الإمام علي بن الحسين (ع) والوصية |
قوله:
لم يوص الحسين الى ابنه الوحيد علي زين العابدين وانما اوصى الى اخته زينب
اقول:
روايات اهل البيت(ع) تؤكد ان الإمام علي بن الحسين (ع) وارث أبيه ومقامه بوصية منه وبوصية من النبي (ص)
صفحة 97 |
نص الشبهة
قوله: “ولم يكن (الامام الحسين) يقدم اية نظرية حول (الامام المعصوم المعين من قبل الله) ولم يكن يطالب بالخلافة كحق شخصي له لأنه ابن الامام علي او انه معين من قبل الله. ولذلك فانه لم يفكر بنقل (الامامة) الى احد من ولده، ولم يوص الى ابنه الوحيد الذي ظل على قيد الحياة:(علي زين العابدين)، وانما اوصى الى اخته زينب او ابنته فاطمة، وكانت وصيته عادية جدا تتعلق باموره الخاصة، ولا تتحدث ابدا عن موضوع الامامة والخلافة” ص 19وايضا ض 60.
الرد على الشبهة
اقول:
1 . مرَّ في التعليق على المورد التاسع قول الإمام الحسين (ع) في كتابه إلى رؤساء الأخماس بالبصرة (أما بعد فأن الله اصطفى محمداً على خلقه… وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته واحق الناس بمقامه
صفحة 98 |
في الناس) وهذا النص منسجم كل الانسجام مع قول أبيه علي (ع) في أهل البيت (ع) (هم موضع سره ولجأ أمره… وفيهم الوصية والوراثة) (1) .
2 . لم يخرج الإمام الحسين (ع) مطالبا بالخلافة ، وإنما خرج من المدينة ممتنعا عن بيعة يزيد آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ثم استقر في مكة ولما عرض أهل الكوفة نصرته على جهاد الظالمين ووجد فيهم الشروط متوفرة هاجر إليهم لينطلق بهم في حركة الجهاد ضد الأمويين وشاء الله تعالى ان يحال بينه وبين أنصاره وان يسجن قسم منهم وان يقتل القسم الآخر بين يديه وان يكرمه الشهادة وان يجعل حبس النصر عنه لما هو أرضى وكان الأمر كذلك فقد صارت شهادة الحسين باذن الله الباب الاوسع لحفظ الاسلام وحفظ حيوية الامة وسر قدرتها على النهوض في وجه الظالمين الى آخر الدنيا.
3 . لقد كان التفاف أهل الكوفة حول الإمام الحسين (ع) امتداداً لالتفافهم حول أخيه الحسن (ع) ومن قبل أبيهما علي (ع) وقد بني هذا الالتفاف في عهد حكومة علي (ع) على أساس الأحاديث النبوية التي كانت قد كتمت في عهد الثلاثة ثم انتشرت في عهد علي (ع) كقوله (ص) لما نزلت آية التطهير : اللهم هؤلاء أي (علي وفاطمة
(1) نهج البلاغة الخطبة رقم 2 وشرح النهج ج1/138 .
صفحة 99 |
والحسن والحسين وقد أدار الكساء عليهم/ أهل بيتي وحامتي وخاصتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدوٌ لمن عاداهم (1) .
وقوله (ص) (حسين مني وأنا من حسين احب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط) (2) .
والأسباط الذين عناهم النبي (ص) إما هم المشار إليهم في قوله تعالى (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى) البقرة/140 وهؤلاء هم يوسف والأئمة من ذريته أو هم المشار إليهم في قوله تعالى (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا) الأعراف/159-16 وهم النقباء بعد موسى وهم يوشع بن نون ، وولدا هارون والأئمة من ذريتهما وكلا الاحتمالين يؤدي الغرض لان الأسباط في
(1) ذخائر العقبى ص58 اخرجه عن الغساني في معجمة عن ام سلمة .
(2) ذخائر العقبى ص 231 ، وقد خرَّجه الترمذي وقال حسن ، وخرجه ايضا ابو حاتم في صحيحه (6971) واحمد في مسند 4/172 وابن ماجة (144) في المقدمة وابن عساكر في تاريخه (مختصره 7/120) والمزي في تهذيب الكمال (10/426-427) وايضا سير اعلام النبلاء 3/283 ، وتقريب صحيح ابن حبان 15/427 -428 .
صفحة 100 |
كليهما هم الأحفاد والذين امتدت بهم الرسالة الإلهية بأمر الهي ، ولكن الاحتمال الثاني هو الأقرب حيث شبَّه النبي (ص) الأئمة بعده و عددهم بنقباء بني إسرائيل بعد موسى وعددهم كما في رواية ابن مسعود (اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل) (1) .
4 . أما قوله (ولم يوصِ الحسين إلى ابنه الوحيد على زين العابدين وإنما أوصى إلى أخته زينب وابنته فاطمة وكانت وصية عادية جداً) هذا النفي منه محض ادعاء ، لان الروايات عن أهل البيت (ع) تؤكد ان امر الامامة عهد معهود من رسول الله (ص) الى علي (ع) ثم الى رجل فرجل الى ان ينتهي الى القائم (ع) (2) وان كتب علي (ع) التي أملاها عليه النبي (ص) وكتبها علي بيده صارت من بعد الحسين (ع) إلى ولده علي بوصية منه ،نعم لم يصطحبها الحسين (ع) معه لما خرج إلى مكة وإنما استودعها عند أم سلمة كما روى أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) قال : ان الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع أم سلمة رضى الله عنها الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين (ع) دفعتها اليه (3) .
(1) انظر اسانيده في الحل قة الثانية من شبهات وردود.
(2) انظر الحلقة الأولى الفصل الثاني.
(3) الكافي 1:304 .
صفحة 101 |
وفي بصائر الدرجات : عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله الإمام الصادق (ع) - قال : ان الكتب كانت عند علي (ع) فلما سار إلى العراق استودع الكتب أم سلمة فلما مضى علي كانت عند الحسن ، فلما مضى الحسن كانت عند الحسين ، فلما مضى الحسين كانت عند علي بن الحسين ، ثم كانت عند أبي -الإمام الباقر- (1) .
وفي بصائر الدرجات ثلاث روايات أخرى اثنتان منها عن أم سلمة قالت : ان رسول الله استودعها كتاباً فسلمته الإمام عليا بعد رسول الله ، والثالثة عن ابن عباس بالمعنى نفسه .
وفي الكافي عن سليم بن قيس ، قال : شهدتُ وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن (ع) واشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن : يا بني امرني رسول الله (ص) ان أوصي إليك وان ادفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليَّ رسول الله (ص) ودفع إليَّ كتبه وسلاحه ، وامرني ان آمرك إذا حضرك الموت ان تدفعها إلى أخيك الحسين ثم اقبل على ابنه الحسين ، فقال له : وأمرك رسول الله (ص) ان تدفعها إلى ابنك هذا ثم اخذ بيد علي بن الحسين ثم قال لعلي بن الحسين : وأمرك رسول الله (ص) ان تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله (ص) ومني السلام (2) .
قال العلامة العسكري : ما سلمه الإمام هنا إلى ابنه الحسن كتاب
(1) بصائر الدرجات : 162،167،ح21.
(2)الكافي والوافي 2:79
صفحة 102 |
واحد وهو غير الكتب التي أودعها أم المؤمنين أم سلمة بالمدينة عند هجرته من المدينة ، والتي تسلمها الإمام الحسن منها عند عودته إلى المدينة .(1)
وفي غيبة الشيخ الطوسي ، ومناقب ابن شهر آشوب ، والبحار : عن الفضيل قال :
قال لي أبو جعفر الإمام الباقر (ع) لما توجه الحسين (ع) إلى العراق ، دفع إلى أم سلمة زوج النبي (ص) الوصية والكتب وغير ذلك ، وقال لها : إذا أتاك اكبر ولدي فادفعي إليه ما دفعت إليك ، فلما قتل الحسين (ع) أتى علي بن الحسين أم سلمة فدفعت إليه كل شيء أعطاها الحسين (ع) (2) .
وفي الكافي وأعلام الورى ومناقب ابن شهر آشوب والبحار واللفظ للأول ، عن أبي بكر الحضرمي عن الإمام الصادق (ع) قال : ان الحسين (ع) لما سار إلى العراق استودع أم سلمة (رض) الكتب والوصية ، فلما رجع علي بن الحسين (ع) دفعتها إليه (3) .
(1) معالم المدرسين 329:1.
(2) غيبة الشيخ الطوسي ط. تبريز سنة 1323 هجـ ، ومناقب ابن شهر آشوب 172:4 ، والبحار 18:46 ، ح2 وقد أخذنا اللفظ من الأخير .
(3) انظر اصول الكافي 304:1 ، واعلام الورى :152 ، والبحار 16:46 ، ومناقب ابن شهر آشوب 172:4. ابو بكر الحضرمي عبد الله بن محمد روى عن الامام الصادق (ع) قاموس الرجال 16:15.
صفحة 103 |
قال العلامة العسكريبقية مواريث الإمامة إلى ابنته فاطمة : وكان ذلك غير الوصية التي كتبها في كربلاء ودفعها مع فدفعتها إلى علي بن الحسين وكان يوم ذاك مريضاً لا يرون انه يبقى بعده (1) .
وفي الكافي واعلام الورى وبصائر الدرجات والبحار واللفظ للأول : عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده قال : التفت علي بن الحسين إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده ، ثم التفت إلى محمد بن علي بأنه ، فقال : يا محمد! هذا الصندوق ، فأذهب به إلى بيتك ، ثم قال - أي علي بن الحسين- أما انه ليس فيه دينار ولا درهم ولكنه كان مملوء علماً (2) .
وفي بصائر الدرجات والبحار : عن عيسى بن عبد الله بن عمر ، عن جعفر بن محمد - الإمام الصادق (ع) - قال : لما حضر علي بن الحسين الموت قبل ذلك اخرج السفط أو الصندوق عنده فقال : يا
(1) معالم المدرسين 330:2.
(2) اصول الكافي 305:1 ح2 ، واعلام الورى : 260 ، وبصائر الدرجات باب 4:1 والبحار 229:46ح1، والوافي 38:2 وعيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بابن ابي طالب وقد يقال له : الهاشمي ، روى عن الصادق قاموس الرجال 275- 276.
صفحة 104 |
محمد احمل هذا الصندوق ، قال : فحُمِل بين أربعة رجال فلما توفي جاء اخوته يدَّعون في الصندوق ، فقالوا : اعطنا نصيبنا من الصندوق ، فقال : والله مالكم فيه شيء ، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إليَّ ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه (1) .
وفي بصائر الدرجات عن زرارة عن أبي عبد الله قال : ما مضى أبو جعفر حتى صارت الكتب إليَّ (2) .
وفيه - أيضا- عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله يقول : ما مات أبو جعفر حتى قبض -أي عبد الله- مصحف فاطمة (3) .
وفي الكافي وبصائر الدرجات : عن حمران عن أبي جعفر (ع) قال : سألته عما يتحدث الناس انهُ دِفعت إلى أم سلمة صحيفة مختومة فقال : ان رسول الله (ص) لما قبض ورث علي (ع) علمه وسلاحه وما هناك ، ثم صار إلى الحسن (ع) ، ثم صار إلى الحسين (ع)
(1) اصول الكافي 305:1ح1 ، بصائر الدرجات 4باب 165:4 واعلام الورى : 260 والبحار 229: 46.
(2) بصائر الدرجات : 158 ، وراجع: 186،181،180،. زرارة ابو الحسن واسمه عبد ربه ابن اعين مولى بني شيبان بكوفي روى عن الامام الصادق (ت: 150 هـ) قاموس الرجال 154:4).
(3) بصائر الدرجات : 158.
صفحة 105 |
فلما خشينا ان نغشى استودعها أم سلمة ثم قبضها بعد ذلك علي بن الحسين (ع) . قال : فقلت : نعم ثم صار إلى أبيك ، ثم انتهى إليك وصار بعد ذلك إليك ؟ قال نعم .
وعن عمر بن أبان : قال سألت أبا عبد الله (ع) عما يتحدث الناس انه دفع إلى أم سلمة صحيفة مختومة ، فقال ان رسول الله (ص) لما قبض ورث علي (ع) علمه وسلاحه وما هناك ثم صار إلى الحسن (ع) قال : قلت ثم صار إلى علي بن الحسين ثم صار إلى ابنه ثم انتهى إليك فقال نعم (1) .
اقول :ويؤكد مسألة وجود تراث علمي خاص ورثه الصادق (ع) عن أبيه الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين عن أخيه الحسن عن أبي علي (ع) ما ذكره ابن عدي قال : ولجعفر بن محمد حديث كبير عن أبيه عن جابر وعن أبيه عن آبائه ونسخا لأهل البيت يرويه جعفر بن محمد (2).
وليس من شك ان الميراث العلمي هذا والذي يتقرر صاحبه
(1) الكافي كتاب الحجة 48:3 والوافي 133:2 وبصائر الدرجات : 188،186،177وقد اخذنا روايات هذه التعليقة من كاب معالم المدرسين 329:2-332.
(2)الكامل في الضعفاء ومثله ابن حجر في تهذيب التهذيب.
صفحة 106 |
بالوصية الإلهية هو المراد بقوله تعالى( وَ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَ مِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ ) فاطر/31-32.
ان الآية تقرر بصراحة ان الكتاب الإلهي وبيانه الإلهي من خلال قول النبي وفعله وتقريره يكون ميراثاً خاصاً بوصية إلهية للمصطفين من عباد الله من أتباع محمد (ص) إلى يوم القيامة وهؤلاء المصطفون هم فئة خاصة وهم أهل البيت الذين طهرهم الله تعالى واذهب عنهم الرجس وجعلهم النبي (ص) عدلاً للقرآن في حديثه المعروف بحديث الثقلين وجعل التمسك بهما معاً أمانا وعصمة من الضلالة .
وتقرر الآية أيضا ان هؤلاء المصطفين الوارثين جعلهم الله تعالى أئمة هدى بعد الرسول (ص) ، نظير جعل إسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط (آل يعقوب) أئمة بعد إبراهيم ونظير جعل آل هارون أئمة بعد موسى .