الهجرة إلى يثرب
فلما رأت قريش أنَّ المسلمين قد صاروا إلى يثرب وقد دخل أهلها في الإسلام ، قالوا : هذا شرٌّ شاغِلٌ لا يطاق فأجمعوا أمرهم على قتل رسول الله (1) في ليلة معيَّنة فلما بَلَغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك دعا علياً وأمره أن يؤدّي عنه ما كان يؤتمن عليه من مال وأن يضطجع على فراشه وقال له : إنَّ قريشاً لم يَفقِدوني ما رأَوْك (2) وأن يخرج إليه بأهله ، واضطجع علي على فراش النبي صلى الله عليه وآله فيرون عليه عليّاً ويظنونه النبي ، حتى إذا أصبحوا رأوا علياً فقالوا : لو خرج محمد لخرج بعلي معه فحبسهم الله بذلك عن طلب النبي صلى الله عليه وآله حين رأوا علياً .
وخرج النبي صلى الله عليه وآله ولحق به أبو بكر ووصلا إلى غار ثور بجبل أسفل مكة وعرفت قريش أنَّ محمداً صلى الله عليه وآله قد خرج من مكة فطلبوا الأثر ، فلم يقعوا عليه وأعمى الله المواضع ، فوقفوا على باب الغار وقد عشَّشت عليه حمامة فقالوا : ما في هذا الغارأحد وانصرفوا .
قال تعالى : (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)التوبة/40 .
وأقام النبي صلى الله عليه وآله ثلاث ليال في الغار ثم استأجر دليلاً فأخذ به ومعه أبو بكر على طريق السواحل حتى وصل قُباء وهي من ضواحي يثرِب ، لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول ونزل عند كُلثوم ابن الهِدْم منتظراً قدوم علي عليه السلام فقدم عليه السلام بعياله من مكة (3) (وكان يسير بالليل ويكمُن (4) بالنهار حتى تفطَّرت قدماه فاعتنقه النبي صلى الله عليه وآله وبكى رحمة لما بقدميه من الوَرَم وتَفَل في يديه وأمرَّهما على قدميه فلم يشتَكِهما بعد ذلك حتى قتل عليه السلام ) (5) ونزل علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله في دار كُلثوم بن الهِدم .
|
