نُصرة أبي طالب
للرسول صلى الله عليه وآله
صان الله رسوله من قريش بعمّه أبي طالب ، لأنّه كان شريفاً مطاعاً فيهم لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله لما يعلمون من محبته له (1)
وحمايته له ولقوله فيه :
والله لن يصلوا
إليك بجمعهم
حتى أُوسَّدَ في التراب دفينا
فاصدع بأَمرك ما عليك غضاضة (2)
ابشر
وقر بذاك منك عيونا
ولما رأت قريش ظهور الإسلام وجلوس المسلمين حول الكعبة سقط في أيديهم فمشوا إلى أبي طالب حتى دخلوا عليه ، فقالوا : أنت سيدنا وأفضلنا في أنفسنا ، وقد رأيت هذا الذي فعل هؤلاء السفهاء مع بن أخيك من تركهم آلهتنا وطعنهم علينا
وتسفيههم أحلامنا ، وجاءوا بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا : قد جئناك بفتى قريش جمالاً ونسباً ونِهادة (3) وشَعراً ندفعه إليك فيكون لك نصره وميراثه وتدفع إلينا ابن أخيك فنقتله فإن ذلك أجمع للعشيرة وأفضل في عواقب الأمور مغبة .
قال أبو طالب : والله ما أنصفتموني تعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه ، ما هذا بالنَّصَف تسومونني سَوْمَ العرير (4) الذليل .
قالوا : فأرسل إليه فلنعطِه النَّصَف .
فأرسل إليه أبو طالب ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا بن أخي هؤلاء عمومتك وأشراف قومك وقد أرادوا ينصفونك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قولوا أسمع ، قالوا : تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك .
قال أبو طالب : قد أنصفك القوم فاقبل منهم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أرأيتم إن أعطيتكم هذه هل أنتم معطىَّ كلمة إنْ أنتم تكلمتم بها ملكتم بها العرب ودانت لكم بها العجم ؟
فقال : أبو جهل إن هذه لكلمة مربحة ، نعم وأبيك لنقولنها وعشر أمثالها .
قال : قولوا لا إله إلا الله .
فاشمأزُّوا ونفروا منها وغضبوا وقاموا وهم يقولون : اصبروا على آلهتكم إنَّ هذا لشيء يراد ، ويقال المتكلم بهذا : عقبة بن أبي معيط وقالوا : لا نعود إليه أبداً وما خير من أن يغتال محمد .
فلما كان مساء تلك الليلة فُقِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وجاء أبو طالب وعمومته إلى منزله فلم يجدوه فجمع فتيانا من بني هاشم وبني المطلب ثم قال : ليأخذ كل واحد
منكم حديدة صارمة (5) ثم ليتبعني إذا دخلت المسجد فلينظر كل فتى منكم فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم ابن الحنظلية يعني أبا جهل فإنه لم يغب عن شر إن كان محمد قد قتل ، فقال الفتيان : نفعل ، فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب على تلك الحال فقال : يا زيد أحسست (6) بن أخي ، قال : نعم كنت معه آنفا ، فقال أبو طالب : لا أدخل بيتي أبدا حتى أراه ، فخرج زيد سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في بيت عند الصفا ومعه أصحابه يتحدثون ، فأخبره الخبر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي طالب فقال : يا بن أخي أين كنت ؟ أكنت في خير ؟ قال : نعم ، قال : ادخل بيتك فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما أصبح أبو طالب غدا على النبي صلى الله عليه وآله فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون فقال : يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به ؟ قالوا : لا ، فأخبرهم الخبر وقال للفتيان : أكشفوا عما في أيديكم فكشفوا ، فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة ، فقال : والله لو قتلتموه ما بقَّيت منكم أحدا حتى نتفانى (7) نحن وأنتم ، فانكسر القوم وكان أشدهم انكسارا أبو جهل (8) .
|