال : كان يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه وقيل ان المعتضد سير إلى الحربي عشرة آلاف فردها ثمَّ سير إليه مرة أخرى ألف دينار ، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : قال لي أبي امض إلى إبراهيم الحربي حتّى يلقي عليك الفرائض ، قال الحاكم : سمعت محمد بن صالح القاضى قال لا نعلم ان بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الفقه والحديث والأدب والزهد يعنى من جميع هذه الأشياء ، وقال الدارقطني : هو امام بارع في كل علم صدوق ، قلت : مات في ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين .
(6) قال الخطيب في تاريخ بغداد 13/112 : مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام أبو عبد الله الزبيري المديني عم الزبير بن بكار سكن بغداد وحدث بها كتب عنه يحيى بن معين وأبو خيثمة وروى عنه الزبير بن بكار وأحمد بن أبي خيثمة وإبراهيم الحربي وصالح جزرة وموسى بن هارون ومحمد بن موسى البربري ويعقوب بن يوسف المطوعي وعبد الله بن أحمد بن حنبل وأبو القاسم البغوي وكان عالما بالنسب عارفا بأيّام العرب . قال العباس بن مصعب بن بشر : قال مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير : قد أدركته ببغداد وهو افقه قرشي في النسب ، أخبرني الأزهري أخبرنا أحمد بن إبراهيم حدَّثنا أحمد بن سليمان الطوسي حدَّثنا الزبير بن بكار قال : وكان مصعب بن عبد الله وجه قريش مروءة وعلما وشرفا وبيانا وجاها وقدرا ، قال محمد بن عثمان : سألت يحيى بن معين عن مصعب الزبيري ؟ فقال : ثقة ، قال : العباس بن محمد الدوري يقول سمعت يحيى بن معين وذكر النسب فقلت له إنما أخذه الزبيري عن الواقدي ، قال سليمان بن الأشعث سمعت أحمد بن حنبل يقول مصعب الزبيري مستثبت أخبرنا الحسن بن محمد الخلال قال : قال أبو الحسن الدارقطني مصعب بن عبد الله الزبيري ثقة قال الحسين بن فهم مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام يكنى أبا عبد الله نـزل بغداد وكان إذا سئل عن القرآن يقف ويعيب من لا يقف وتوفى ببغداد في شوال سنة ست وثلاثين ومائتين وهو إبن ثمانين سنة .
(7) قال ابن حجر : محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن المسيبي من ولد المسيب بن عابد المخزومي المدني صدوق من العاشرة مات سنة ست وثلاثين ومائتين م د .
(8) قال في ابن حجر تهذيب التهذيب 10/226 (ع الستة) معن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعيمولاهم القزاز أبو يحيى المدني أحد أئمة الحديث روى عن إبراهيم بن طهمان وأبي بن العباس بن سهل بن سعد ومعاوية بن صالح ومالك بن أنس وأبي الغصن ثابت بن قيس وخارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت وعبد العزيز بن المطلب وابن أبي ذئب ومحمد بن مسلم الطائفي وهشام بن سعد وعبد الرحمن بن أبي الموال وموسى بن يعقوب الزمعي وغيرهم روى عنه إبراهيم المنذر الحرمي ويحيى بن معين وعلى بن المديني والحميدي وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن يحيى بن أبي عمر وعيسى بن إسحاق بن الطباع وإسحاق بن موسى الأنصاري وعبد الله بن جعفر البرمكي والفضل بن الصباح ومحمد بن أحمد بن أبي خلف وأبو خيثمة وقتيبة ونصر بن علي وهارون بن عبد الله الحمال وصالح بن مسمار والحسين بن عيسى البسطامي ويونس بن عبد الأعلى وآخرون قال الميموني عن أحمد ما كتبت عنه شيئا وقال إسحاق بن موسى سمعته يقول كان مالك لا يجيب العراقيين في شى من الحديث حتّى أكون أنا أسأله وقال أبو حاتم أثبت أصحاب مالك وأتقنهم معن بن عيسى وهو أحب إلي من إبن وهب وقال إبن سعد كان يعالج القن يشتريه مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة وكان ثقة كثير الحديث ثبتا مأمونا قلت وقال إبراهيم بن الجنيد قلت ليحيى بن معين كان عند معن شى غير الموطأ قال قليل قال يحيى وإنما قصدنا إليه في حديث مالك قلت فكيف هو في حديث مالك قال ثقة وذكره إبن حبان في الثقات وقال كان هو الذي يتولى القراءة على مالك وقال الخليلي قديم متفق عليه رضي الشافعي بروايته .