يشترك
القران الكريم مع التوراة في حديثه عن
النبوات الأولى والأمم القديمة التي
خلت ويزيد عليها بحديثه عن هود وصالح
وقوم عاد وثمود وأصحاب الرس وتقديمه
معلومات تفصيلية عن الطوفان وعن
إبراهيم ويوسف والأسباط وموسى وبني
إسرائيل وقد جاء بعضها مخالفاً لما ورد
في التوراة .
وعلى
الرغم من الحقيقة الآنفة الذكر ومن
وجود عدد لا بأس به من علماء الآثار من
أبناء المسلمين وتراكم كشوفات الآثار
المتعلقة بالأمم القديمة وتعاظم نشاط
علماء آثار التوراة على الرغم من كل
ذلك لم يظهر (علم آثار القرآن) [1] وفي تقديرنا أن أسباب ذلك تعود
إلى :
1 . إن
اغلب أو كل المشتغلين بالآثار هم من
المسلمين الذين انقطعت صلتهم الفكرية
مع القران الكريم .
2 .
إن علم الآثار في البلاد الإسلامية
اقترن بحالة الابتعاد عن الإسلام
وإحياء أمجاد الشعوب ما قبل العهد
الإسلامي بهدف أضعاف الرابطة
الإسلامية وإذكاء الرابطة القومية
والوطنية .
3 . ضعف
الدراسات المقارنة لدى الإسلاميين
عموما ولعل مرد ذلك إلى عدم وضوح أثرها
الجيد على الدراسات الإسلامية
والنشاطات التبليغية .
4 . عدم
توفر القدرة لأغلب علماء المسلمين على
الاستفادة المباشرة من المصادر
المكتوبة بالإنجليزية والفرنسية
والألمانية أو المكتوبة بالعبرية
والسريانية والمسمارية وهي شروط لازمة
للعمل في هذا الحقل .
دور
علم الآثار
في تنشيط الدعوة إلى
القران الكريم
يعلن
القرآن الكريم موقفا واضحا من الكتب
الإلـهية التي عاصرها (التوراة
والإنجيل) على أنها كتبٌ إلـهية ابتليت
بالتحريف والزيادة والنقصان ومن ثم
عرض القران نفسه إزاءها على انه مصدق
ومهيمن ومصحح لبعض أخطائها .
ويعرض
المسلمون القرآن الكريم / وقد عرض
نفسه كذلك / على انه محفوظ من
الزيادة والنقيصة .
وفي
ضوء ذلك : يترقب الباحث أن تكون مكتشفات
علم آثار الشرق عامل اختبار إيجابي جدا
[2]
للمعلومات القرآنية حول الحضارات
القديمة والتي لم تذكرها التوراة أو
التي ذكرتها التوراة وخالفها القرآن
في بعض التفاصيل عنها .
ومن
المؤكد أن ذلك سوف ينشط حركة القرآن في
نفوس أبنائه بل في نفوس خصومه .
ونحن
على يقين وثقة حين نقول :
إن
دراسة المعلومات القرآنية وأحاديث أهل
البيت (ع) المرتبطة بها في ضوء
معطيات علم الآثار وكشوفاته ستؤدي إلى
فتح آفاق جديدة في فهم حركة التاريخ
البشري وتطور الحضارات ، مضافا إلى
ترشيد حركة التنقيب الآثاري في الشرق ،
وتصحيح مسيرة علم الآثار وإعادة تنظيم
أولويات أهدافه ليؤدي أيضا إلى حركة
اكثر نشاطا باتجاه القرآن واقرب إلى
هدفه [3]
من تلك التي نشأت بفعل دراسة بعض آيات
القرآن في ضوء معطيات العلم الحديث .
وذلك :
لان الأفق
العلمي الحديث الذي كانت تنطوي عليه
بعض الآيات بقي كامنا حتى أثارته
الكشوفات العلمية الآتية من الغرب
المسيحي وهو امتياز يسجله القرآن
الكريم في قبال التوراة التي أبدت
نصوصها في هذا المجال تخلفا سجله
الباحثون الغربيون أنفسهم عليها [4] .
أما الأفق
الآثاري والتاريخي للقرآن فهو واضح
فيما يخالف التوراة وفيما يوافقها به
وحين تأتي كشوفات الآثار لتنسجم مع هذا
الأفق بل تنسجم مع المعلومات التي
آثارها القرآن الكريم وتداولـها
المسلمون طوال القرون التي مرت على
نزوله نكون أمام أدلة حسية على صدق
إخبارات القرآن الكريم عن أوضاع الأمم
الغابرة وبالتالي أمام أدلة حسية
جديدة على نبوة محمد (ص) في الساحة
العالمية المعاصرة .
إذ
كيف يتاح لمحمد (ص) إذا لم يصدر عن
الوحي فيما يقول أن يذكر عن قوم نوح
وهود وصالح وإبراهيم معلومات تخالف
موروث أهل الكتاب ومعلومات عصره ويربط
مصير دعوته بتلك المعلومات على أنها
الحق والواقع في أفق الزمن الممتد الذي
ينطوي على كثير من المفاجآت ومنها
مفاجأة الكشف عن حضارات تلك الأمم
الغابرة .
إذن
فالتطابق بين المعلومات القرآنية عن
الحضارات القديمة وكشوفات علم الآثار
فيها يأتي تصديقا لقوله تعالى :
(تِلْكَ
مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا
إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا
أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ
هَذَا) هود/49.
وقوله
تعالى :
(ذَلِكَ
مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ
عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ )
هود/100 .
[1]
تجدر الاشارة إلى دراسة الباحث
الـهندي أبو الكلام آزاد حول ذي
القرنين ودعم وجهة نظره في البحث
بمكتشفات علم الآثار في إيران ،
ودراسة الباحث المصري عبد الحميد
السحار في بحوثه عن إبراهيم وبني
إسماعيل ، والعلامة
الدكتور محمد بيومي مهران رئيس
قسم التاريخ والآثار المصرية في
موسوعته القيمة (مصر والشرق الأدنى
القديم) حيث حاول الاستفادة من
مكتشفات علم الآثار المصري لتوضيح
بعض المسائل المرتبطة بتاريخ يوسف
وبني إسرائيل وموسى في مصر وكذلك
دراساته الأخرى من قبيل سلسلة
دراسات تاريخية من القرآن الكريم
أربعة أجزاء طبعت بيروت 1988 وغيرها ،
وكذلك دراسة الباحث العراقي الدكتور
بهاء الدين الوردي في كتابه (رموز
القران) حيث درس بعض الألفاظ
والمعارف القرآنية في ضوء اللغات
والحضارات القديمة وتمتاز هذه
الدراسة الأخيرة على ما عليها من
ملاحظات بكونها تستهدف أساسا دراسة
القرآن في ضوء مكتشفات علم الآثار
واللغات الشرقية القديمة .
[2]
قلنا (عامل اختبار ايجابي) لاننا على
ثقة تامة ان القرآن كلام الله خالق
الانسان والعالم بتفاصيل مسيرته
الماضية والاتية وان النص القرآني
هوهو كما انزله الله على نبيه محمد (ص) .
[3]
ان هدف القرآن هو هداية الانسان إلى
الله وتصحيح معلوماته التاريخية
والكونية التي ترتبط بذلك .
[4]
تجدر الاشارة هنا إلى دراسة قيمة في
هذا المجال قام بها الباحث الفرنسي
الدكتور موريس كاباي ترجمت إلى
العربية ونشرت بعنوان (دراسة الكتب
المقدسة في ضوء المعارف الحديثة)
اثبت فيها تخلف التوراة عن مسيرة
العلم الحديث بخلاف القرآن الكريم
الذي اثبت انسجاما منقطع النظير ،
ولان الباحث كان مطلعاً على الحديث
النبوي السني (الكتب الستة) وكان في
هذا التراث ما يشبه الاساطير
التوراتية نبَّه إلى التمييز بين
القرآن والحديث بقوله : (كيف امكن
لمحمد(ص) ان يتناول قبل اربعة عشر
قرنا حقائق علمية في القرآن لم
يكتشفها الا التقدم العلمي في
القرون الحديثة لو لم يكن القرآن
وحياً منزلا لا شك فيه ولا ارتياب في
نصوصه ؟ وهذا على خلاف الاحاديث
التي اشارت إلى بعض المواضيع
العلمية وكانت قابلة للنقد والشك
فيها وانني حينما اشير إلى بعض هذه
الاحاديث لا اريد منها الا الاحاديث
التي اعتبرت صحيحة بصورة عامة مثل
احاديث صحيح البخاري … وهكذا
يتقرر لدينا ان حقائق القرآن
العلمية تدل جميعها على ان نصوص
القرآن نصوص لا دخل ليد البشر فيها
وانها وحي لا شك فيه وذلك خلافا
لنصوص الاحاديث الظنية من اخبار
الاحاد التي لا يمكن ان ترتفع في
الثبوت إلى درجة الوحي المنزل
المتواتر المكتوب وذلك لما قد يدخل
عليها من اخطاء الرواة وفضلا عن ذلك
كله فقد يكون الحديث صحيحا لا شك فيه
ولكنه مادام من امر من امور الدنيا
مما لا علاقة للدين به فلا فرق عندئذ
في ذلك بين النبي(ص) وبين غيره من
البشر لما ورد في صحيح مسلم عن النبي(ص)
(اذا امرتكم بشيء من دينكم فخذوا به
واذا امرتكم بشيء من رأيي فانما انا
بشر) ص277-278 .
اقول :
اشارة الباحث إلى ماقد يدخل في
الحديث النبوي من الرواة عن النبي (ص)
من اشتباه امر صحيح وقد فاته ان
الحديث الذي رواه مسلم ونظائره مما
يقول اهل السنة بصحته موضوع عن عمد
وانه لا فصل في حديث النبي(ص) بين امر
الدين والدنيا ، فانها كلها صادقة
في اصل صدورها ، ومن هنا اذا رأينا
الرواية تخالف النص القرآني او
تخالف الحقيقة العلمية القطعية ولم
يكن بالامكان حملها على غير ظاهرها
حكمنا بوضع تلك الرواية من الرواة او
اشتباههم في نقلها .
|