إنذار العشيرة الاقربين
(حادثة يوم الدار)
قال علي عليه السلام : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله (وانذر عشيرتك الاقربين) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا علي إنّ الله أمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني متى أُبادِهّْم (1) بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فَصَمَتُّ عليه حتى جاء جبريل فقال : يا محمد إنّك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربُّك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عُسَّاً من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب (2) حتى أكلِّمهم وأُبلِّغهم ما أُمرت له .
ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فيهم أعمامه (3) : أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وآله حذية من اللحم فشقَّها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصَّحفة ثم قال : خذوا بسم الله ، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلاّ موضع أيديهم ، والله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم ثم قال : اسق القوم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً ، وأيم الله إن كان الرّجل الواحد منهم ليشرب مثله .
ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :
يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه .
وفي رواية قال صلى الله عليه وآله : إني لرسولُ الله إليكم خاصّة وإلى النّاس كافَّة والله لتموتُنَّ كما تنامون ولتُبعثُنَّ كما تستيقظون ولتُحاسبُنَّ بما تعملون ولتُجزون بالإحسان إحساناً وبالسّوء سواءً وإنّها للجنّة أبداً والنّار أبداً وأنتم لأولى من أنذر .
فقال أبو طالب : ما أحب إلينا معاونتك ومرافدتك وأقْبَلُنا لنصيحتك وأشدُّنا تصديقاً لحديثك ... امضِ لما أُمرت به فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك .
وقال أبو لهب : خذوا على يد صاحبكم قبل أن يأخذ على يده غيركم ، فإن اسلمتموه ذُلِلْتُم وإن منعتموه قُتِلْتُم .
فقال أبو طالب : يا عَوْرَة (4) ، والله لننصُرَنَّه ثم لنعينَنَّه ، يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلى ربّك فأعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح (5) .
وفي رواية البلاذري أنَّ صفيَّة بنت عبد المطلب قالت لأبي لهب : أي أخي أحسن بك خِذلان ابن اخيك واسلامَه ، فوالله ما زال العلماء يخبرون أنّه يخرج من ضِئضِيء (6) عبد المطلب نبي فهو هو . فقال لها : هذا والله الباطل والأماني وكلام النّساء
في الحِجال (7) ، إذا قامت بطون (8) قريش كلها وقامت معها العرب فما قوتنا بهم والله ما نحن عندهم إلا أَكْلة رأس (9) .
وأسلم يومئذ عبيدة بن الحارث بن المطلب (10) .
ثم قال النبي صلى الله عليه وآله : فأَيُّكم يؤازِرُني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيَّي وخليفتي فيكم ؟
قال علي عليه السلام : فأحجم القوم عنه جميعا وقلت وإنّي لأحْدَثُهم سِنّاً وأرْمَصُهم(11)عيناً وأعظَمُهم بطناً وأحمشهم(12) ساقًا:أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.
فأخذ برقبتي ثم قال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا (13) .
أقول : لقد شاءت الحكمة الإلهية ان يكون إنذار محمد صلى الله عليه وآله لعشيرته الأقربين شبيهاً بإنذار موسى لعشيرته الأقربين .
ففي القرآن الكريم قوله تعالى (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ) الأحقاف/10 ، والضمير في (مثله) يعود إلى الشاهد من بني إسرائيل وهو موسى عليه السلام .
وفي التوراة في سفر التثنية الإصحاح 18 الفقرات 15ـ22 (يقيم لك الرب من أقرباء أخيك نبيّاً مثلي) (سأقيم لهم من أقرباء أخيهم نبيّاً مثلك وأضع كلامي في فمه لكي يبلِّغهم جميع ما آمره به) .
وفي القرآن الكريم (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا) المزمل/15 .
إنّ هذه المِثْليَّة بين محمد صلى الله عليه وآله وموسى عليه السلام قد تحققت بشكلها الكامل من خلال قصة إنذار العشيرة وإبلاغ الناس ، فكان لمحمد صلى الله عليه وآله منذ البدء وزير وخليفة وهو أخوه علي عليه السلام (14) كما كان لموسى وزير وخليفة وهو أخوه هارون ، ولم يعرض القرآن الكريم في قصص أنبيائه نبيّاً كموسى من هذه الناحية .
|