المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الثالث : تراجم اصحاب الأصول التاريخية التي اعتمد عليها ابن أبي الحديد
قال الخطيب : محمد بن عبد الله أبو جعفر المعروف بالإسكافي أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين له تصانيف معروفة وكان الحسين بن علي الكرابيسي يتكلم معه ويناظره وبلغني أنه مات في سنة أربعين ومائتين
وقال ياقوت كان المعتصم العباسي (-227) يعظمه جدا
وقال ابن أبي الحديد : واما أبو جعفر الاسكافي وهو شيخنا محمد بن عبد الله الاسكافي عده قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة مع عباد بن سليمان الصيمري ومع زرقان ومع عيسى بن الهيثم الصوفي وجعل اول الطبقة ثمامة بن اشرس أبا معن ثمَّ أبا عثمان الجاحظ ثمَّ أبا موسى عيسى بن صبيح المردار ثمَّ أبا عمران يونس بن عمران ثمَّ محمد بن شبيب ثمَّ محمد بن اسماعيل بن العسكري ثمَّ عبد الكريم بن روح العسكري ثمَّ أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحام ثمَّ أبا الحسين الصالحي ثمَّ الجعفران جعفر بن جرير وجعفر بن ميسر ثمَّ أبا عمران بن النقاش ثمَّ أبا سعيد أحمد بن سعيد الاسدي ثمَّ عباد بن سليمان ثمَّ أبا جعفر الاسكافي هذا وقال كان أبو جعفر فاضلا عالما وصنف سبعين كتابا في علم الكلام .
و هو الذى نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته ودخل الجاحظ الوراقين ببغداد فقال من هذا الغلام السوادي الذى بلغني انه تعرض لنقض كتابي وأبو جعفر جالس فاختفي منه حتّى لم يره .
و كان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد ويبالغ في ذلك وكان علوي الرأي محققا منصفا قليل العصبية
وقال المسعودي : وقد نقض على الجاحظ كتاب العثمانية أيضاً رجل من شيوخ البغداديين ورؤسائهم وأهل الزهد والديانة منهم ممن يذهب إلى تفضيل علي والقول بإمامة المفضول وهو أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي
أقول : وموقف الإسكافي من الإمامية موقف سلبي كموقف ابن أبي الحديد ، قال ابن أبي الحديد قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله اننا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم ولسنا كالإمامية الذين يحملهم الهوى على جحد الامور المعلومة ولكننا ننكر تفضيل احد من الصحابة على علي بن أبي طالب ولسنا ننكر غير ذلك
و من المؤسف ان اسماء كتب الإسكافي لم يذكرها لنا البغدادي ولا ابن أبي الحديدنعم حفظ لنا هذا الاخير كتاب (نقض العثمانية) وعثر احد الفضلاء المعنيين بالتحقيق
كتاب نقض العثمانية (وهو رد على كتاب العثمانية للجاحظ) :
ج4/63-110 الاحاديث الموضوعة في ذم علي والمنحرفون عنه .
ج11/14-15 خبر تفاخر علي والزبير وتعليق الإسكافي عليه ،
119 مذهب قدماء البغداديين تفضيل علي .
ج13/219 -295 كله في نقض العثمانية .
ج14/66 الإسكافي يرى ايمان أبي طالب
ج17/131 كتابه الى طلحة والزبير مع عمران بن الحصين .
ج7/35-42 ، 46 : قال أبو جعفر :
لما اجتمعت الصحابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بعد قتل عثمان للنظر في امر الامامة اشار أبو الهيثم بن التيهان ورفاعة بن رافع ومالك بن العجلان وأبو ايوب الانصاري وعمّار بن ياسر بعلي عليه السلام وذكروا فضله وسابقته وجهاده وقرابته ، فأجابهم الناس إليه فقام كل واحد منهم خطيبا يذكر فضل علي عليه السلام فمنهم من فضله على أهل عصره خاصة ومنهم من فضله على المسلمين كلهم كافة ثمَّ بويع .
وصعد المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعة وهو يوم السبت لاحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة فحمد الله واثنى عليه وذكر محمدا فصلى عليه ثمَّ ذكر نعمة الله على أهل الإسلام ثمَّ ذكر الدنيا فزهدهم فيها وذكر الاخرة فرغبهم اليها ثمَّ قال :
"اما بعد فانه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف الناس أبا بكر ثمَّ استخلف أبو بكر عمر فعمل بطريقه ثمَّ جعلها شورى بين ستة فافضى الأمر منهم إلى عثمان فعمل ما انكرتم وعرفتم ثمَّ حصر وقتل ثمَّ جئتموني طائعين فطلبتم إلي وانما انا رجل منكم لي ما لكم وعلي ما عليكم .
وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة واقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ولا يحمل هذا الأمر إلاَّ أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمر .
واني حاملكم على منهج نبيكم ص ومنفذ فيكم ما امرت به ان استقمتم لي وبالله المستعان .
ألا ان موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته كموضعي منه أيّام حياته فامضوا لما تؤمرون به وقفوا عند ما تنهون عنه ولا تعجلوا في امر حتّى نبينه لكم فان لنا عن كل امر تنكرونه عذرا .
ألا وان الله عالم من فوق سمائه وعرشه انى كنت كارها للولاية على أمة محمد حتّى اجتمع رايكم على ذلك لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ايما وال ولي الأمر من بعدي اقيم على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فان كان عادلا انجاه الله بعدله وان كان جائرا انتفض به الصراط حتّى تتزايل مفاصله ثمَّ يهوي إلى النار فيكون اول ما يتقيها به انفه وحر وجهه .
ولكني لما اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم .
ثمَّ التفت عليه السلام يمينا وشمالا فقال : ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الانهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عارا وشنارا ، اذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه واصرتهم إلى حقوقهم التى يعلمون فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا ، ألا وايما رجل من المهاجرين والانصار من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يرى ان الفضل له على من سواه لصحبته فان الفضل النير غدا عند الله وثوابه واجره على الله ، وايما رجل استجاب لله وللرسول فصدق ملتنا ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده فانتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لاحد على احد وغدا احسن الجزاء وافضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين اجرا ولا ثوابا وما عند الله خير للابرار واذا كان غدا ان شاء الله فاغدوا علينا فان عندنا مالاً نقسمه فيكم ، ولا يتخلفن احد منكم عربي ولا عجمي كان من أهل العطاء او لم يكن إلاَّ حضر اذا كان مسلما حرا أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم" ثمَّ نزل .
قال شيخنا أبو جعفر : وكان هذا اول ما انكروه من كلامه عليه السلام واورثهم الضغن عليه وكرهوا اعطاءه وقسمه بالسوية فلما كان من الغد غدا وغدا الناس لقبض المال ، فقال لعبيد الله بن أبي رافع : كاتبه إبدأ بالمهاجرين فنادهم واعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير ثمَّ ثن بالانصار فافعل معهم مثل ذلك ومن يحضر من الناس كلهم الاحمر والاسود فاصنع به مثل ذلك .
فقال سهل بن حنيف : يا امير المؤمنين هذا غلامي بالامس وقد اعتقته اليوم ، فقال نعطيه كما نعطيك فاعطى كل واحد منهما ثلاثه ، دنانير ولم يفضل احدا على احد وتخلف عن هذا القسم يومئذ طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قريش وغيرها .
______________________
(1) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 5/416 .
(2) العذيق النضيد ص 133 نقلا عن معجم البلدان 1/181 .
(3) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج17 / 132 -133 .
(4) المسعودي : مروج الذهب 3/253 .
(5) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ج13 / 275 .
(6) هو الشيخ محمد باقر المحمودي .