المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
الباب الثالث : تعريف بالموسوعات التاريخية وأصولها ومصنفيها
الفصل الثالث : تراجم اصحاب الأصول التاريخية التي اعتمد عليها ابن أبي الحديد
قال الخطيب : عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الكاتب الدينوري وقيل المروزي ، سكن بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهويه وغيره ، وكان ثقة دينا فاضلا وهو صاحب التصانيف المشهورة والكتب المعروفة ، منها غريب القرآن وغريب الحديث ومشكل القرآن ومشكل الحديث وادب الكتاب وعيون الأخبار وكتاب المعارف وغير ذلك سكن ابن قتيبة بغداد وروى فيها كتبه إلى حين وفاته .
مات سنة سبعين ، ومائتين قال ابن المنادي : ثمَّ ان أبا القاسم إبراهيم بن محمد بن أيوب بن بشير الصائغ أخبرني ان ابن قتيبة أكل هريسة فأصاب حرارة ثمَّ صاح صيحة شديدة ثمَّ اغمى عليه إلى وقت صلاة الظهر ، ثمَّ اضطرب ساعة ، ثمَّ هدأ فما زال يتشهد إلى وقت السحر ثمَّ مات
قال شاكر مصطفى : أما كتاب الامامة والسياسة ... فكتاب مطبوع أكثر من مرة ويبحث في تاريخ الخلافة وشروطها منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله حتّى عهد المأمون . وقد تشكك العلماء في نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة وأول من أعلن ذلك وعلله هو غاينفوس المجريطي في صدر كتابه عن الأندلس سنة 1881 ثمَّ تبعه دوزي وآخرون . وأوجه الشك في نسبة الكتاب كثيرة منها :
- لم يذكر أحد من مترجمي ابن قتيبة هذا الكتاب له .
- وذكر في الكتاب أنه استمد عددا من معلوماته ممن حضر فتح الأندلس وقد كان هذا الفتح سنة 92 وميلاد ابن قتيبة سنة 213 .
- وفي الكتاب جهل تاريخي لا يمكن أن يفوت ابن قتيبة كاعتباره أبا العباس والسفاح شخصيتين وجعله الرشيد خلفا للمهدي وذكر أن ابنه عبد الله دس له السم وليس للمهدي ابن بهذا الاسم .
- في الكتاب عناية بأخبار الاندلس لا يعرفها ابن قتيبة وغيره في العراق لعهودهم .
- شيوخ ابن قتيبة الذين يردون عادة في كتبه عنهم لا ذكر لهم أبدا في هذا الكتاب .
- المؤلف مالكي الهوى والمذهب وابن قتيبة حنفي .
يظهر في تضاعيف الكتاب أن مؤلفه مقيم في دمشق وابن قتيبة لم ير هذه المدينة .
في الكتاب ذكر لبلاد لم تكن موجودة زمن الرشيد . فمراكش لم يغزها موسى بن نصير وانما بناها يوسف بن تاشفين سنة 454/1062م سلطان المرابطين .
- وأخيرا فان اسلوب الكتاب مغاير لمألوف اسلوب ابن قتيبة ، وفيه عناية بالقصص والرواية .
ويرجح مرغليوث أن يكون مؤلف الكتاب من أهل القرن الثالث ، وعصر ما بعد الرشيد ، يوم اهتم الناس بالامامة وكيفية انتقالها وشروطها ... ولكن يظهر أن عهده متأخر عن ذلك أيضاً وربما كان من القرن الرابع وقد يكون لأكثر من مؤلف واحد لأن ثمة اختلافا بين قسمي الكتاب . وقد يكون صاحبة انما قصد إلى القصص والرواية الشعبية ففيه مواد خرافية وذكر لبعض الرسائل والخطب والحوار الموضوع الذي يصعب القبول بأصالة أخذه كوثائق ونصوص سياسية ، وبعض الرسائل فيه تتحدَّث أحيانا عن أمور جرت بعدها في الزمن وهذا يعني أنها وضعت بعد الأحداث واستنبطت منها ولم تكن بالعكس قبلها
وقال العلامة العسكري : أنا وجدنا بعض العلماء يروون عن هذا الكتاب وينسبونه إلى ابن قتيبة كابن العربي (ت : 543 هـ جـ) قال في ص 248 من كتابه (العواصم من القواصم) ط . السلفية ، القاهرة 1375 هـ جـ ، : (ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل أو مبتدع محتال . فأما الجاهل فهو ابن قتيبة فلم يُبقِ ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب الامامة والسياسة إن صحَّ جميع ما فيه) . ونجم الدين أبي القاسم عمر بن محمد بن محمد الهاشمي المكي المشهور بابن فهد المتوفى سنة 885 هـ في كتابه (إتحاف الورى بأخبار اُم القرى) في ذكر وقائع سنة 93 هـ جـ ، قال : (وقال أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الامامة والسياسة) . ثم نقل عنه حكاية أخذ سعيد بن جبير ... الخ .
وذكره ابن حجر الهيثمي في كتابه (تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان) ص 72 حيث قال : (صرح أئمتنا وغيرهم في الاُصول بأنه يجب الامساك عما شجر بين الصحابة . وقد علمت مما قدمته في معنى الامساك عن ذلك أن عدم الامساك قد يكون واجباً ، لا سيما مع ولوع العوام به ، ومع تآليف صدرت من بعض المحدثين كابن قتيبة مع جلالته القاضية بأنه كان ينبغي له أن لا يذكر تلك الظواهر ، فإن أبى إلاّ أن يذكرها فليبين جريانها على قواعد أهل السنة حتى لا يتمسك مبتدع أو جاهل بها) .
وكذلك ذكره ابن خلدون في آخر باب حرب الجمل من تاريخه قال : (هذا أمر الجمل ملخصاً من كتاب أبي جعفر الطبري ، اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الاهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين)
ج1/281-282المهدي من ولد الحسين عليه السلام .
ج1/283-285 خطبة لعلي عليه السلام ، ج2/40 ، ج6/220-224 ، ج19/124 .
ج6/220-224 :
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث في باب ام سلمة قال : لما ارادت عائشة الخروج إلى البصرة اتتها ام سلمة فقالت لها انك سدة بين محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وبين امته وحجابك مضروب على حرمته قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها الله من وراء هذه الامة لو اراد رسول الله صلى الله عليه وآله ان يعهد اليك عهدا عُلتِ عُلتِ بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ، ان عمود الإسلام لا يثاب بالنساء ان مال ولا يرأب بهن ان صدع ، حماديات النساء غض الاطراف وخفر الاعراض وقصر الوهازة ، ما كنت قائلة لو ان رسول الله صلى الله عليه وآله عارضك بعد الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلى آخر ، ان بعين الله مهواك وعلى رسوله تردين وقد وجهت سدافته ويروى سجافته وتركت عهيداه ، لو سرت مسيرك هذا ثمَّ قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت ان القى محمدا صلى الله عليه وآله هاتكه حجابا وقد ضربه علي ، اجعلي حصنك بيتك ووقاعة الستر قبرك حتّى تلقينه وانت على تلك اطوع ما تكونين لله بالرقبة وانصر ما تكون للدين ما حلت عنه لو ذكرتك قولا تعرفينه لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة .
فقالت عائشه : ما أقبلني لوعظك وليس الأمر كما تظنين ولنعم المسير مسير فزعت فيه إلى فئتان متناجزتان ، او قالت : متناحرتان ان اقعد ففي غير حرج وان اخرج فإلى ما لا بد لي من الازدياد منه
ج11/121-122 .
قال ابن أبي الحديد : قرأت في كتاب غريب الحديث لأبي محمد عبد الله بن قتيبة في حديث حذيفة بن اليمان انه ذكر خروج عائشة فقال : تقاتل معها مضر مضرها الله في النار وازد عمان سلت الله اقدامها وان قيسا لن تنفك تبغي دين الله شرا حتّى يركبها الله بالملائكة فلا يمنعوا ذَنَبَ تَلْعَة .
قال ابن أبي الحديد : هذا الحديث من اعلام نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله لانه إخبار عن غيب تلقاه حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله ، وحذيفة اجمع أهل السيرة على انه مات في الأيّام التى قتل عثمان فيها اتاه نعيه وهو مريض فمات وعلي عليه السلام لم يتكامل بيعة الناس ولم يدرك الجمل .
و هذا الحديث يؤكد مذهب اصحابنا في فسق اصحاب الجمل إلاَّ من ثبتت توبته منهم وهم الثلاثه .
ج5/219-222 . ج6/107-111 .
ج 6 باب 68 ص 107 ما رواه ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار قال : رأى عمرو بن العاص معاوية يوما فضحك وقال : مم تضحك يا امير المؤمنين اضحك الله سنك ؟ قال : اضحك من حضور ذهنك عند ابدائك سوءتك يوم ابن أبي طالب ، والله لقد وجدته منانا كريما ولو شاء ان يقتلك لقتلك ، فقال عمرو : يا امير المؤمنين اما والله اني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فاحولَّت عيناك وانفتح سحرك وبدا منك ما اكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك او فدع .
ج10/20 . ج 15 / 107 .
ج16/125-126دخل الحجاج على الوليد وعليه درع وعمامة سوداء .
ج19/271 .
ج4/69 ، 122 .
ج 4 باب 56 ص 69 .
وروت الرواة ان أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق ويلعب معهم وكان يخطب وهو امير المدينة ، فيقول : الحمد لله الذى جعل الدين قياما وابا هريره اماما ، يضحك الناس بذلك وكان يمشي وهو امير المدينة في السوق ، فاذا انتهى إلى رجل يمشى امامه ضرب برجليه الارض ويقول : الطريق الطريق قد جاء الامير يعنى نفسه .
قال ابن أبي الحديد : قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمه أبي هريره وقوله فيه حجة لانه غير متهم عليه .
ج 19 باب 317 ص 218 .
و قد ذكر ابن قتيبة حديث البرص والدعوة التى دعا بها امير المؤمنين عليه السلام على انس بن مالك في كتاب المعارف في باب البرص من اعيان الرجال وابن قتيبة غير متهم في حق علي عليه السلام على المشهور من انحرافه عنه .
أقول :
ذكر ابن قتيبة في المعارف ص580 تحت عنوان (البرص) أنس بن مالك قال : كان بوجهه برص وذكر قوم ان عليا عليه السلام سأله عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ؟ فقال : كبرت سني ونسيت ، فقال له علي عليه السلام : ان كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة .
قال أبو محمد : ليس لهذا أصل .
أقول : كلام ابن أبي الحديد (وابن قتيبة غير متهم في حق علي على المشهور من انحرافه عنه) يفيدنا أن النسخة التي كانت عند ابن أبي الحديد لا توجد فيها عبارة (قال أبو محمد ليس لهذا اصل) .
______________________
(1) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 15/170 .
(2) شاكر مصطفى : التاريخ والمؤرخون ج1/241 .
(3) العلامة العسكري : عبد الله بن سبأ ج1 ص 336 - 338 .
(4) تفسير غريب هذا الخبر (السدة) الباب (فلا تندحيه) اى لا تفتحيه ولا توسعيه بالحركه والخروج (وسكن عقيراك) من عقر الدار وهو اصلها (فلا تصحريها) اى لا تبرزيها وتجعليها بالصحراء (علت علت) اى جرت في هذا الخروج وعدلت عن الجواب والعول الميل والجور (عن الفرطة في البلاد) اى عن السفر والشخوص من الفرط وهو السبق والتقدم ورجل فارط اتى الماء اى سابق (لا يثاب بالنساء) اى لا يرد بهن ان مال إلى استوائه من قولك ثاب فلان إلى كذا اى عاد إليه (ولا يرأب بهن ان صدع) اى لا يسد بهن ولا يجمع والصدع الشق (حماديات النساء) يقال : حماداك ان تفعل كذا مثل قصاراك ان تفعل كذا اي جهدك وغايتك (و غض الاطراف) جمعها و(خفر الاعراض) الخفر الحياء والاعراض جمع عرض وهو الجسد يقال : فلان طيب العرض اى طيب ريح البدن (وقصر الوهازة) قال ابن قتيبة سالت عن هذا فقال لي من سالته سالت عنه اعرابيا فصيحا فقال الوهازة الخطوة يقال للرجل انه لمتوهز ومتوهر اذا وطى وطئا ثقيلا . (ناصة قلوصا) اى رافعة لها في السير والنص الرفع (بعين الله مهواك) اى ان الله يرى سيرك وحركتك والهوى الانحدار في السير من النجد إلى الغور (وقد وجهت سدافته) السدافة الحجاب ، ووجهت اى نظمتها بالخرز والوجيهة خرزة معروفة وعادة العرب ان تنظم على المحمل خرزات اذا كان للنساء .
(وتركت عهيداه) لفظة مصغرة ماخوذة من العهد مشابهه لما سلف من قولها عقيراك وحماديات النساء(ووقاعه الستر) اى موقعه على الارض اذا ارسلته (لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة) اى لعضك ونهشك ما اذكره لك واذكرك به كما تنهشك افعى رقشاء والرقش في ظهرها هو النقط (فئتان متناجزتان) اى تسرع كل واحدة منهما إلى نفوس الاخرى ومن رواه متناحرتان اراد الحرب وطعن النحور بالاسنة ورشقها بالسهام .